قالت صحيفة Mirror البريطانية، السبت 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إن آخر "نازي" وهو حارس من وحدات شوتزشتافل (إس إس)، يمثل للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، اعترف برؤية مسجونين يقادون إلى أفران الغاز بلا عودة.
وأوضحت الصحيفة أن برونو داي، أخبر المحكمة، الجمعة 24 أكتوبر/تشرين الأول، أنه رأى مجموعة من 20 إلى 30 سجيناً يُؤخَذون بعيداً، مضيفاً أنهم وضِعوا داخل فرن غاز وأُغلق الباب عليهم. وقال إنه سمع بعد ذلك "صرخات وصرخات".
بعد ذلك، سكنت الأصوات. لكن داي يصر على أنه لم يكن يعلم أن المسجونين كانوا يقتلون بواسطة الغاز.
نُقل للعمل مرغماً في معسكر اعتقال كان "مكاناً مرعباً"
وفي وقتٍ سابق من محاكمته بمدينة هامبورغ، أخبر داي المحكمة أنه لم يكن مدركاً لأن آلاف المساجين كانوا قد قُتلوا في معسكر اعتقال شتوتثوف، لكنه وصف المكان مع ذلك بأنه كان "مكاناً مرعباً".
وقال الرجل البالغ 93 عاماً إنه لم يُصبح حارساً في وحدات شوتزشتافل بمحض إرادته، وإنما نُقل من الجيش عندما كان في عمر الـ17 بسبب مشكلة في القلب.
وقد ساعد داي خلال عمله في معسكر شتوتثوف، الواقع حالياً في مدينة غدانسك البولندية، في الإشراف على قتل 5,230 شخص من إجمالي 66 ألف شخص قتلوا، وكان جزءاً صغيراً فقط من محرقة الهولوكوست، التي انتزعت أرواح 6 ملايين شخص. ومع انتهاء الحرب، هرب بعيداً، مثله مثل كثير من المسافرين الآخرين، ليبني حياة جديدة في ألمانيا الغربية الوليدة.
لكن العدالة ستأخذ مجراها أخيراً من داي ولديه اثنان من الأبناء. ويمثل داي الآن أمام محكمة في هامبورغ بسبب الدور الذي أداه خلال الحرب العالمية الثانية.
وخلال الاستجواب، اعترف بـ"سماع تلك الصرخات من بعيد من فرن الغاز، وقبلها صرخوا وقاتلوا دفاعاً عن أرواحهم".
والآن، يقف أخيراً أمام المحكمة الجنائية
وسيدخل على الأرجح كتب التاريخ بوصفه آخر شخص يعترف بالمشاركة في جرائم التطهير العرقي المرتكبة خلال الحرب العالمية الثانية.
وكان داي قد اعترف سابقاً برؤية "مئات" الجثث، وقال إنه علم بشأن القتل الجماعي باستخدام الغاز، مضيفاً أنه رأى أطفالاً يقتلون من خلال إمساكهم من الساقين وضرب رؤوسهم في حائط إسمنتي.
ولا يوجد شهود على قيد الحياة يمكنهم تأكيد هذه الجرائم، أو تحديد ما فعله أو لم يفعله به على نحوٍ دقيق داخل محيط شتوتثوف.
ويمثل داي أمام المحكمة بموجب مبدأ "العمل الإجرامي المشترك"، بناءً على أنه كان يعمل في المعسكر وبالتالي كان جزءاً من المؤامرة النازية.
وفيما يُنكر ارتكاب أي عمل وحشي محدد، قال في لقاءٍ مع المدعين في 6 يوليو/تموز 2018: "عرفت جيداً أن هؤلاء المقتولين كانوا يهوداً لم يرتكبوا أي جريمة. وأنهم كانوا هناك لأنهم كانوا يهوداً وحسب".
وتابع: "ولديهم كل الحق للعيش والعمل بحرية مثلهم مثل أي إنسان آخر".
وتثبت سجلات وحدات شوتزشتافل الخاصة بوحدة "Death's Unit" أو "رأس الموت" التي عمل فيها داي أنه كان في الخدمة بين 9 أغسطس/آب 1944 و26 أبريل/نيسان 1945، عندما قُتل 5,230 مسجوناً بالغاز والطلقات النارية والشنق وغيرها.
وتجري محاكمته في محكمة الأحداث بهامبورغ لأنه كان مراهقاً عندما خدم في المعسكر. ويواجه، في حالة وجد مذنباً، عقوبة السجن بما يصل إلى 10 سنوات.
منع المساجين من الهروب والتمرد
من جهته، قال ستيفان ووتركامب، محامي الدفاع: "لم يكن مؤيداً للنظام. لكن بسبب أنه عاش بالقرب من معسكر الاعتقال، وضعته أوامر توزيع القوات في شتوتثوف. ويعيد موكلي الآن النظر في حياته بأكملها. إذ يشعر بالأسف على ما فعل مثلما أوضح خلال التحقيق معه".
ووفقاً لمكتب النائب العام، كانت إحدى مهمات "قناص شوتزشتافل" هي منع "المساجين من الهرب والتمرد والتحرر".
ووصف النائب العام داي، الذي يعيش في هامبورغ مع زوجته، بـ"الخاضع لآلة القتل".
ولد داي عام 1926 في ما يعرف الآن بمدينة غدانسك ببولندا. وقد انضم إلى منظمة "شباب هتلر"، وأمضى 6 أشهر في الجيش، لكن لا يُعرف ما إذا شهد أي معركة.
وبعد الحرب، اتُخذ سجين حرب ثم أُطلق سراحه في ديسمبر/كانون الأول عام 1945. وفي عام 1955، تزوج وانتقل إلى هامبورغ.
وقد تجدد اهتمام ألمانيا بجلب حرَّاس معسكرات الاعتقال ليمثلوا أمام العادلة منذ محاكمة عام 2012 لإيفان ديميانيوك، حارس شوتزشتافل أوكراني سابق في معسكر سوبيبور ببولندا.
محاكمة دون وجود شهود أو سجلات تثبت التهم
ولأول مرة منذ انتهاء الحرب، قالت النيابة العامة إنه ليس من الضروري وجود شهود عيان، أو سجلات تثبت ارتكاب جرائم معينة، أو شهادات لناجين.
حيث حوكم ديميانيوك ببساطة لأنه كان في المعسكر، وهي القواعد نفسها التي يخضع لها داي في محاكمته.
وفي ألمانيا، يمكن للمدعين بالحق المدني، من أقارب المتوفين، أن يظهروا في المحكمة باعتبارهم موجهي اتهامات، وستشهد محاكمة داي شهادة 12 شخصاً من هؤلاء.
إحداهم، جوديث ميسل (94 عاماً) من مدينة مينيابوليس الأمريكية، والتي كانت محتجزة في معسكر شتوتثوف حين كانت في سن الـ 14، وفقدت والدتها هناك.
وقال محاميها كورنيليوس نستله: "كان شتوتثوف عملية قتل جماعية منظمة، وهذا القتل الجماعي لا يمكن أن ينفذ إلا بمساعدة الحرَّاس. لقد ساعد المتهم في قتل والدتها".
وكانت فانيا برانكوفسجا (97 عاماً)، مدعية من ليتوانيا، أيضاً ممن فقدوا أحد أقاربهم في الهولوكوست.
وكذلك قُـتلت ريفا، أختها، في معسكر شتوتثوف. وقال أونور أوزاتا، محاميها: "هذه المحاكمة مهمة للغاية بالنسبة لموكلتي. فهي تأمل أيضاً في أن هذه (المحاكمة) لن تجعل ذكرى عائلتها المقتولة على يد النازيين وكافة ضحايا الهولوكوست الآخرين طي النسيان".
وأضاف: "وتأمل أيضاً في أن تبث رسالة مضادة لمعاداة السامية المتزايدة في أوروبا".
من جهته، وصف لارز ماهنكه، رئيس هيئة الادعاء، داي بـ "الترس الصغير في آلة القتل. لكن من الصائب أن يعرف العالم ما فعله وما حدث في شتوتثوف".