تواجه الجزائر -واحد من أكبر الاقتصادات العربية- أزمة اقتصادية "غير مسبوقة"، بسبب تداعيات فيروس كورونا من جهة، والانهيار غير المسبوق في أسعار النفط من جهة أخرى.
وفقاً لتقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، الثلاثاء 21 أبريل/نيسان 2020، فإن النظام الجزائري يعاني "عزلة حقيقية" و"أشرس تحدياته الاقتصادية" حتى الآن.
في واجهة الصدمات: حسب نفس التقرير، فإنه على الرغم من أن البلاد ليست مُثقَلة بالديون الخارجية، فإنه لن ينجو أي ركن تقريباً من أركان اقتصادها البالغ حجمه 173 مليار دولار من موجات الصدمة العالمية، وذلك جراء اختلالات اقتصادية وسياسية في البلاد، بعد عام من الاحتجاجات المناهضة للحكومة بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
إذ ليس بإمكان الدولة العضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" التطلُّع إلى عوائد النفط لتخفيف أعبائها في أي وقتٍ قريب.
كما تحتاج الجزائر، التي كانت تعتمد في السابق على العائدات غير المفاجئة لمساعدتها في كبح المعارضة الاجتماعية، في الوقت الراهن إلى سعر نفط يبلغ 157 دولاراً للبرميل، فقط كي توازن ميزانيتها.
يُتداول مزيج خام برنت العالمي القياسي حالياً عند مستوى أقل من 30 دولاراً للبرميل، في حين تراجعت عقود النفط الآجلة في نيويورك إلى أقل من مستوى صفر دولار للبرميل يوم أمس الإثنين 20 أبريل/نيسان لأول مرة في التاريخ.
عجز مهول: يتوقع صندوق النقد الدولي، أن يسجل الاقتصاد الجزائري عجزاً في الميزانية يبلغ 20% من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى عجزٍ في الحساب الجاري، ما يعني أنه سيكون أسوأ حتى من لبنان الذي أعلن عجزه عن سداد ديونه.
وفقاً لنفس التوقعات، التي نُشِرَت هذا الأسبوع، فإن الاحتياطيات الإجمالية ربما تتراجع إلى أقل من 13 مليار دولار العام المقبل، 2021، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 90% تقريباً منذ عام 2017.
صندوق النقد الدولي، يتوقع أيضاً أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 5.2% عام 2020، ما سيرفع معدل البطالة إلى أكثر من 15%.
هذه المعطيات، وحسب بلومبيرغ تؤكد على الضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها حكام الجزائر، "في الوقت الذي يعانون فيه لتهدئة الحراك الشعبي السلمي الذي يطالب بتغييرات شاملة".
لحظة أكثر خطورة: يقول ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال إفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية: "إنَّها لحظة حساب أكثر خطورة مما كانت عليه قبل عام؛ لأنَّ لدينا هنا ثلاث أزمات –اقتصادية، وسياسية، والفيروس- ربما تتلاقى في وقتٍ لا يزال السكان فيه في حالة تعبئة عالية والثقة في الدولة متدنية، لم يسبق وأن كان النظام على هذا القدر من الضعف".
فابياني، صرح أيضاً بأن الثروات التي حققتها البلاد في الماضي من النفط والغاز قد تعني أنَّ لديها ما يكفي من احتياطيات النقد الأجنبي لتخفيف صدمة تراجع أسعار الخام إلى نحو 15-20 دولاراً للبرميل لقرابة العام، بل ولفترة أطول إذا ما فرضت الحكومة قيوداً على الواردات.
كما اعتبر بأن "هذا يُجهِّز البلاد، لمواجهة سياسية أخرى حين تُرفَع القيود الحالية الرامية لمنع انتشار الفيروس".
مع العلم أن السمة التي لا تزال تُميِّز الجزائر هي عدم وجود ديون خارجية تماماً، فبعدما طرح مخططٌ اقتصادي في عام 2019 فكرة الاقتراض من الخارج، أعلن تبون في مارس/آذار الماضي أنَّ هذه الفكرة وُضِعَت جانباً.
أزمات داخية: يرى التقرير نفسه، بأن المعاناة الاقتصادية قد بدأت بالفعل في البلاد، إذ قالت الجمعية العامة للمقاولين الجزائريين في مارس/آذار الماضي إنَّ 25 ألف شركة في مجال البناء وقطاع الأعمال العام تعطَّلت.
كما قدَّر اتحادٌ للصناعيين والمنتجين أنَّ الشركات الجزائرية فقدت 70% على الأقل من أسواقها، وكانت إيطاليا وفرنسا وإسبانيا –وكلها من بين أشد الدول تضرراً من الجائحة- أكبر ثلاث وِجهات للصادرات الجزائرية عام 2019.
محمد، وهو مهندس يبلغ من العمر 30 عاماً في إحدى الشركات المملوكة للدولة، والذي كان ينزل بانتظام إلى الشارع في العام الماضي، وطلب عدم الكشف إلا عن اسمه الأول لسلامته الشخصية صرح قائلاً: "أنا متأكد أنَّ الحراك سيُستأنف ثانيةً بمجرد انتهاء إجراءات الحجر، ولن يكون أي شيء قادراً على إيقافه".