هل تأتي الحرب النووية من حيث لا يتوقعها أحد؟ الهند وباكستان وبينهما كشمير!

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/19 الساعة 14:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/20 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش
مواجهات بين الجيش الهندي ومتظاهرين في كشمير، أرشيفية/ رويترز

مرة أخرى عادت كشمير إلى الواجهة ملقية بظلال كثيفة من الغبار النووي على ساحة دولية لا تنقصها الأزمات والحرائق هنا وهناك، فهل أصبحت مخاطر اندلاع حرب نووية أقرب بين الهند وباكستان منها بين واشنطن وروسيا مثلاً؟ وما هي الشرارة التي قد تطلق ذلك الكابوس المميت؟

مجلة ناشيونال 'نتريست الأمريكية تناولت القصة في تقرير بعنوان: "الهند وباكستان: السبب الوحيد الذي قد يطلق شرارة حربٍ نووية".

هدوء مقلق

أدت المناوشات الحدودية الهندية الباكستانية الأخيرة إلى لفت انتباه العالم مرةً أخرى إلى النزاع حول ولاية كشمير، ومع أنَّ حدة الأزمة الأخيرة قد هدأت في الوقت الحالي، ما زالت القضية تتفاقم، ومن المرجح أن تؤدي إلى مزيد من الاشتباكات بين هاتين الدولتين المسلحتين نووياً.

ومن المهم هنا أن نفهم الديناميات التاريخية والسياسية والإيديولوجية القائمة في ولاية جامو وكشمير لأنَّ مفترق الطرق الذي وجدت الهند وباكستان نفسيهما عنده حالياً هو نفسه الذي يسبب اضطراباتٍ في علاقتهما منذ عام 1947، إذ تزعم باكستان أنَّ "سيطرة" الهند على كشمير غير قانونية، وأنَّ الحكومة الهندية تلغي حق الكشميريين في تقرير المصير بطريقةٍ وحشية، فيما تؤكِّد الهند أنَّ جامو وكشمير جزءٌ لا يتجزأ من البلاد. وتكمن جذور هذا الصراع في تقسيم شبه القارة الهندية على أسسٍ دينية على أيدي الحكام البريطانيين عند رحيلهم عنها في أواخر الأربعينيات.

منطق شاذ من البداية

ومثَّلت ولاية جامو وكشمير الأميرية شذوذاً في منطق التقسيم، إذ كانت ولايةً ذات غالبية مسلمة يحكمها حاكمٌ هندوسي. وبينما كان حاكم الولاية متردداً بين الانضمام إلى الهند والانضمام إلى باكستان والبقاء مستقلاً، أرسل الجيش الباكستاني مجموعةً من مقاتلي حروب العصابات تسللوا إلى كشمير في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1947. فاستنجد حاكم الولاية بجواهر لال نهرو، رئيس الوزراء الهندي آنذاك، الذي اشترط عليه انضمام جامو وكشمير إلى الهند كي يتدخَّل. وبالفعل وقَّع حاكم الولاية صك انضمام إلى الهند في الشهر نفسه، وأحبط الجيش الهندي تقدم المتسللين الباكستانيين.

وفي يناير/كانون الثاني من العام التالي 1948، رفعت الهند القضية إلى الأمم المتحدة، لكنَّها ندمت على ذلك بعدما أصدر مجلس الأمن قراراً يدعو فيه إلى إجراء استفتاء للسماح لشعب جامو وكشمير بتحديد البلد الذي يريد الانضمام إليه. لكنَّ الأمم المتحدة جعلت الاستفتاء مشروطاً برحيل القوات الباكستانية عن المنطقة. وبحلول الوقت الذي دخل فيه اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة حيز التنفيذ في عام 1949، كانت باكستان قد فرضت سيطرتها على غلغت بلتستان (المعروفة كذلك باسم المناطق الشمالية) وآزاد كشمير، التي يشار إليها اليوم باسم "كشمير الخاضعة لإدارة باكستان". وخاض البلدان منذ ذلك الحين ثلاث حروب على كشمير، فيما كانت عمليات القصف والهجمات شائعة بينهما عبر الحدود.

الصين أيضاً متورطة

وما زاد الطين بلة أنَّ الجزء الشرقي من جامو وكشمير، المعروف باسم أكساي تشين، يخضع الآن للسيطرة الصينية بعدما استولت بكين على معظمه في حربها ضد الهند في عام 1962. (وتنازلت باكستان عن وادي شكسجام للصين بموجب اتفاق أبرِم في عام 1963). فيما تسيطر الهند على المناطق المتبقية من الولاية منذ عام 1948. ومع ذلك، شهدت الولاية اضطرابات شبه مستمرة بسبب التنافس بين الهند وباكستان، ودعم باكستان لبعض الجماعات المتطرفة المحلية، وعلاقات الحكومة الهندية المشحونة بالساسة الكشميريين البارزين.

وتسبب حدثان على وجه الخصوص في إطلاق سلسلةٍ من الأزمات التي ما زالت تؤثِّر في كشمير حتى يومنا هذا: الأول هو انتخابات الولاية في عام 1987 (التي زُعِم أنَّ نيودلهي زوَّرتها وأسفرت عن اضطراباتٍ سياسية متواصلة)، والآخر هو انتشار الجهاد الأفغاني إلى كشمير (الذي فاقم الصراع المسلح في المنطقة). وكانت المذابح والتهجير الجماعي اللذان تعرَّض لهما المجتمع الهندوسي المحلي في أواخر عام 1989 وأوائل عام 1990 -بسبب هذا الانتشار- فصلاً صعباً للغاية في تاريخ الولاية المضطرب.

وحشية هندية في كشمير

ونتيجة لذلك، سنَّت الحكومة الهندية قانون "الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة" المثير للجدل في الولاية في عام 1990، وهو يمنح الجيش الهندي حصاناتٍ خاصة المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الوجود العسكري الهندي في كشمير دائماً ما كان كبيراً، وأنَّ تصرفات الجيش الهندي كثيراً ما تعرَّضت لانتقاداتٍ على مر السنين بأنها قاسية. وفي السياق نفسه، شهد العقد الماضي ارتفاعاً في نشاط المقاتلين المحليين (بتحريضٍ من باكستان)، وهو ما فشلت الحكومات الهندية المتعاقبة في تهدئته، وقد أدى إعدام الإرهابي المحلي أفضال غورو في عام 2013، وعدة حوادث مشابهة، إلى اضطرابات هائلة واستياءٍ من نيودلهي على مر السنين.

كشمير الهند باكستان
قوات الأمن الهندية في كشمير/رويترز

وما فاقم هذه التوترات هو أنَّ حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، تعهَّد بإلغاء المادتين 370 و 35 ألف (اللتين تمنع الهجرة إلى كشمير من ولاياتٍ أخرى) من الدستور الهندي. وقد أدى هذا إلى ردود فعل حادة من الأحزاب الكشميرية المحلية، وباكستان كذك. وبوجهٍ عام، يُمكن القول إنَّ الأزمة في كشمير تُمثِّل حلقةً مفرغة من العنف، تغذيها باكستان وتسحقها الهند، وتلتهم السكان المحليين منذ عقود عديدة.

صراع أيديولوجي

وفي الأصل، يعد الصراع حول كشمير صراعاً أيديولوجياً. إذ كان قادة رابطة مسلمي عموم قبل التقسيم هُم من وضعوا التصوُّر الخاص بأن تكون باكستان دولةً مستقلة خاصة بالمسلمين على افتراض أنَّ الاختلافات بين المسلمين والهندوس لا يمكن التوفيق بينها، وأنَّ المسلمين لن يزدهروا أبداً في بلدٍ ذي غالبية هندوسية. وفي هذا الصدَّد، شرَّح المؤرخ فيصل ديفجي القومية الباكستانية قائلاً إنَّها متجذرة بقوة في فكرة رفض الماضي المشترك مع الهندوس في شبه القارة الهندية.

وهنا يتضح أنَّ ضم الهند لولاية كشمير ذات الأغلبية المسلمة يُعتبر لعنةً على وجود باكستان، إذ يُنظَر إلى أنَّ الهند العلمانية تُشكِّل تهديداً لوجود باكستان نفسه. وكذلك أدى دور الهند في المساعدة على إنشاء بنغلاديش بعد عام 1971 إلى توسيع الفجوة مع باكستان، لذا تريد باكستان إثارة الأزمات في كشمير انتقاماً من الهند. فضلاً عن أنَّ التفوق الاقتصادي والعسكري التقليدي للهند على باكستان يُغذِّي تصورات الباكستانيين بأنَّ الهند تُشكِّل خطراً عليهم. 

التشابه بين فلسطين وكشمير
قوات هندية خلال حرب أيلول 1965 في كشمير

وعلى الرغم من الخطوات الرامية إلى تعزيز الروابط بين شعبي الهند وباكستان، فإنَّ الجيش والمخابرات الباكستانيين -اللذين يسيطران تماماً على السياسة الخارجية للبلاد- يحرصان على أن تظل كشمير قضية نزاع ساخنة بين البلدين. 

وكما كتبت كريستين فير أستاذة العلوم السياسية: "باكستان.. لديها جيشٌ لا يمكن أن يفوز في الحروب التي يبدأها، وأسلحةٌ نووية لا تستطيع استخدامها، لذا تضطر إلى إثبات أنَّ أهداف الهند الرامية إلى فرض سيطرتها ليست بلا منازع. وهذا يدفع باكستان إلى مهاجمة الهند عبر أطرافٍ فاعلة بالوكالة تحت مظلتها النووية، لمجرد إثبات أنَّ الهند لم تهزمها ولم تجبرها على قبول الوضع الراهن"، وأسهل طريقة لإثبات ذلك هي تأجيج الوضع في كشمير، وهذا يعني أنَّ القضية لن تُحَل قريباً.

تحميل المزيد