تقترب المهلة التي حددها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من نهايتها، والتي يُتوقع بعدها تنفيذ سلسلة من الإجراءات الإصلاحية، في وقت يواصل فيه اللبنانيون احتجاجاتهم بشكل واسع، وبدأوا منذ صباح اليوم الإثنين بقطع الطريق تمهيداً لمواصلة التظاهرات.
وأمس الأحد ولليوم الرابع على التوالي تظاهر أكثر من مليون و700 ألف لبنانيّ، في 6 مواقع مركزيّة ضمنها العاصمة بيروت، للمطالبة برحيل الطبقة السياسيّة احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية.
86 مليار دولار قيمة الديّن العام
وتنتهي مهلة الحريري مساء اليوم الإثنين، فيما سرّبت وسائل إعلام لبنانية بنوداً من خطة يتوقع أن يطرحها رئيس الوزراء لتهدئة غضب الشارع، تتضمن عدداً من القرارات الاقتصادية، من بينها إلغاء الضرائب، وخفض رواتب المسؤولين الحكوميين، وإلغاء بعض الوزارات.
كان الحريري الذي يترأس حكومة ائتلافية غارقة في المنافسات الطائفية والسياسية قد منح شركاءه في الحكومة مهلة 72 ساعة يوم الجمعة الماضي للاتفاق على الإصلاحات، ملمحاً إلى أنه قد يعمد إلى الاستقالة إذا لم يتفقوا على الإصلاحات.
وتصاعدت الاحتجاجات منذ الخميس الفائت، مع ارتفاع أعداد المتظاهرين وخروج عشرات الآلاف من اللبنانيّين في مختلف المناطق إلى الشوارع، مطلقين شعاراً واحداً: "الشعب يريد إسقاط النظام".
وانتفض الشعب اللبنانيّ بجميع انتماءاته الطائفيّة والحزبيّة للمرّة الأولى، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب والبقاع، رفضاً للأزمات التي تعصف بالبلاد في ظلّ ترهل بنية لبنان التحتيّة بسبب الفساد المُستشري في الدولة منذ عام 1990.
ويُقدّر الدين العامّ اللبنانيّ اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أيّ ما يزيد على 150٪ من إجمالي الناتج المحلّي.
كسر خطوط حمراء
وكُسِرَت في هذه التحرّكات الاحتجاجيّة خطوط لطالما اعتُبِرَت حمراء، ممّا جعلها تعدّ سابقة لا مثيل لها في لبنان، إذ خرجت الاحتجاجات من شوارع في قلب الجنوب اللبناني كمدينة صور، والنبطيّة وبنت جبيل حتى وصلت إلى بعلبك – الهرمل معقل الثنائي الشيعي، أي "حزب الله"، وحركة "أمل".
وحملت الاحتجاجات في الجنوب اللبنانيّ والبقاع شعار "كلّن يعني كلّن"، مُحمّلين الثنائي الشيعي مسؤوليّة الفساد والحرمان المُتغلغل بين أبناء الطائفة.
وضجّت مواقع التواصل بفيديوهات خلال الأيّام المنصرمة تظهر متظاهرين غاضبين في مدينة صور الجنوبيّة، وهم يطلقون هتافات ضدّ رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري.
وعَلت في قلب الضاحية الجنوبيّة لبيروت، معقل "حزب الله" الشيعي، للمرّة الأولى، هتافات تدعو للانتفاضة والثورة وكسر حاجز الخوف، ورفض الورقة الإصلاحيّة.
وقُطعت الطرقات بالإطارات المطاطيّة المشتعلة، أو بركام الأتربة والعوائق، في مناطق بقاعيّة عدّة، منها سرعين التحتا، وبريتال والحلانيّة.
وعمَّت، أمس الأحد، التظاهرات في مناطق محسوبة على تيّارات سياسيّة نافذة، مثل طرابلس وصيدا وحلبا معقل تيّار المستقبل المحسوب على رئيس الحكومة الحريري، التي ثارت على زعمائها وحمّلتهم مسؤوليّة الحرمان والتهميش.
مبيت في الشوارع
ورفع المحتجون في ساحة النور بمدينة طرابلس علماً لبنانياً بطول مئات الأمتار بشكل دائري حول المتظاهرين في السّاحة، في إشارة إلى أنّ كلّ المعتصمين في المدينة يلتفون حول العلم اللبنانيّ فقط.
من جانبه، نفى "الحزب التقدمي الاشتراكي"، في بيان، "ما تناقلته بعض وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات الوتساب من "رسالة صوتية مفادها أن الحزب يقوم بتكسير السيارات المتجهة من بيروت إلى البقاع وبالعكس".
ودعا الحزب "جميع المواطنين إلى الانتباه لبث الأخبار الملفقة والكاذبة لتوتير الأجواء، و "إلى الحد من تناقل الرسائل الصوتية والنصية قبل التثبت من صحتها".
ومع حلول المساء، جُدِّدت الدعوات لمواصلة الاحتجاجات والاعتصام، اليوم الإثنين، وسط العاصمة بيروت وبقية المدن حتى تحقيق المطالب.
ونُصِبَت بعض الخيام في ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، حيثُ أكّد المعتصمون مواصلة التظاهر لليوم الخامس على التوالي، والمبيت في الشوارع.
وتجوب مواكب من الدراجات الناريّة عدداً من شوارع العاصمة بيروت، يهتف سائقوها بشعارات احتجاجيّة مندّدة بالسلطة.
استقالة وزراء
وعلى الوقع الاحتجاجات، قدّم يوم السبت الفائت وزراء حزب القوات اللبنانيّة استقالتهم من الحكومة، الأمر الذي يضع الحريري أمام مزيد من الضغوط قبل ساعات قليلة من انتهاء المهلة التي طلبها رئيس الحكومة لإنهاء الأزمة.
وكشفت صحيفة "ذا ديلي ستار" المحلية أنّ مجلس الوزراء اللبناني سيجتمع، اليوم الإثنين، السّاعة 11:30 صباحاً بالتوقيت المحلي (9.30 توقيت غرينتش)، في قصر بعبدا الرئاسي.
من جانبها، طالبت حملة "لحقي" الحكومة بالاستقالة، ووصفتها بأنها "حكومة الضرائب الجائرة والمحاصصة الطائفيّة".
ودعت الحملة، في بيان لها مساء الأحد، إلى تشكيل حكومة إنقاذ مصغرة من اختصاصيين مستقلين لا ينتمون للمنظومة الحاكمة، على أن تتبنى مجموعة من الخطوات.
وتتضمن تلك الخطوات، إجراء انتخابات نيابية مبكرة بناء على قانون انتخابي "عادل" يضمن صحة التمثيل، وإدارة الأزمة الاقتصادية، وإقرار نظام ضريبي عادل، وتحصين القضاء وتجريم تدخل القوى السياسية فيه.
كما أكّدت الحملة المضي قدماً في التظاهرات والإضراب، "حتى إسقاط الحكومة وتحقيق مطالب المتظاهرين".
في المقابل، قال مسؤول في الخارجيّة الأمريكيّة لقناة "الحرّة" إن "الشعب اللبناني محبط بسبب عجز حكومته عن إعطاء الأولويّة للإصلاح وندعم حق هذا الشعب في التظاهر السلمي".
ومن جانبها، دعت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، في بيان، إلى التوقف عن التدريس، الإثنين، بانتظار ما ستسفر عنه اللقاءات المنتظرة بين جميع المعنيين بالشأن الوطني.
وسجّل الاقتصاد اللبنانيّ في عام 2018 نمواً بالكاد بلغ 0.2٪، وفشلت الحكومات المتتالية بإجراء أيّ إصلاح بنيوي.
ويطالب المتظاهرون بعزل الطبقة الحاكمة التي باتت تحت ضغط الشارع بحاجة إلى إيجاد حلول إنقاذ سريع.