إن كنت تتساءل حول حقيقة وجود مخلوقات فضائية في مكان ما من هذا الكون الفسيح، فهذا لا يعني أنك متأثر بالضرورة بكتب وأفلام الخيال العلمي، ففي النهاية نحن نقطن كوكباً صغيراً يدور حول شمس تعتبر متوسطة الحجم إذا ما قورنت بالنجوم الأخرى، ومجموعتنا الشمسية ما هي إلا جزء صغير من مجرة درب التبانة التي تحتوي على 200 مليار نجم، و11 مليار كوكب شبيه بالأرض لم نتمكن من اكتشافهم بعد، هذا عدا أن مجرة درب التبانة ما هي إلا جزء بسيط من هذا الكون الحاوي على مليارات المجرات الأخرى.
وبالتالي، ونظراً لفساحة الكون ورحابته التي تفوق حدود تصورنا، من المنطق أن نتساءل عن وجود حياة خارج كوكبنا الأزرق الصغير.
تعالوا نروِ لكم محاولات العلماء والفلاسفة لاكتشاف حياة أخرى خارج الأرض منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا:
هرطقة عقابها الإعدام حرقاً
لعل الراهب الإيطالي جيوردانو برونو هو من أوائل الذين طرحوا فكرة المخلوقات الفضائية في القرن السادس عشر.
فقد اقترح برونو فكرة أن النجوم التي نراها في سماء الليل ما هي إلا شموس أخرى تدور حولها كواكب قد يكون بعضها مشابهاً لكوكب الأرض، وقال إن الكون لا منتهي وليس لديه مركز معين، وإن الكواكب الأخرى قد تحتوي على مخلوقات عاقلة مثلنا.
كانت تلك الأفكار ثورية تماماً في عهد برونو ومخالفة للتعاليم الكاثوليكية بحسب ما كان سائداً آنذاك، فكان مصير الراهب الإعدام حرقاً حتى الموت بعد اتهامه بالهرطقة من قبل محاكم التفتيش الرومانية في العام 1600.
المريخ، موطن الفضائيين المحتمل
مضى زمن بعد إحراق برونو حياً، ووصلنا إلى وقت صدق فيه البشر أن الأرض ليست مركز الكون وأنها مجرد كوكب صغير يدور حول شمس متوسطة الحجم، وبدأوا يفكرون جدياً بإمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض.
درس عالم الفلك الأميركي بيرسيفال لويل المريخ بشكل مكثف على مدار 15 عاماً ورسم خرائط دقيقة لهذا الكوكب.
وفي العام 1890 لاحظ لويل وجود قنوات تبدو اصطناعية في كوكب المريخ ما قاده إلى الاعتقاد بوجود حياة على هذا الكوكب، فقد اقترح لويل أن المريخيين قاموا بحفر قنوات وخنادق اصطناعية للاستفادة من مياه الأقطاب المريخية الجليدية التي تعتبر المصدر الوحيد للمياه في هذا الكوكب الجاف.
وفي العام 1918 لوحظ كذلك وجود غيوم كثيفة تحيط بكوكب الزهرة ما أدى إلى الاعتقاد أن تلك الغيوم تحجب وراءها حياة مزدهرة على سطح الكوكب.
الآن نعلم أن هذه القنوات التي لاحظها لويل ما هي إلا تضاريس مريخية متباينة وغير منتظمة حدثت نتيجة عملية التعرية التي تعرض لها المريخ عبر الزمن، ونعلم أن هذا الكوكب لا يحوي أية حضارات ذكية كما اقترح لويل.
وندرك أيضاً أن الحرارة المرتفعة جداً على سطح كوكب الزهرة تجعله غير صالح للحياة إلا أننا لم نستثنِ بذلك سوى احتمالين من مليارات الاحتمالات التي لا تزال قائمة أمامنا.
مشروع أوزما
بدأت الأرض بإنتاج إشارات الكتروماغناطيسية منذ حوالي 90 عاماً أي منذ بدأ الإنسان باستعمال الراديو والتلفزيونات.
تلك الإشارات تعتبر فريدة من نوعها في الفضاء وفي حال تم التقاطها من قبل حضارة ذكية تقطن في مكان ما في هذا الكون، سيدركون وجودنا وسيتمكنون من تحديد مكاننا.
وبالمثل، إذا كانت هناك أي حضارات متطورة في الفضاء الخارجي، فلا بد أن شعوب هذه الحضارات ينتجون إشارات مشابهة قد تدلنا نحن على أماكن تواجدهم.
لذلك اقترح عالم الفلك فرانك دريك في العام 1960 مشروعاً للبحث عن إشارات من المحتمل أن يكون الفضائيون قد قاموا بإرسالها.
فوجه دريك جهاز استقبال إشارات الراديو نحو نجمين قريبين من الأرض هما إبسيلون إريداني وتاو سيتي لرصد أي إشارات غريبة قادمة من الفضاء توحي بوجود حياة عاقلة في مكان ما من الكون.
وقد سمي المشروع تيمناً بالأميرة الخيالية المفقودة أوزما حاكمة مملكة أوز.
وعلى الرغم من أن المشروع لم يفلح بإيجاد أي إشارة من النجمين، إلا أن دريك لم يستسلم.
فريق The Order of the Dolphin
كان قائد هذا الفريق جون ليلي يقود بحثاً منفصلاً حول إمكانية التحدث مع الدلافين، لذلك أطلق على فريقه الهادف للبحث عن إمكانية البحث عن حضارات ذكية في الفضاء الخارجي اسم The Order of the Dolphin.
تأسس هذا الفريق في العام 1961 وضم فرانك دريك الذي أدار مسبقاً مشروع أوزما وعالم الفلك كارل ساغان وعدداً من الرياضيين وعلماء الفلك والفيزياء.
بحثت هذه المجموعة عن إمكانية وجود حياة ذكية خارج كوكب الأرض اعتماداً على عدة عوامل ووجدوا في النهاية أنه يوجد احتمال أن يكون 100 كوكب مأهول أو صالح للحياة على الأقل من بين كل 100 مليون كوكب.
وكان ذلك اعتماداً على معادلة رياضية شهيرة باتت تعرف باسم "معادلة دريك"، نسبة لفرانك دريك الذي قام بابتكارها.
رسالة إلى الفضاء
كان كارل ساغان عالم الفلك والأحياء الفلكية ومستشار وكالة ناسا متحمساً لفكرة وجود حياة خارج كوكب الأرض، وبعد انتهاء مشروع The Order of the Dolphin عمد إلى البدء بخطوات أكثر جدية.
فاستطاع إقناع ناسا في العام 1971 بتصميم رسالة وبعثها إلى الفضائيين المحتملين في الفضاء الخارجي وذلك على متن مركبتي بيونير 10 وبيونير 11 اللتين انطلقتا في عامي 1972 و1973 على التوالي.
وذلك على أمل أن يلتقط الرسالة حضارة ذكية متطورة تكنولوجياً تقطن زاوية من زوايا هذا الكون الواسع.
وقد كانت المركبتان بيونير من أوائل المركبات التي أرسلت خارج المجموعة الشمسية بعد إتمام مهامها في استكشاف المشتري وزحل.
تعاون ساغان مع عالم آخر مهووس بفكرة التواصل مع الفضائيين هو فرانك دريك وصمما الرسالة التي رسمتها زوجة ساغان على لوح من الذهب المطلي بالألومنيوم.
وبالتأكيد افترض ساغان وفريقه أن الفضائيين لن يكونوا من متحدثي لغة أرضية مفهومة بعينها لذلك اختاروا أن تكون الرسالة على شكل رسومات كتلك التي خلفها لنا الفراعنة واليونانيون القدامى.
حوت الرسالة رسماً دقيقاً لذرة الهيدروجين وهو العنصر الأكثر انتشاراً في الكون وخريطة توضح موضع مجموعتنا الشمسية وموضع الأرض تحديداً كما تحدد مسار المركبة حاملة الرسالة بيونير إلى جانب رسم لامرأة ورجل رافع يده للتحية رسما على غرار التماثيل اليونانية ولوحات دافنشي.
انتهت مهمة المسبار بيونير 10 في العام 1997 مع ذلك بقينا نستقبل إشارات منه حتى العام 2002 بينما خرج 11 عن الخدمة قبل ذلك بكثير في العام 1995 دون أن نعلم إن كان الفضائيون قد تلقوا رسالتنا أم لا.
رسالة مسجلة بـ55 لغة منها العربية
بعد المحاولة الأولى قررت ناسا معاودة الكرة لكن برسالة أكثر شمولاً لتعريف الحضارات الفضائية بكوكب الأرض.
هذه المرة كانت الرسالة مسموعة ومرئية بدلاً من الاكتفاء بالرسومات فقط.
شكلت لجنة لتصميم الرسالة التي احتوت على 116 صورة تضم معلومات علمية ومخططات لمجموعتنا الشمسية والدي إن إي البشري.
كما تم اختيار مقطوعات موسيقية من حقب وحضارات مختلفة منها لباخ وبيتهوفين ومجموعة من الأصوات الطبيعية كصوت الرعد وخرير المياه والحيوانات، بالإضافة إلى صوت التحية البشري بـ55 لغة منها العربية.
تم تحويل الصور لبيانات تناظرية وتم تسجيلها مع الموسيقى على أسطوانة جرامافونية ذهبية بعنوان همهمة الأرض، وحوت الرسالة أيضاً رسالة مطبوعة من الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر تعرف الفضائيين بكوكبنا.
قامت ناسا لاحقاً برفع الرسائل على موقع ساوند كلاود ليستطيع البشر في أنحاء العالم الإنصات لما أرسل باسم البشرية قاطبة لأهل الفضاء الخارجي.
الملياردير الروسي يوري ميلر
قام المليونير الروسي يوري ميلنر رجل الأعمال المستثمر في علوم الفيزياء ومؤسس شركة ديجيتال سكاي تكنولوجيز ومستثمر في شركات عديدة مثل فيسبوك وتويتر وعلي بابا في العام 2015 بدعم مشروع للكشف عن وجود حياة ذكية في الفضاء الخارجي.
حيث قرر ميلر استثمار 100 مليون دولار على مدى 10 سنوات للبحث عن أدلة عن وجود حياة خارج كوكب الأرض تستهدف الدراسة النجوم القريبة وأقرب 100 مجرة ومركز درب التبانة.
وأعلن عن منافسة لتصميم رسالة رقمية جديدة لإرسالها إلى الفضاء الخارجي، ومنافسة أخرى لتطوير مركبات فضائية قادرة على القيام برحلة إلى ألفا سنتوري بسرعة كبيرة بحيث لا تستغرق الرحلة أكثر من 20 سنة للوصول و4 سنوات لإخطار الأرض بوصول ناجح.
وعلى الرغم من أن رسائلنا لم تصل بعد إلى الفضائيين لكن المسافات بين النجوم شاسعة أكثر مما نتخيل وبالتالي ربما ما زال الوقت باكراً لتلقي الإجابة.