قالت وكالة Bloomberg الأمريكية، إنه من المتوقّع أن تُؤدّي حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا إلى اندلاع أكبر فيضانٍ من النفط الخام في التاريخ، وربما يكون هذا الفيضان أكبر من أن يستطيع العالم تخزينه.
تقرير للوكالة نشر السبت 14 مارس/آذار 2020، أوضح أنه مع تكثيف المُنتجين لشحناتهم في صراع الهيمنة على الأسواق العالمية، وتحطيم فيروس كورونا للطلب؛ يُمكن أن يتدفّق مليار برميل إضافي إلى الخزانات. وهذا من شأنه أن يضغط على المساحة المُتاحة ويُحطّم أسعار النفط أكثر، مع تداعيات وحشية على صناعة النفط والدول المُنتجة.
إذ قال جيفري كوري، المدير العالمي لأبحاث السلع في Goldman Sachs: "في حال استمر الوضع الراهن حتى الصيف بأرقام الإنتاج المُتداولة، فلا مفر من استنفاد القدرة التخزينية العالمية".
الخلاف بين الرياض وموسكو تسبب في خسائر فادحة
انهارت أسعار النفط بنسبة 32% إلى قرابة الـ34 دولاراً للبرميل بعد اختلاف المُصدّرين حول كيفية التعامل مع الفيروس، مما أدّى إلى الإضرار بالتحالف العالمي للمُنتجين الذي قادته البلدان لثلاث سنوات، فضلاً عن إطلاق منافسةٍ لعرض أكبر التخفيضات على العملاء. ودفع ذلك بحفّاري النفط الصخري الأمريكي، مثل Occidental Petroleum Corp وApache Corp، إلى خفض الأرباح والإنفاق.
ربما لا يزال الفائض المُنتظر تحت السيطرة: إذ وعد الرئيس دونالد ترامب بإخراج بعض النفط من السوق يوم الجمعة الـ13 من مارس/آذار، عن طريق ملء الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي. وربما يستغرق المنتجون شهوراً لتشغيل كامل الأصول الخاملة التي يحتاجونها لإغراق السوق. وبالتزامن مع إضرار أسعار النفط الخام المنخفضة باقتصادات المُتحاربين، فسوف يتوصّلان إلى "هدنة" على الأرجح بحسب إد مورس، مدير أبحاث السلع في Citigroup.
هل يتحوّل هذا المدّ النفطي إلى تسونامي؟
أعلنت السعودية أنّها ستُنتج إمدادات بكميات قياسية تصل إلى 12 مليون برميل يومياً الشهر المقبل، كما ستدفع الإمارات بحقولها النفطية لتتجاوز قدرتها العادية من أجل زيادة الإنتاج بنسبةٍ تصل إلى الثلث. وستزيد روسيا إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يومياً، في حين تُخطّط الدول الأخرى في تحالف أوبك+ المُمزّق لزيادة إنتاجها أيضاً، مثل العراق ونيجيريا.
في حال بلغنا الحد الأقصى للتخزين، فسوف تنهار أسعار النفط على الأرجح حتى يُضطر المُنتجون أصحاب تكاليف التشغيل الأعلى إلى وقف إنتاجهم، وهم على الأغلب حفّارو النفط الصخري الأمريكي. أو سيضغط فقدان الإيرادات على الدول المُنتجة الهشة سياسياً حتى تصل إلى نقطة الانهيار، مثل فنزويلا وإيران.
قالت باولا رودريغز-ماسيو، المحللة في شركة Rystad Energy AS الاستشارية بأوسلو، إنّ النفط الصخري الأمريكية "لن يبدأ في التراجع فعلياً قبل نهاية العام. وحينها سيكون السوق قد تشبّع بالكامل".
كما تتجاوز الإمدادات العالمية حالياً مُعدّل الطلب بنسبةٍ غير مسبوقة تصل إلى 3.5 برميل يومياً، بسبب تأثير فيروس كورونا، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية التي تُقدّم المشورة للاقتصادات الكُبرى.
فائضٌ في العرض
أظهرت حسابات وكالة Bloomberg الأمريكية أنّه بمجرد زيادة دول أوبك+ للعرض، فسوف يتضخّم الفائض في الربع الثاني ليصل إلى أكثر من ستة ملايين برميل يومياً. ويتوقّع Goldman Sachs تراكم المخزون بالقدر نفسه. وبحلول نهاية العام، سيكون هناك أكثر من مليار برميل نفط إضافي في الأسواق العالمية.
إجمالاً، من المنتظر أن تتوسّع مخزونات النفط الخام العالمية لـ1.7 مليار برميل هذا العام، وفقاً لحسابات Bloomberg، أي نحو ثلاثة أضعاف السعة خلال أكبر فائض سجّلته وكالة الطاقة الدولية في التاريخ. وكان ذلك في عام 1998، حين انهارت أسعار خام برنت إلى أدنى مستوياتها بأقل من 10 دولارات للبرميل.
نحن نستخدم حالياً نحو 65% من إجمالي مساحة تخزين النفط العالمية التي تصل إلى 5.7 مليار برميل، وذلك بحسب بيانات الطاقة من شركة Kayrros SAS. إذ قدّرت الشركة أنّ المعدّلات الحالية ستصل بنا إلى الحدود النظرية، وهي أقل من الرقم الكامل بقليل، خلال عامٍ أو أكثر بقليل.
قال أنطوان هالف، كبير مُحلّلي الشركة: "إن معدل التعبئة الحالي غير مسبوق على الإطلاق. ولكنّ سعة التخزين لا تنفد بالكامل، حتى مع هذه الوتيرة المُذهلة. ولا تزال لدينا بعض المساحة على الورق".
تجار النفط.. المستفيدون الوحيدون
بالنسبة لتجار النفط، فهناك فرصٌ لكسب أرباح هائلة من خلال تكديس البراميل واستغلال الفارق بين الأسعار المنخفضة حالياً والأسعار المرتفعة مستقبلاً. إذ استأجرت شركة Vitol Group مثلاً، وهي أكبر شركة تجارية مستقلة، خزانات في كوريا الجنوبية يُمكن استخدامها لاستغلال انخفاض الأسعار.
مع استنفاد الخزانات الأرضية، ستبدأ الشركات في استخدام الناقلات العملاقة في البحر لتخزين الفائض، بحسب باولا. وتضاعفت تكلفة تخزين الخام في تلك السفن خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بحسب تقديرات سماسرة السفن في شركة E.A. Gibson.
حين لا يصير هناك مكانٌ آخر لتخزين البراميل غير المطلوبة، فسوف يضطّر مُنتجو النفط إلى خفض العمليات. وأردفت باولا: "في مرحلةٍ ما، سيتوجّب أن تنخفض أسعار النفط بدرجةٍ تجعل الاستمرار في ضخ النفط أمراً غير اقتصادي بالنسبة للمنتجين الأمريكيين".
تابعت باولا أنّ الكثير من تلك الشركات ضمنت عائداتها بالفعل من خلال بيع عقود آجل تحوّطية، فإنّ الإنتاج لن يبدأ في التباطؤ على الأرجح حتى نهاية العام. وربما يكون الوقت حينها قد فات بالنسبة لبعض الدول التي تعتمد على أسعار النفط المرتفعة لتمويل الإنفاق الحكومي.
قبل الأزمة الأخيرة كانت الأسعار تُمثّل تحدّياً بالنسبة للدول "الخمس الهشة" في أوبك: الجزائر والعراق وليبيا ونيجيريا وفنزويلا، بحسب حليمة كروفت مدير استراتيجية السلع في RBC Capital Markets LLC.
فضلاً عن أنّ إيران، التي تُواجه هجوماً مزدوجاً من العقوبات الأمريكية وأسعار النفط المنخفضة، باتت من المرشحين لاعتلاء تلك القائمة. وأردفت حليمة: "هذه كارثةٌ على الدول الخمس الهشة. إذ صارت الآن ست دول مُهتزة".