تضغط المملكة العربية السعودية على العائلات الثرية، لشراء أسهم في عملية الطرح العام الأوليّ لشركة أرامكو النفطية المملوكة للدولة، كجزءٍ من خطة للوصول إلى قيمة تريليوني دولار التي يرغب بها ولي العهد محمد بن سلمان.
ونقلت صحيفة The Financial Times البريطانية، عن ثمانية أشخاص مطلعين على المحادثات، قولهم إنَّ ذلك يُمثِّل جزءاً من خطة لبناء الثقة في صفقة أرامكو السعودية، التي هزَّتها الهجمات المدمرة التي استهدفت البنية التحتية النفطية في السعودية نهاية الأسبوع الماضي.
أصول ضخمة مُجمدة
وأشار أربعة من المصادر إلى أنَّ الهدف هو "ليّ الذراع"، أو "الإجبار"، أو "التنمُّر"، على بعض أثرى العائلات في المملكة، كي تصبح جهات استثمارية أساسية ضمن ما تُوصف بأنَّها أكبر عملية طرح عام أوليّ على الإطلاق في العالم.
وكان للكثير من العائلات المُستهدَفة أفرادٌ احتُجِزوا سابقاً في فندق ريتز كارلتون الرياض، بين عامي 2017 و2018، ضمن ما وصفتها الحكومة بأنَّها حملة على الفساد.
ووفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة، قال بعض المحتجزين إنَّهم تعرَّضوا للتعذيب. وجرى الإفراج عن الغالبية بعد التوصل إلى تسويات مالية مع الدولة.
وبحسب الصحيفة البريطانية، يتضمَّن أولئك الذين يتعرَّضون للضغوط على خلفية عملية طرح أرامكو، الأمير الوليد بن طلال، الملياردير الذي لمع نجمه في وقتٍ من الأوقات، ثُمَّ احتُجِز في الريتز كارلتون لأكثر من ثلاثة أشهر.
ولا تزال حتى الآن الكثير من أصوله مُجمَّدة في السعودية، وقال أشخاص مطلعون على المحادثات إنَّه اقتُرِح عليه أن يستخدمها لشراء أسهم في عملية الطرح.
وقالت The Financial Times إن المتحدث باسم شركة المملكة القابضة المملوكة للأمير الوليد لم يرد على طلبٍ من أجل التعليق على المسألة.
الطرح الأولي لأرامكو
من جانبه، قال خبير مالي سعودي إنَّه جرى التواصل مع عشرات من أثرى العائلات السعودية، وأكَّد أنَّ الضغط لم يكن علنياً. وأضاف: "إنَّها مجموعة كبيرة من بين الخمسين الكبار".
وفي إطار هذه الحملة، جرى الحصول على نحو 100 مليون دولار من أحد أقطاب الأعمال السعوديين، وذلك بحسب مستشار له رفض الكشف عن هُويته.
وكان رجل الأعمال، الذي احتُجِز هو أيضاً في الريتز كارلتون، قد توصل في وقتٍ سابق إلى تسوية مع السلطات، يتنازل بموجبها عن أصول ويدفع أقساطاً شهرية لسداد دينه المزعوم لدى الحكومة.
وقال المستشار: "يجري حثّه الآن على أداء واجبه الوطني تجاه المملكة. لكن هناك حد لمدى الوطنية الذي يرغبه".
ويُظهِر الضغط على العائلات المحلية إلى أي حدّ تمضي المملكة في مسعاها لإطلاق عملية الطرح العام الأوليّ بعد ثلاث سنوات من إعلانها.
ويُسلِّط كذلك ضوءاً مزعجاً على المصرفيين الغربيين، الذين توافدوا على الرياض لينالوا أدواراً في تقديم المشورة لأرامكو أو ليقودوا عملية الطرح.
وقال مسؤولٌ حكومي إن "المزاعم بأنَّ السعودية تفرض ضغوطاً على عائلات أو أفراد، داخل أو خارج المملكة، للمشاركة في عملية الطرح العام الأوليّ لأرامكو عند أي سعر مُحدَّد لا أساس لها وغير صحيحة".
وأضاف: "إنَّ هيكل عملية الطرح العام الأوليّ المُنتظَر بشدة لأرامكو لم يُعلَن بعد من جانب السلطات المعنية، وبالتالي فإنَّ أي تكهنات في هذه المرحلة لا أساس لها".
تعويل على أموال الأثرياء
وتُعَد مصارف جي بي مورغان، وغولدمان ساكس، ومورغان ستانلي، وكريدي سويس، من بين أكثر من 12 مؤسسة مالية غربية من المقرر أن تروِّج عملية الطرح العام الأوليّ لدى المستثمرين في قادم الأسابيع.
وليس واضحاً ما إن كانت تلك المؤسسات على دراية بالضغوط التي تُمارَس على العائلات الثرية في المملكة، وهي الضغوط التي قال شخص مطلع على المسألة إنَّ مصدرها الحكومة السعودية وليس الشركة.
وأبطأت قيمة التريليوني دولار التي حددها الأمير محمد بن سلمان عملية الطرح العام لأرامكو السنة الماضية، بسبب مخاوف من إمكانية تسبُّبها في إحراج الأمير، في حال لم يمكن الوصول لهذا الرقم.
ووفقاً لعدة أشخاص مطلعين على العملية، أخبرت بعض المصارف التي مُنِحَت أدواراً في عملية الطرح هذا الشهر، المسؤولين السعوديين أنَّ بإمكانهم الوصول لحاجز تريليوني دولار، بحسب الصحيفة البريطانية.
لكنَّ الكثير من المحللين يعتقدون أنَّ قيمة تريليون إلى تريليون ونصف دولار أكثر واقعية. فالشركة هي أكبر منتج للنفط الخام في العالم وأكثر الشركات ربحاً، لكنَّ المستثمرين يخشون من أنَّه يصحبها مخاطرة سياسية كبيرة.
وقال المصرفيون إنَّ العائلات الثرية، بما في ذلك الأمراء وأقطاب الأعمال الأكثر من ثلاثمائة الذين احتُجِزوا في الريتز كارلتون، بالتالي تُعتَبَر عنصراً رئيسياً في ضمان عملية طرح ناجحة تغطي الرقم المطلوب.
وقال شخص آخر مطلع على المحادثات: "سيجد البعض أنَّ قول لا، أصعب بالمقارنة مع آخرين"، واصفاً نهج الرياض بأنَّه مزيج من "التملُّق والتنمُّر"، بحسب تعبيره.
وأُبلِغَت إحدى العائلات السعودية، التي جرى التواصل معها عبر مدير علاقاتها مع المقرضين، أنَّ أصولها التي جُمِّدَت أثناء عملية الريتز كارلتون قد تُحوَّل إلى أسهم في أرامكو.
وقال أحد المصرفيين: "ولِمَ لا؟ فهم لا يمكنهم الوصول إلى تلك الأموال على أي حال".
وتعتزم شركة أرامكو إدراج 3% من أسهم الشركة في بورصة "تداول" في الرياض، بما في ذلك الجزء المُخصَّص للمستثمرين الرئيسيين مثل العائلات الثرية، ومن شأن هذا جمع 60 مليار دولار للمملكة، إلا أنه لا يزال من الممكن أن تقتصر عملية الإدراج على حصة 1% فقط.
لكنَّ شخصين مُطلعين على عملية الطرح، قالا للصحيفة البريطانية، إنَّه يُتوقَّع كذلك التواصل مع بعض المستثمرين في المنطقة، بما في ذلك أبوظبي والكويت، وبعض كبريات المؤسسات الآسيوية.
وأشار أحد الأشخاص إلى أنَّه سيجري التواصل أيضاً مع العائلات الثرية ذات الصلات مع أفراد الأسرة الملكية السعودية في مصر ولبنان.
طرح أرامكو ضمن خطة ولي العهد
وكانت وكالة Bloomberg الأمريكية قد أوردت الأسبوع الماضي، خبر وجود خطة للتواصل مع العائلات الثرية باعتبارها جهات استثمارية رئيسية في عملية الطرح، لكنَّ التقرير لم يأتِ على ذكر تفاصيل الضغوط التي تتعرَّض لها بالفعل تلك العائلات.
ونقلت الوكالة تصريحاً لريتشارد سيغال، كبير محللي الأسواق الناشئة بشركة Manulife Asset Management بلندن، قوله: "إذا شارك مستثمرون محليون في الطرح العام بتقييم مرتفع، قد يحسن ذلك من التوقعات بالنسبة للإصدار الدولي، ويحدد مستوى مختلفاً تماماً للطرح. وبإمكان الحكومة تشجيع هذه المشاركة من خلال بعض المصالح والخدمات المتبادلة".
ويعد بيع حصة في شركة أرامكو جزءاً رئيسياً من مخطط ولي العهد لوقف اعتماد السعودية الكليّ على النفط، إذ من المتوقع أن يعاد استثمار العائدات في الاقتصاد.
وعُلّقت مخططات الطرح العام الأولي لشركة أرامكو خلال العام الماضي، بسبب تركيز الشركة على الاستحواذ على حصة الأغلبية في الشركة السعودية للصناعات الأساسية بقيمة 69 مليار دولار.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الاستعدادات للطرح العام، عيَّنَت المملكة رئيس صندوق الاستثمارات العامة رئيساً لشركة أرامكو، خلفاً لخالد الفالح، الذي أُقيل أيضاً من منصب وزير الطاقة.