بعد مرور أكثر من 10 أشهر على هجمات كرايستشيرش الإرهابية في نيوزيلندا، وأدى إلى مقتل العشرات من المسلمين، بدأت الانعكاسات الاقتصادية تظهر على "المجتمع المسلم" في المدينة، وصلت إلى حد إغلاق بعض المحلات التجارية لأبوابها.
في تقريرٍ لصحيفة The Guardian البريطانية نُشر الأربعاء 15 يناير/كانون الثاني 2020، أُجبر متجرٌ كان يخدم المجتمع المسلم في مدينة كرايستشيرش على الإغلاق، ويواجه متجر آخر مصيراً مجهولاً في خضمّ هبوط المبيعات، وذلك بعد مرور 10 أشهر على وقوع الهجوم الإرهابي المميت على مسجدين في المدينة النيوزيلندية.
يقول القائمون على المتجرين إن هبوط حجم الأعمال حدث عقب وفاة العشرات من مُعيلي الأسر في الهجوم المسلح الذي وقع في 15 مارس/آذار الماضي، والذي قُتل فيه 51 شخصاً -الكثير منهم كانوا رجالاً لديهم أسر- وجُرح ما يزيد على ذلك.
الزبائن المسلمون إما ماتوا أو هاجروا
كان من بين القتلى أمجد حميد، وهو زوجٌ وأب لطفلين، كان يعمل طبيباً لأمراض القلب في مستشفى كرايستشيرش، ويدير أيضاً المشروع العائلي Mediterranean Food Company المعروف بـ Mefco. ومنذ وفاته، صار أخوه أيمن حميد -مالك المتجر- وابنة أخيه نور حميد يديرانه بدلاً منه.
في خضمّ تدني حجم المبيعات، أُجبرت عائلة حميد على زيادة الأسعار والإنفاق على المتجر من أموالهم الخاصة، بالإضافة إلى معاناتهم في دفع الإيجار، ثم وصلوا إلى المتجر يوم السبت 11 يناير/كانون الثاني؛ ليجدوا مذكرة إخلاءٍ معلقة على الباب.
قالت نور حميد، التي تعمل محامية: "هناك عدد كبير من الزبائن المنتظمين إما ماتوا في الحادث، وإما انتقلوا إلى مكان آخر بعده". وأضافت أن المتجر، الذي يبيع منتجات البحر الأبيض المتوسط، مثل الخبز اللبناني الطازج واللحوم الحلال والجبنة البيضاء والزيتون الطازج، كان يبيع الكماليات وليس السلع الأساسية.
تابعت: "الناس يقللون فعلاً من حقيقة أن المُعيل الرئيسي للأسرة هو مَن مات، فتفقد دخلاً كاملاً دفعة واحدة.. وإننا نبيع (في الأساس) البهارات وأشياء يمكن العيش من دونها إن لم يكن دخلك كبيراً".
المحامية المسلمة أضافت أيضاً أن تجارتهم واجهت مصاعب مادية منذ عام 2017، وذلك عندما نُقلت إلى مكان جديد في كرايستشيرش، ولكن بعد الهجمات على المسجدين هبطت المبيعات هبوطاً حاداً للغاية.
وأوضحت: "كنا نخبز ثلاثة أضعاف كمية الخبز التي نخبزها الآن ونبيعها كلها، لكننا الآن نخبز مرة واحدة في الأسبوع، ولا نبيع الكمية كلها حتى. كان ذلك هو الدليل الأكبر".
والباقون احتفالاتهم قلَّت وخروجهم للتسوق نادر
قالت نور إن الميزانيات المحدودة والاحتفالات الأقل في المجتمع المسلم بالمدينة، إلى جانب الحداد الذي منع الأرامل من مغادرة منازلهن، أضرت بالأعمال التجارية، بينما كانت العائلات الناجية والضحايا يتعايشون مع الظروف الجديدة. وأردفت قائلة: "كانت عمّتي تقول لي: (كنتُ أتسوق كل أسبوع، لكنني الآن بالكاد أستطيع الخروج لشراء البقالة).. أعتقدُ أن رغبتها في الحياة اختفت نوعاً ما".
بينما قال المحامون العاملون مع العائلات المتأثرة في المدينة إن الحاجة إلى خدماتهم زادت، في نتيجة مباشرة للهجمات. وأوضحت دينيس ييجر، التي تدير بنك الطعام في المجتمع المسلم في كرايستشيرش: "لقد حظينا بزيادة منذ 15 مارس/آذار".
فقد زاد عدد العائلات التي تتلقى طروداً عن طريق الخدمة الشهرية من ثمانية طرود عندما بدأوا منذ أربعة أعوام، إلى 30 طرداً الآن. وقالت دينيس: "7 أو 8 عائلات" دخلت إلى السجلات فقط نتيجة للهجمات.
بالرغم من أن الحكومة النيوزيلندية توفر دخلاً وأشكالاً أخرى من الدعم لعائلات الضحايا والناجين، قالت دينيس إن الكثيرين يكافحون للعيش في ظل الإعانات الاجتماعية في حين كانوا يمتلكون دخلاً من قبل، وإن بعض المصابين في الأحداث لا يزالون يعملون ساعات مخفضة.
أما الآخرون، فقد أدى مجيء أفراد عائلاتهم من خارج البلاد لمساعدة الأرامل والناجين إلى تعسُّر الأحوال أكثر، إذ صار على المصدر الواحد للدخل أن يعول عدداً أكبر من الأفراد. وأضافت: "لا يوجد مال يكفي الكماليات.. كل ما يمكنهم الحصول عليه هو المواد الأساسية".