كشف خبراء أن الأمن الغذائي لحوالي 25 مليون شخص مهدد بسبب أزمة الجراد التي وصلت مستويات خطيرة في بلدان بينها عربية، وأوضحوا أن الظروف المناخية والأعاصير التي ضربت منطقة الخليج ساهمت في تكاثر جيلٍ آخر من الجراد، وبدلاً من أن تتضاعف أعداد الجراد 400 مرةٍ، تضاعفت 8000 مرةٍ.
حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية نُشر الجمعة 20 مارس/آذار 2020، أوضح الخبراء أن تغير المناخ خلق ظروفاً غير مسبوقةٍ للجراد ليتكاثر في الصحراء، التي تكون عادةً جرداء في الخليج العربي، ما أتاح للحشرات الانتشار في اليمن، التي دمرت الحرب الأهلية قدرته على مكافحة أعداد الجراد.
أعداد الجراد تضاعفت بشكل مقلق
قال كيث كريسمان، خبير رصد الجراد بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، إن إعصار ميكونو، الذي ضرب عمان عام 2018 هو ما أتاح لأجيالٍ من الجراد الصحراوي أن تحصل على الرمال الرطبة وأنعش النباتات في الصحراء بين السعودية واليمن وعُمان، المعروفة بالربع الخالي، فتكاثرت ونمت لتصبح أسراباً تلتهم المحاصيل.
كما أوضح قائلاً: "لا بأس في ذلك. وهو في حد ذاته شيءٌ جيدٌ نسبياً، لكن ما أن بدأت تلك الظروف تهدأ، وأوشك التكاثر على الانتهاء، حتى ضرب إعصارٌ آخر المنطقة". وأضاف: "سمح ذلك لتلك الظروف بأن تستمر في صالح تكاثر جيلٍ آخر. لذا، بدلاً من أن تتضاعف أعداد الجراد 400 مرةٍ، تضاعفت 8000 مرةٍ".
بينما أردف كريسمان قائلاً: "يجلب الإعصار عادةً ظروفاً تصب في صالح الجراد تستمر لستة أشهرٍ، ثم تبدأ مواطنه في الجفاف، فلا تعود صالحةً لتكاثره، فتموت أعدادٌ منه بينما تهاجر أخرى".
يقول كريسمان إن الأعاصير تبدو وكأنها تزداد في المنطقة، ما يزيد من فرص انتشار أسراب الجراد".
ما يهدد الأمن الغذائي لـ25 مليون شخص
حذرت منظمة الفاو من أن الأمن الغذائي لنحو 25 مليون شخصٍ قد يُهدَّد بسبب الجراد، الذي رصدت وكالة خدمات مراقبة الجراد أسرابه في 10 دولٍ على الأقل خلال الأشهر القليلة الماضية. أحد تلك الأسراب رُصد مؤخراً في كينيا مُغطياً مساحةً تعادل مساحة لوكسمبورغ.
كانت المنظمة قد طلبت تمويلاً بنحو 140 مليون دولارٍ للمساعدة في مكافحة التكاثر المستمر للحشرات، متوقعةً أن تنمو أعداد الجراد نحو 400 مرةٍ بحلول يونيو/حزيران حال استمر التكاثر خلال أواخر مارس/آذار وأبريل/نيسان.
تُعد هذه الأزمة هي الأسوأ منذ عقودٍ، وهناك مخاوف من أنها قد تستمر وقتاً أطول مما استغرقه آخر تفشٍ لأسراب الجراد.
خاصة في اليمن
إلى جانب تأثير الطوارئ المناخية، تسهم الحرب في اليمن بدور رئيسي في هذه الأزمة.
قال كريسمان إن اليمن تعد دولةً "على الجبهة" في الحرب على الجراد، حيث يوجد الجراد فيها بالعادة طوال العام. لكن برامج مكافحة الجراد التي كانت فعالةً في السابق لم تعد كذلك في المدن التي تتقاسم الحكومة اليمنية والثوار الحوثيون السيطرة عليها.
يُقيم عادل الشيباني، رئيس برنامج مكافحة الجراد، في صنعاء، عاصمة الحوثيين من اليمن. قال الشيباني: "كانت لدينا قبل الحرب القدرة على الوصول لأي مكانٍ في اليمن، لكننا في الوقت الحالي لا نستطيع إلا تغطية بعض المناطق المطلة على البحر الأحمر، وليس كلها، وبعض المناطق في الداخل".
كما بيّن أن هناك مركزين منفصلين لمكافحة الجراد في اليمن، لكن أياً منهما لم يكن قادراً على مكافحة التفشي وحده. وشن مركز صنعاء عمليات مكافحةٍ أينما أُتيح له عام 2018، لكن تمويله انخفض وخسر بعض مركباته.
قال الشيباني: "برغم كل جهودنا الحثيثة، ظلت بعض المناطق خارج سيطرتنا؛ لأسبابٍ أمنيةٍ قرب الحدود مع السعودية. حينها وقع تفشي الجراد الصحراوي، وتكونت الأسراب، وانتقلت إلى مناطق أخرى".
وفي بلدان فقيرة في القرن الإفريقي
بحلول أواخر 2019 انتقلت أسراب الجراد إلى القرن الإفريقي؛ لتجد هناك ظروفاً مناسبةً حين ضرب إعصارٌ غير موسمي سواحل الصومال في ديسمبر/كانون الأول. أدى هذا إلى مد موسم التكاثر والسماح بانتشار الجراد إلى مناطق لم تستطع السلطات السيطرة عليها بسبب المشاكل الأمنية لدى البلاد.
قال سيريل بيو، الخبير بمركز أبحاث الزراعة الفرنسي للتنمية الدولية: "قد تطول هذه الأزمة تماماً بسبب المناطق التي لا يمكن فيها مكافحة أعداد الجراد في اليمن والصومال".
كما أوضح أن تفشيات الجراد التي وقعت في العقود الماضية كانت تستمر لعامين بالكاد، لكن دون أنظمةٍ وقائيةٍ، فقد يستمر هذا التفشي لمدة أطول، ويتكرر أكثر، وينتشر لمناطق أبعد.
وقال كذلك: "ذلك سيطالنا جميعاً بشكلٍ أو بآخر، ما يحدث في مكانٍ ما يؤثر علينا جميعاً".
يُذكر أن آخر تفشٍّ مشابهٍ لهذا وقع في أواخر الأربعينيات والخمسينيات، لكن كريسمان قال إن ذلك وقع في وقتٍ كانت عملية المراقبة والتقرير فيه بطيئةً ومرهقةً، وكانت المبيدات الكيماوية فيه متاحةً بسهولةٍ لعمليات المكافحة.