يدرس وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر مقترحات لإجراء تخفيض كبير في أعداد القوات الأمريكية المتركزة في غرب إفريقيا، أو حتى سحبها بالكامل، كخطوةٍ أولى من عملية مراجعة توزيع القوات الأمريكية، التي يمكن أن تعيد تنظيم الآلاف من القوات في جميع أنحاء العالم، وفقاً لمسؤولين على درايةٍ بالمداولات الداخلية.
صحيفة The New York Times الأمريكية التي أوردت الخبر، قالت إن مناقشات الانسحاب الواسع النطاق من غرب إفريقيا، تشمل التخلِّي عن قاعدةٍ للطائرات بدون طيار أنشئت حديثاً بقيمة 110 ملايين دولار في النيجر، وإنهاء المساعدة العسكرية للقوات الفرنسية التي تقاتل المتشددين في مالي والنيجر وبوركينافاسو.
تأتي هذه المداولات في إطار المساعي الأمريكية إلى تقليص المهام العسكرية الأمريكية، التي نُشِرَت لقتال الجماعات المتشددة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وإعادة تركيز أولويات البنتاغون بدلاً من ذلك على مواجهة القوى العظمى مثل روسيا والصين.
سحب القوات الأمريكية من إفريقيا وإعادة توزيعها في مناطق جديدة
مع احتمالية صدور قرار أوَّلي بشأن القوات الأمريكية في إفريقيا، في يناير/كانون الثاني المقبل، فمن المؤكد أنَّ هذه الخطط ستثير انتقاداتٍ من المشرعين والحلفاء والمسؤولين العسكريين، ويمكن أن تؤثِّر في النهاية في معظم المهام العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم بطريقةٍ ما.
جديرٌ بالذكر أنَّ عدد القوات الأمريكية المنتشرة في الخارج حالياً يبلغ حوالي 200 ألف جندي، وهو رقمٌ مشابه لعددها حين تولّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة، مع أنَّه وعد بإنهاء مشاركة البلاد في "الحروب التي لا تنتهي".
لكنَّ ترامب لا يُنهي هذه الحروب بقدر ما ينقل القوات الأمريكية من صراعٍ إلى آخر، لذا يمكن القول إنَّ مبادرة إسبر تهدف إلى تنفيذ عملية إعادة التوازن هذه.
إذ يقول مسؤولون إن إجراء تعديل على عدد القوات المتركزة في إفريقيا سيتبعه نشر قواتٍ أمريكية في أمريكا اللاتينية، وإنَّ سحب القوات من العراق وأفغانستان سيحدث، كما كان متوقعاً.
وتعكس المبادرة الأولوية الحاسمة الجديدة لإسبر: التخلُّص من عمليات نشر القوات الأمريكية المستمرة منذ 18 عاماً بهدف مكافحة الإرهاب في الأماكن التي تعاني تشدداً وتمرداً، حيث يتركز الآلاف من الجنود الأمريكيين سعياً للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار، ولكن دون وجود حلولٍ نهائية تلوح قريباً في الأفق.
لأن "لا قيمة" لتواجدها في غرب إفريقيا
من جانبه قال إسبر للصحفيين، في الشهر الجاري ديسمبر/كانون الأول: "لقد بدأنا عملية مراجعة أدرس فيها كل ساحة من ساحات الصراع، وأحاول فهم المتطلبات التي وضعناها، وأحرص على الوصول إلى أقصى قدرٍ من الكفاءة في استخدام قواتنا".
تجدر الإشارة إلى أنَّ التخطيط للانسحاب من غرب إفريقيا يجري في أروقة البنتاغون فقط، دون استشارة الكونغرس.
يُذكَر أنَّ المهمة الأساسية للقوات الأمريكية المتركزة في غرب إفريقيا هي تدريب قوات الأمن هناك، ومساعدتها لقمع الجماعات الإسلامية مثل بوكو حرام وفروع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وفي إطار تلك المهمة، تعرّض أربعة جنود أمريكيين لكمين، وقُتِلوا قبل عامين أثناء إجرائهم دورية في النيجر.
قال المسؤولون إن فريق إسبر شكَّك في قيمة تلك الجهود، ويريد تقليص حجم القوات الأمريكية المنتشرة التي تهدف إلى مواجهة المقاتلين المتشددين، الذين يفتقرون إلى أي قدرةٍ مُثبتة على مهاجمة الولايات المتحدة في حدودها أو أي نية واضحة لفعل ذلك. ويقال إنَّ هذا المعيار المرتفع لا ينطبق على أيٍّ من الجماعات الإرهابية التي تنشط في غرب إفريقيا.
يُذكَر أنَّ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن أجرت مناقشة داخلية مشابهة، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول من عام 2001، وركزت في البداية على استهداف الجماعات الإرهابية العازمة على مهاجمة المدنيين في الغرب، لاسيما تنظيم القاعدة.
لكن في الوقت نفسه، لم يستطع بوش رؤية الفرق بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وهي جماعة إسلامية متشددة تركز على فرض الشريعة في أفغانستان. وألقى باللوم على حركة طالبان وهاجمها، لأنها وفّرت ملاذاً لأسامة بن لادن وأتباعه.