تكمن المهمّة اليومية لأطباء قسم الإنعاش في المستشفيات سواء في ظل انتشار وباء كورونا أو قبله، في الاختيار بين المرضى، ومَن سيتمّ وضعه على أجهزة التنفس الاصطناعي، لكن الوباء الحالي سيُرغمهم على القيام بعملية "فرز" للمرضى على نطاق واسع، ما يثير مسائل أخلاقية.
المشهد العام: يحتاج المرضى في حال خطرة إلى إنعاش يُثقل كاهل المستشفيات، ويتسبب باكتظاظ فيها في بعض الدول، لكن في هذه الظروف، أي مريض يجب أن يستفيد من جهاز التنفس الاصطناعي؟ سؤال دائماً يؤرق الأطباء، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
يؤكد أطباء الإنعاش أن هناك توجيهات للممارسات الصائبة منذ وقت طويل، ويقول بيرتران غيديه، رئيس قسم العناية الفائقة والإنعاش في مستشفى القديس أنطوان في باريس "نحن لا ننطلق من الصفر، إنها قرارات نأخذها كل يوم".
يوضح الطبيب أن من أجل اتخاذ هذا القرار هناك ثلاثة معايير تقييمية تُطبّق أيضاً على المصابين بفيروس كورونا، وهي "رغبة المريض"، و"حالته الصحية العامة"، و"خطورة مرضه".
أما فيما يخصّ رغبة المريض، فإن الأطباء يدعون العائلات إلى مناقشة الأمر مسبقاً، لأن الإنعاش "ثقيل جداً" بالنسبة للمصابين بفيروس كورونا وهم بحالات خطيرة، وقد تنجم عن ذلك عواقب وخيمة محتملة في حال نجوا من المرض، خصوصاً الأكثر ضعفاً.
يشرح الطبيب الفرنسي ذلك بقوله: "ستجدون أنفسكم على مدى ثلاثة أسابيع مع آلة تتنفس عنكم وأنتم نائمون فيما يتمّ شلّ الحركة عبر أدوية مخدّرة".
يشدد الخبراء على أنه سواء كان هناك مكان أم لا، قد يكون الإنعاش "غير منطقي"، مشيرين إلى أنه يمكن توجيه المرضى إلى تسكين الآلام فقط، لكن في حال حصول أزمات مثل الزلازل والاغتيالات، وبالطبع تفشي فيروس كورونا المستجدّ قد يتمّ تشديد معايير الإنعاش مع تدفّق المرضى إلى معدات محدودة.
لمن الأولوية؟ يقول غيديه "نعم، سيكون علينا إعطاء أولوية لمرضى (معينين). إذ نأخذ تعبيرات الرئيس (الفرنسي) إيمانويل ماكرون، نحن في حرب، والأمر اسمه فرز على غرار ما يحصل في ساحة المعركة، حيث نترك مصابين بجروح خطيرة لأننا نعتقد أنهم سيموتون".
من جانبه، يشرح الدكتور فيليب ديفوس، وهو طبيب إنعاش في لييج في بلجيكا، كيف يتخذون القرار: ويقول "في هذه اللحظة، نعطي الجهاز التنفسي إلى الشخص الذي لديه فرص نجاة أكبر"، مضيفاً: "وفق الوسائل المتاحة، سنحاول ألا يكون الأمر أشبه بسحب يانصيب" مشيراً إلى مجموعة من المعايير مثل عمر المصاب والأمراض التي يعاني منها أصلاً".
وفي وقت تتضاعف فيه أعداد المصابين، يجب أيضاً وفق غيديه "الصمود على المدى الطويل". ويوضح أنه "يجب ألا يُعطى المرضى الذين يأتون الآن الأولوية مقابل أولئك الذين سيصلون بعد أسبوع أو 15 يوماً، يجب عدم استنفاد كل الوسائل فوراً".
في إيطاليا التي أصبحت الدولة الأكثر تأثراً بالمرض في العالم، لا يتخلف الأمر كثيراً، وباتت المستشفيات مكتظة والأطباء يفعلون ما بوسعهم.
روى كريستيان سالارولي، وهو طبيب إنعاش في مستشفى في بيرغامو لصحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، أنهم "يحاولون إنقاذ فقط من لديهم فرصة"، مضيفاً: "نقرر بحسب العمر والحالة الصحية. كما في كل حالات الحرب".
في مطلع مارس/آذار 2020، ونظراً إلى وضع المستشفيات في إيطاليا، كانت تعتزم المؤسسة الإيطالية للتخدير والإنعاش والعناية الفائقة تحديد سنّ الدخول إلى العناية، إلا أن هذا الأمر لا يحظى بالإجماع.
يقول الدكتور غيديه "العمر وحده، لا"، مشيراً إلى أنه أدخل إلى الإنعاش مصاباً بفيروس كوفيد-19 بحال خطرة، يبلغ 85 عاماً، إلا أنه لا يعاني من أية أمراض سابقة وكان لا يزال يعيش بشكل مستقلّ حتى الآن. فيما لن يكون هناك مكان في العناية لشخص أربعيني مصاب بالتليّف الكبدي في مرحلته الأخيرة وهو لا يزال يحتسي المشروبات الكحولية.
إلا أنه على الرغم من القواعد والتوصيات، فإن في نهاية المطاف سيتخذ طبيب الإنعاش المسؤول القرار، أحياناً خلال الليل أو بشكل طارئ، بمفرده أو مع فريق، وفق كابلان.
ويرى الدكتور ديفوس أن "هذا عبء معنوي ضخم" يجب تحمّله. ويضيف "نمارس الطبّ لنخفف عن الناس، ليس لاختيار من يمكن أن يعيش".