الإمارات ومصر والسعودية والأردن هي الدول العربية الوحيدة التي ذُكرت حصرياً في وثيقة صفقة القرن الأمريكية-الإسرائيلية، وذلك في لجنة للأمن الإقليمي تشارك فيها هذه الدول تحت شعار "مكافحة الإرهاب".
وللمصادفة، هي الدول ذاتها الداعمة لخليفة حفتر عسكرياً في ليبيا، على الأقل وفق تقارير خبراء الأمم المتحدة التابعين لمجلس الأمن، كما لا يخفى على أحد دعم هذه الدول لحفتر سياسياً ومالياً كذلك تحت شعار "مكافحة الإرهاب".
فهل يمكن أن يكون هذا الدعم الرباعي "العربي" لحفتر جزءاً من دورهم في صفقة القرن؟
هل يمكن أن يكون حفتر بوابة دخول ليبيا في صفقة ترامب؟ أم أن كل ذلك مجرد صدف قد تجرنا من حيث لا ندري لنكون تحت تأثير نظرية المؤامرة؟
الصفقة ويهود ليبيا
ليبيا كدولة لم تُذكر صراحة في وثيقة الصفقة، إلا أن أحد البنود نص على أن من "طُرد" من اليهود من أي دولة كانوا فيها يجب تعويضهم وتعويض "إسرائيل" على استقبالها لهم، وهنا تكون ليبيا معنيَّة بهذا الأمر.
وللمصادفة، فبالتزامن مع إعلان صفقة ترامب كثفت قنوات يديرها ليبيون داعمون لحفتر من الحديث عن يهود ليبيا، واستضافت المدعو "رافائيل لوزون" بصفته رئيس اتحاد "يهود ليبيا"، نادى خلال استضافته بحقهم التاريخي والمستقبلي في ليبيا، وللمصادفة أيضاً فإن هذه القنوات تبث من الأردن وممولة إماراتياً!
لوزون أطلق عبر استضافته، تهديداً بالإضراب عن الطعام إلى حين دعوته للمشاركة باسم اليهود في الحوارات الليبية التي تقودها الأمم المتحدة، لنرى بعدها بأيام صوراً له مع غسان سلامة، المبعوث الأممي لليبيا، ونائبته الأمريكية ستيفان ويليامز، وقد علق لوزون قائلاً: "إن سلامة وعدهم كيهود ليبيين بالمشاركة في حوارات المسار السياسي بجنيف"!
فهل استجابة سلامة للقاء لوزون كانت لحث الأخير على العودة للأكل؟ أم أن ضغوطاً ما، مورست من جهة ما، دفعت المبعوث الأممي إلى السفر للندن ولقاء اليهودي الليبي للتباحث في موضوع ما؟ أم هي الصدف ونظريات المؤامرة التي لحست عقولنا؟
10 ملايين مصري في ليبيا.. ليش لا؟
يتردد في الأوساط السياسية الليبية أن صفقة ترامب تعمل على إزاحة الفلسطينيين من القدس وغزة إلى سيناء، ومن ثم إزاحة مصريين إلى إقليم برقة شرقي ليبيا، واستغلال التعداد السكاني القليل في ليبيا مقابل المساحة الجغرافية الكبيرة، إضافة إلى ترديد جملة "إعادة توزيع" الثروة النفطية الليبية.
وكان حفتر قد وجه سؤالاً استنكارياً على أتباعه قائلاً: "لو تحصلنا على 10 ملايين إضافيين قادرين على أن يغيروا من وجه ليبيا كلها، ليش لا؟!".
أما "إعادة توزيع" الثروة الليبية فما انفك سيسي مصر يذكرها في لقاءاته التلفزيونية، وتوّج ذلك من على منصة الأمم المتحدة، واصفاً توزيع الثروة الليبية بالخطأ الفادح، وهو ما دعا رئيس المجلس الرئاسي الليبي إلى الرد على هذه النقطة تحديداً من على المنصة الأممية ذاتها، رافضاً أن تعطي مصر دروساً لليبيا في كيفية توزيع ثرواتها.
فهل هي الصدفة ثانية، ولا وجود للمؤامرة؟
برهان ليبيا
العسكري عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي السوداني، رجل أبوظبي في السودان، ويكفي القول إنه المشرف مع "حميدتي" على القوات السودانية التي تقاتل باليمن دعماً للسعودية والإمارات، ولمَ لا، من يقاتل في ليبيا من المرتزقة؟
ويمكن القول إن حفتر يعد بمثابة برهان ليبيا، خاصة من حيث علاقة الرجلين مع بن زايد وبن سلمان والسيسي.
بعد أقل من أسبوع من إعلان ترامب صفقته، التقى برهان رئيسَ الوزراء الإسرائيلي في أوغندا برعاية إماراتية، لتصدر الخارجية الأمريكية بياناً تقول فيه إن الوزير بومبيو اتصل ببرهان وشكره؛ لقيادته عملية تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
ولعلنا هنا نذكر اتصالاً أُعلن عنه -بعد تكتم أياماً- تم بين ترامب وحفتر بوساطة إماراتية في أبريل/نيسان 2019م، قيل إن الرئيس الأمريكي أبدى فيه اعترافه لحفتر بالدور الذي يلعبه لمكافحة "الإرهاب" وتأمين "الموارد النفطية" الليبية، وللمصادفة فإن توقيت المكالمة تزامن مع وجود حفتر في القاهرة!
كما يمكننا الرجوع كذلك للاتفاق المعلن الذي تم بين "حميدتي" السوداني وضابط الموساد السابق "بن ميناشي" والذي نص في أحد بنوده على تزويد حفتر بمرتزقة من الجنجويد للقتال معه في ليبيا، وحينها أعلن "بن ميناشي" صراحة في لقاء مع "بي بي سي": "نعم، حفتر جزء من الصفقة"!
وفي يوليو/تموز 2019م، جاء في موقع "كونسورتيوم نيوز" الأمريكي مقال رأي لـ "جورجيو كافيرو" المدير التنفيذي لمعهد "جولف ستايت أناليتيكس"، أشار فيه إلى أن التعاون بين حفتر والإسرائيليين تم عبر الإمارات، وكان اهتمام "إسرائيل" بليبيا ما بعد القذافي من منظور مصالحها في "شبه جزيرة سيناء".
ولا بأس أيضاً من ذكر اللقاء الذي أجراه وزير خارجية عبدالله الثني، الذراع السياسية لحفتر، مع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، وقال فيه حرفياً: "إننا نأمل علاقة طبيعية بين ليبيا وإسرائيل".
هل كل هذه الوقائع السالفة مجرد صدف تجمعت، لنحسب أن العالم متآمر علينا؟ أم أن هناك كلباً في البحر كما يقول المثل؟
على كل حال، وبعيداً عن الصدف ونظريات المؤامرة، والكلاب أيضاً، فإن مجرد وجود حفتر في معسكر الرباعي العربي الداعم لصفقة القرن يجعلنا أقرب إلى اليقين بأن حفتر صار جزءاً منها، أو لنقل إنه لا يملك إلا أن يكون كذلك، وهو الذي لم يعُد يملك من أمره شيئاً أمام أولاد بن زايد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.