عرض الجيش الأمريكي على مسؤولين أمنيين عراقين كبار خططاً مقترحة تقضي بسحبٍ جزئي للقوات الأمريكية من العراق، استجابةً لمشروع قرار أقره البرلمان العراقي في يناير/كانون الثاني 2020، يدعو فيه القوات الأجنبية إلى مغادرة البلاد، بحسب مصادر مطلعة لموقع Middle East Eye البريطاني.
تقرير للموقع البريطاني نُشر الجمعة 14 فبراير/شباط 2020، كشف أن اجتماعاً عُقد في سريةٍ تامة، الأسبوع الماضي، ترددت فيه فكرة أن واشنطن مستعدة "من حيث المبدأ" لمناقشة الانسحاب.
إذ قال ممثل عن الجيش الأمريكي للمسؤولين العراقيين الحاضرين، إن الولايات المتحدة مستعدة لمغادرة مواقع في المناطق ذات الأغلبية الشيعية أو القريبة منها، مثل قاعدة بلد الجوية، التي تقع على بُعد 80 كم شمالي بغداد، وتضم مدربين ومتعاقدين أمريكيين. وقيل للعراقيين إن واشنطن قد تفكر حتى في تقليص وجودها ببغداد.
قاعدة عين الأسد "خط أحمر"
قال ممثل الجيش الأمريكي للمسؤولين العراقيين: "نحن على استعداد لمغادرة بعض المناطق ذات الأغلبية الشيعية، مثل القاعدة الجوية في بلد"، وهو ما فهمه المسؤولون العراقيون منه أن الوجود الأمريكي في العاصمة العراقية سيتقلص إلى قوات لحماية سفارتها والمطار.
مع ذلك، استبعد الجانب الأمريكي قطعياً الانسحاب من أكبر قاعدة جوية في العراق، والشرق الأوسط بأَسره، قاعدة عين الأسد.
كانت القاعدة الواقعة في محافظة الأنبار تعرضت لقصف بالصواريخ الباليستية من إيران الشهر الماضي، رداً على مقتل القائد الإيراني اللواء قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس قوات الحشد الشعبي شبه النظامية، بالقرب من مطار بغداد. ويعتبر الجانب الأمريكي قاعدة عين الأسد "خطاً أحمر".
كما قال ممثل الجيش الأمريكي: "لا يمكننا حتى البدء في حديثٍ عن انسحاب [من تلك القاعدة]. الانسحاب غير وارد منها".
الصحيفة قالت إن هذه المناقشات كانت حساسة لدرجة أنها عُقدت بعيداً عن العراق. إذ عُقد الاجتماع في مقر الإقامة الخاص بالسفير الكندي في عمّان بالأردن، وفقاً لما ورد لموقع Middle East Eye. وحضر الاجتماع ممثل عن الجيش الأمريكي، ومسؤول بحلف الناتو، ومستشار أمني عراقي كبير.
التحول في الموقف بشأن الانسحاب
يتجاوز العرض المقدَّم سرياً للعراقيين في عمّان الموقف العلني الأخير لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قبل شهر من الآن.
في غمار انفجار الأوضاع بين واشنطن وطهران بالعراق، كان رئيس الوزراء العراقي آنذاك، عادل عبدالمهدي، قال إن كلاً من ضربات الطائرات من دون طيارٍ الأمريكية والانتقام الإيراني ينتهك سيادة العراق. وطالب واشنطن بإرسال وفد لمناقشة انسحاب نحو 5200 جندي متمركزين في البلاد.
حينها رفض بومبيو تصريحات عبدالمهدي، قائلاً: "نحن سعداء بمواصلة الحوار مع العراقيين حول الهيكلية المناسبة للوجود الأمريكي". وأضاف أن مهمة القوات الأمريكية في العراق كانت تدريب القوات العراقية على قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، و "سنواصل هذه المهمة".
كما قال بومبيو: "بمرور الوقت، وبلوغنا نقطةً يمكن القول عندها إننا تمكنا من تحقيق ما أعتقد ويعتقد الرئيس أنه الهيكلية المناسبة، وتوفر إمكانية لتخصيص موارد أقل لهذه المهمة، سنفعل ذلك".
في أعقاب التسليم الرسمي لآخر القواعد الأمريكية بالعراق إلى القوات العراقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وإنهاء الاحتلال الذي دام ثماني سنوات، اعتمد الجيش الأمريكي على مذكرات دبلوماسية تدعو القوات الأمريكية إلى دخول البلاد وتمنحهم الحصانة من المقاضاة.
غير أن المذكرات ذاتها، التي أُرسلت في عام 2014 [لاستدعاء قوات لمواجهة داعش]، لم تُنشر.
الاتفاق كان مع الحكومة وليس البرلمان
كان مشروع القرار الذي جرى التصويت عليه في يناير/كانون الثاني، استشارياً وغير ملزم، وما يزال رئيس الوزراء الجديد، محمد توفيق علاوي، في بداية طريقه للتعامل مع هذه المسألة. يحظى علاوي بدعم طهران، ورجل الدين الشيعي صاحب النفوذ مقتدى الصدر.
إذ شدد جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص لقوات التحالف التي تقاتل داعش، على أن الاتفاق على نشر قوات أمريكية في العراق كان بين واشنطن وحكومة بغداد، وليس البرلمان.
مع ذلك، وفي اجتماعات متكررة بين جيفري ونظرائه العراقيين، أوضح عبدالمهدي، المغادِر الآن إلى الولايات المتحدة، مدى ضعف قواتها والخطورة عليها أمام الميليشيات الشيعية القوية في البلاد.
كما زادت الضربات الأمريكية العام الماضي، على كتائب حزب الله، وهي ميليشيات تدعمها إيران، من حدّة التوترات بالعراق، وأفضت إلى هجوم على السفارة الأمريكية في بغداد وبعدها مقتل سليماني والمهندس.
واشنطن تجاهلت التحذيرات
قبل أشهر من الضربات الجوية الأمريكية على كتائب حزب الله، حذّر عبدالمهدي واشنطن من العواقب المحتملة لمثل تلك الضربات. لكن تحذيراته جرى تجاهلها. ومع ذلك فإن الضغط الواقع على القوات الأمريكية لكي تنسحب لا يزال شديداً.
قال أحد زعماء الأحزاب السُّنية، والذي أراد عدم الكشف عن هويته، مؤخراً، لموقع Middle East Eye: "لا أحد يثق بالأمريكيين بعد الآن. حتى [رئيس إقليم كردستان العراق السابق] مسعود بارزاني، الذي قال في أحد الاجتماعات مؤخراً، إن الأمريكيين سيتخلَّون عن الإقليم الكردي والعراق". وأضاف: "شعوري أن الأمريكيين سيضطرون إلى التراجع، لكنهم لن ينسحبوا".
بينما رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على الأنباء الخاصة باجتماع عمّان. وقالت المصادر إنها لن تعلق على مناقشات دبلوماسية خاصة. كما رفضت متحدثة باسم وزارة الشؤون العالمية الكندية، وهي إدارة حكومية كندية تدير العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، التعليقَ على الاجتماع.