كشفت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، أن الصواريخ والطائرات المسيرة التي استخدمت في هجمات أرامكو الأخيرة "انطلقت من قاعدة عسكرية في إيران"، ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين قولهم "إن طهران وظفت في الهجوم تقنية صواريخ أكثر تعقيداََ" .
وأشارت الصحيفة، الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول 2019، إلى أن القوات المسلحة السعودية والأمريكية وأنظمة الدفاع الجوي المعقدة التابعة لهما، فشلت في اكتشاف انطلاق الضربات الجوية التي استهدفت منشآت نفطية سعودية، ما سمح لعشرات الطائرات بدون طيار وصواريخ بالوصول إلى أهدافها، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن المسؤولين قولهم، إن تركيز الولايات المتحدة والسعودية كان منصباً إلى حد كبيرٍ على الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن، حيث تحارب الرياض قوات الحوثيين المدعومين من إيران في الحرب الأهلية في اليمن.
لكن هذه الهجمات انطلقت من منطقة إيرانية شمالي الخليج، وفقاً لأشخاص مطلعين على التحقيقات التي تجرى بشأن هذه الضربات.
وبينما يراجع المسؤولون السعوديون المعلومات الصادرة عن الولايات المتحدة، والكويت، والتحقيقات التي يجرونها بأنفسهم، يزدادون يقيناً بأن الطائرات بدون طيار والصواريخ، التي انطلقت بالقرب من الحدود الجنوبية لإيران مع العراق، حلقت على ارتفاع منخفض لتضرب عمق صناعة النفط السعودية في وقت مبكر من يوم السبت 14 سبتمبر/أيلول.
الهجمات على أرامكو "انطلقت من قاعدة إيرانية"
وقال أشخاص مطلعون على التحقيقات إنَّ المحققين وجدوا حطاماً بدا أنه يعود لتقنية صواريخ كروز الإيرانية. وقال مسؤول سعودي: "كل شيء يشير إليهم. الحطام، والمعلومات الاستخباراتية، والمناطق التي استهدفتها الهجمات" .
لم يتوقع المسؤولون السعوديون والأمريكيون حدوث هجوم من داخل إيران، بدلاً من الهجوم عبر إحدى قواتها بالوكالة أو وحدات النخبة العسكرية.
وتراقب أنظمة الدفاع السعودية أيضاً حركة النقل البحري في مضيق هرمز، حيث يتهم المسؤولون الأمريكيون إيران بمصادرة سفن النفط المارة عبر المضيق والتحليق بطائرات بدون طيار بالقرب من السفن الحربية الأمريكية.
لكن غياب تغطية الدفاع الجوي ترك الجبهة الشرقية للسعودية غير محمية بأي أنظمة دفاع جوي سعودية أو أمريكية، وأبرز على نحوٍ صارخ هشاشة المملكة، بينما يتزايد إحباط طهران بشأن فرض عقوبات أمريكية أكثر شدة عليها. وقد جعلت تلك النقطة العمياء المكشوفة السعودية معرضة للخطر رغم إنفاقها لملايين الدولارات سنوياً على ميزانية الدفاع.
وقال الجنرال جو دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية للصحفيين بالقرب من لندن، الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول: "أنت تعلم، نحن نراقب عن كثب منطقة الشرق الأوسط كلها طوال الوقت" .
نشرت الولايات المتحدة نظام صواريخ "باتريوت" في قاعدة الأمير سلطان خلال العام الجاري، لكن هذا النظام يستهدف الدفاع عن القاعدة، التي يوجد بها أكثر من 500 موظف أمريكي، والمنطقة المحيطة بها مباشرةً. ولم يكن مدى هذا النظام يغطي المنطقة التي استهدفتها هجمات السبت الماضي، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.
ويبدو أن هجمات السبت الماضي قد أتت من قاعدة إيرانية على بعد مئات الأميال في منطقة شمالي الخليج. وأشار مسؤولون أمريكيون إلى وجود مؤشرات تدل على أن القاعدة كانت بها أنشطة غير اعتيادية مباشرةً قبل وقوع الهجوم، لكنهم رفضوا تقديم مزيد من التفاصيل بهذا الشأن.
ووظَّفت إيران في الهجوم تقنية صواريخ أكثر تعقيداً، وصفها مسؤول أمريكي بأنها تمتلك قدرة عالية على المناورة، ويصعب اكتشاف أثرها.
رغم عدم وجود رقابة واضحة على موقع إطلاق الصواريخ، يفحص مسؤولو الجيش الأمريكي دليلاً يقولون إنه يشير مباشرةً إلى تورط إيران في الهجوم. وقال المسؤولون إن لديهم نوعين من الأدلة: أدلة ظرفية قد تشير إلى وجود اتصالات بين الأطراف المتورطة قبل وقوع الهجوم، وأدلة جنائية، تشمل حطاماً، وبقايا صواريخ، وطائرات بدون طيار، ومواد كيميائية، وأضراراً ناجمة عن الانفجار.
إيران تنفي ضلوعها في الهجوم، والأوربيون ينتظرون الدليل
وقال مسؤولون أمريكيون إنَّ مسؤولي الجيش الأمريكي زاروا مواقع الهجوم في السعودية لإجراء تحقيقات، ولجمع حطام الصواريخ المستخدمة في الهجوم لأجل العمليات الاستخباراتية، وإنهم وجدوا أجزاءً كبيرة من صاروخ واحد على الأقل لم ينفجر كلياً.
وقال المسؤولون إن المحققين وجدوا أيضاً حطاماً يبدو أنه جزء من تقنية صواريخ "كروز" الإيرانية.
وكانت هناك مباحثات دائرة داخل الجيش وأجهزة الاستخبارات بشأن الكشف عن بعض الأدلة التي جعلتهم يشكون في إيران، لكن الأمر قد يستغرق بضعة أيام قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من الإشارة إلى دليلٍ قاطع، وفقاً للمسؤولين.
ونفت إيران أنها نفَّذت الهجمات، واتَّهمت إدارة ترامب بنشر معلومات مضلِّلة، في محاولة لتقويض حكومتها.
وتقول بريطانيا، وفرنسا، وهما حليفتان بارزتان للولايات المتحدة، إنهما لم تريا دليلاً يدعم الادعاءات بأن إيران هي منفذة الهجمات.
وقال جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارته للقاهرة أمس الثلاثاء: "حتى الآن، ليس لدى فرنسا أي دليل يسمح لنا بالقول إن الطائرات بدون طيار قد أتت من هذا المكان أو ذاك" .
وتحدَّث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أمس الثلاثاء، واتَّفقا على إرسال خبراء فرنسيين للمشاركة في التحقيقات، وفقاً لما قاله مكتب ماكرون.
وقال مسؤولون ألمان، الثلاثاء، إن الحكومة الألمانية ما زالت تعارض أي تصعيد، وتدعو كلا الطرفين إلى ممارسة ضبط النفس وتبنّي طرق الدبلوماسية لحلّ الأزمة.
وقال أحد المسؤولين الألمان إن برلين تجري تقييمها الخاص بشأن الجهة المسؤولة عن الهجوم، لكنه قال إن هناك شكوكاً حول الادعاء المبدئي، الذي أطلقته قوات الحوثيين في اليمن المدعومة من إيران، بأنهم هم من أطلقوا الطائرات العشر بدون طيار من اليمن لمهاجمة المنشآت النفطية، على الأقل دون أي مساعدة خارجية.
فهل يتطور الوضع لنزاع مسلح بين واشنطن وطهران؟
رفعت هذه الهجمات احتمالات تصاعد التوتر الإقليمي ليكون نزاعاً مسلحاً بين الولايات المتحدة وإيران، اللتين وصلت الأزمة بينهما إلى طريقٍ مسدود، منذ انسحاب إدارة ترامب العام الماضي من الاتفاق النووي الإيراني، الذي أُبرم مع طهران في 2015.
وكشف الهجوم أيضاً كيف أن إمدادات النفط العالمية مُعرَّضة للاضطراب بعد توقف أكثر من نصف الإنتاج السعودي من النفط، مسبباً أكبر ارتفاع في أسعار النفط على الإطلاق، يوم الإثنين 16 سبتمبر/أيلول.
تتولى الولايات المتحدة دور توفير الأمن لممالك الخليج منذ عقودٍ، في إطار استراتيجيتها لحماية إمدادات النفط العالمية.
وتعمل مجموعة السفن الحاملة للطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" في المنطقة منذ مايو/أيار الماضي. وتحمل السفينة الحاملة للطائرات حوالي 5 آلاف جندي، ويوجد آلاف آخرين على سفن إضافية ترافق مجموعة لينكولن. وقال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية إنه عندما تغادر هذه المجموعة المنطقة سوف تحل محلها مجموعة أخرى حاملة للطائرات.
وأصدرت الحكومة السعودية بياناً، أمس الثلاثاء، تطالب فيه المجتمع الدولي بالدعم رداً على الهجوم. ولم تذكر الرياض إيران في البيان، لكنها أشارات إلى رفضها المزاعم التي تفيد بمسؤولية الحوثيين، الذين قالوا إن الهجوم كان رداً انتقامياً ضمن حربهم الممتدة على مدار أربع سنوات ضد التحالف العسكري بقيادة السعودية. وقالت الرياض يوم الإثنين إنها ستطلب من الأمم المتحدة إرسال محققين متخصصين في الأسلحة للتحقيق في الهجمات، لكنها لم تفعل ذلك حتى أمس الثلاثاء.
قال مسؤولون سعوديون إنهم عثروا على أجزاء من صواريخ "كروز"، في مواقع الهجوم، كانت تشبه في تصميمها سلاحاً جديداً يُعرف باسم صاروخ "قدس"، ويستخدمه المتمردون الحوثيون في اليمن لشنِّ هجمات على جنوب السعودية.
وتُحقق الكويت، الواقعة شمال منطقة الهجوم، في تقارير عن وجود طائرة بدون طيار في مدينة الكويت، عاصمة البلاد، قبل شنِّ الهجمات على المنشأة السعودية، مما يشير إلى أن الهجوم قد انطلق من جهة الشمال، وهي منطقة تضم جنوب غرب إيران.
وقالت إيران إن الهجوم كان بمثابة دفاع عن النفس من الحوثيين ضد التحالف السعودي.
خاصة أن أمريكا تتهم إيران بشنّ "هجوم عنيف" منذ أشهر
وتزعم الولايات المتحدة أن إيران تشنّ هجوماً عنيفاً عليها منذ مايو/أيّار، بعدما أعادت إدارة ترامب فرض عقوبات مُعرقِلة دفعت اقتصادها إلى الركود.
وتقول الولايات المتحدة إنَّ إيران استهدفت البنية التحتية النفطية السعودية مثل الناقلات وخطوط الأنابيب، فيما تنفي إيران استهداف أي منشآت سعودية، لكنها أقرّت بإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار فوق مضيق هرمز هذا الصيف.
وأعرب المشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في واشنطن عن تحفظاتهم بشأن احتمالات توجيه ضربة عسكرية أمريكية إلى إيران.
ويوم الثلاثاء قال السناتور الديمقراطي من ولاية فرجينيا الأمريكية، مارك وارنر، لصحيفة Wall Street Journal إنه يريد أن يرى الولايات المتحدة تكوّن تحالفاً واسعاً تحسّباً لأي رد.
وقال: "أنا قلقٌ للغاية بشأن الإدارة، التي تحاول على ما يبدو تصعيد هذا الأمر، في حين أنه ليس لدينا حتى اتفاقية دفاع مشترك مع السعودية، لذا فعلى أي أساس قانوني سيحاول هذا الرئيس شن هجوم على إيران؟ إننا في حاجة إلى جمع الحقائق أولاً" .
وقد باعت الولايات المتحدة للسعودية أسلحة بقيمة مليارات الدولارات، بما في ذلك أنظمة الدفاع الصاروخي.
واستخدمت السعودية منظومة الدفاع الجوّي الصاروخي الأمريكية "باتريوت" لردع هجمات الحوثيين التي شنّوها من اليمن على العاصمة السعودية الرياض. وأجبر تهديد الحوثيين السعودية على تركيز عمل أنظمة الدفاع الصاروخي في نطاق حدودها الجنوبية مع اليمن، لتظل مناطق أخرى من البلاد دون مستوى الحماية نفسه. وبذلت المملكة جهوداً مُضنية أيضاً لمكافحة التهديد الذي تشكله هجمات الحوثيين، التي تشنّها بطائرات بدون طيّار، والتي تزداد فاعلية على نحو مُطرد.
وقال وارنر إنه "بالنظر إلى قدرات الدول المنبوذة والجهات الفاعلة غير الحكومية على استخدام أدوات مثل الطائرات بدون طيار، نكون هُنا في عالم جديد شجاع. وينتابني القلق في بعض الأحيان من أننا قد ننفق الكثير من الوقت والموارد على أمور من القرن العشرين بينما يصبح الصراع المتزايد في القرن الحادي والعشرين سيبرانياً، قائماً على معلومات مضللة، ويستخدم طائرات بدون طيار، وينشب في مجال الفضاء" .
لكن ترامب يرفض توجيه اتهام مباشر لإيران
ولم يبلغ الرئيس ترامب حد اتهام إيران بتنفيذ الهجوم، لكنه قال إن إيران هي المُنفّذ المحتمل للهجوم على الأرجح، وتعهد بأن يقوم المسؤولون الأمريكيون بالإفصاح عن مزيد من التفاصيل متى أمكن ذلك.
قال ترامب، يوم الإثنين 16 سبتمبر/أيلول: "يعرفون (الإيرانيون) شيئاً لا يعرفه معظم الناس، من أين جاء الهجوم ومن فعله. نحن سنكتشف ذلك بسرعة كبيرة، إذ إننا نعرف الكثير بالفعل" .
وذكر ترامب، الذي تراجع عن شنِّ غارة جوية أمريكية على إيران في يونيو/حزيران، بعد تحفّظات من جانبه على الهجوم، أنه لا يريد خوض حربٍ ضد طهران، ومع ذلك فإنه سيتصرف إذا لزم الأمر.
وقال: "لا أتطلّع إلى الدخول في صراع جديد، ولكنك في بعض الأحيان تضطرّ لفعل ذلك" .
وأضاف الرئيس الأمريكي أنه يتوقع أن تلعب الرياض دوراً رائداً في أي رد.
وقال يوم الإثنين 16 سبتمبر/أيلول 2019: "يريد السعوديون بشدة أن نحميهم، لكنني أقول، حسناً، علينا أن نعمل (معكم)، (لكن) كان هذا هجوماً على السعودية، ولم يكن هجوماً علينا" .