أعلنت الإمارات، وهي القوة الثانية في التحالف العربي بقيادة السعودية، الذي يشنّ حرباً في اليمن، انسحابها نهاية يونيو/حزيران الماضي، والانتقال إلى استراتيجية "السلام أولاً" في البلد المفكك بالحرب.
وخرج مسؤول رفيع في حكومة أبوظبي في تصريحات للصحفيين، بأنه "لا يعترينا أي قلق بشأن حدوث فراغ في اليمن، لأننا درَّبنا 90 ألف جندي يمني في المجمل.. هذا أحد نجاحاتنا الكبيرة في اليمن" .
انسحاب الإمارات من اليمن وعلاقتها بالانقلاب في مدينة عدن
كانت تلك القوات التي قامت أبوظبي بتدريبها تدين بالولاء المطلق للإمارات، وبعد شهر واحد كانت قوات الحزام الأمني تسيطر على مدينة عدن بالكامل، بعد 4 أيام من المعارك الضارية ضد القوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
تعد قوات الحزام إحدى الفصائل العسكرية التي أنشأتها وموَّلتها الإمارات، منتصف 2016، ويقودها رجل الدين الموالي للإمارات هاني بن بريك، الذي يتقلَّد منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، والأخير كيان سياسي أنشأته الإمارات في مايو/أيار 2017، ينادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، ويرأسه عيدروس الزُّبيدي محافظ عدن المقال.
وجاءت سيطرة قوات الحزام على عدن، مع دعوة المجلس الانتقالي، الأربعاء، أنصاره وقواته إلى النفير العام واقتحام قصر معاشيق، وإسقاط الحكومة، متهماً قواتها بالإرهاب.
وقد تفاهمت الإمارات مع إيران وانسحبت من اليمن
في البدء، كان مراقبون يمنيون يرون أن دعوة الانتقالي إلى إسقاط الحكومة لا تعدو أن تكون تهديداً سياسياً، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول ذلك إلى واقع، فالمدينة شهدت خلال العام الأخير استقراراً كبيراً على جميع الأصعدة.
والأهم من ذلك، بدت الإمارات المتحكم الرئيسي في قوات الحزام الأمني الموالية لها، وكأنها انتهجت خطاً مغايراً لما كان عليه في السابق، فأبوظبي كانت قد وضعت تفاهمات مع الإيرانيين وتستعد لمغادرة اليمن، فيما تصاعدت أصوات إماراتية بضرورة انتهاج سياسة مغايرة في الإقليم.
ووفق مصدر حكومي تحدث للأناضول، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، بأن الرئاسة اليمنية والحكومة كانتا تستبعدان أي مخطط للانقلاب، عقب تقارير إعلامية تحدثت بأن ذلك سيجري مع تشييع جنود قتلوا بهجوم أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه.
وأضاف: "كنا نستبعد حدوث ذلك، ورغم دعوة هاني بن بريك للنفير العام، إلا أننا أيضاً كنا نعتقد أن الأمر لا يتجاوز الاستعراض السياسي، خصوصاً مع مقتل الرجل العسكري البارز في قوات الحزام الأمني أبو اليمامة" .
وقال المصدر إن الإمارات كانت قد أعلنت انسحابها من اليمن، وكانت تظهر أنها لا توافق على الانتقال إلى اللغة المتحدية والمتشنجة، بينما كانت السعودية تبعث تطمينات للحكومة والرئاسة حيال الوضع.
وأشار إلى أن الأحداث كشفت أن الإمارات دعمت وموَّلت الانقلاب على الحكومة في عدن، وأن أي آمال معقودة عليها في المستقبل فإنها وهم فقط، قائلاً "لا يستبعد أن تقف الإمارات مع الحوثيين، بالنظر للتفاهمات الأخيرة مع الإيرانيين" .
خاصة بعد إعلانهم انتهاج أسلوب الدبلوماسية في علاج الأزمة اليمنية
حيث حرص المسؤولون الإماراتيون على التعامل بدبلوماسية مع الأحداث في عدن، كما أظهرت التصريحاتُ أبوظبي بعيدةً عن سياق الأحداث، واكتفت بالتعبير عن قلقها إزاء استمرار المواجهات المسلحة التي تجري فى عدن.
ودعت الخارجية الإماراتية في بيان نقلته وكالة أنباء البلاد، إلى "حوار مسؤول وجاد من أجل إنهاء الخلافات والعمل على وحدة الصف في هذه المرحلة الدقيقة، والحفاظ على الأمن والاستقرار" .
وأكدت أن "الإمارات شريك فاعل في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، تقوم ببذل كافة الجهود للتهدئة وعدم التصعيد في عدن، وفي الحث على حشد الجهود تجاه التصدي للانقلاب الحوثي وتداعياته" .
لكنَّ مصدراً رفيعاً في وزارة الداخلية بالحكومة، اشترط عدم ذكر هويته، قال للأناضول إن التصريحات الإماراتية كانت محاولة منها للظهور، وكأنها كانت بعيدة عن سياق الأحداث، وإن قرار الحرب اتُّخذ من قِبل هاني بن بريك.
ويضيف للأناضول أن "نائب رئيس المجلس الانتقالي لم يكن قد اتخذ قرار الانقلاب على الحكومة بمعزل عن الإمارات"، لافتاً إلى أن "الانتقالي لا يمكن له أن يصدر بياناً اعتيادياً دون العودة لحكام أبوظبي، فما بالك بأن يتخذ قرار الحرب والانقلاب على الحكومة، فالقرار كان إماراتياً" .
وتابع: "كان الدعم والإسناد يأتي من المعسكرات الإماراتية، وخلال المعارك في كريتر كنا قد تقدمنا وسيطرنا على معظم المناطق، لكن الدعم الإماراتي لقوات الحزام بالصواريخ الحرارية والأسلحة الثقيلة والرشاشات رجح الكفة لصالحهم" .
فيما لا يزال دور الرئيس هادي غامضاً بعد انقلاب عدن
ويقول مصدر في الرئاسة اليمنية إن الرئيس هادي ومستشاريه يعكفون مع الرياض على دراسة تطورات الأوضاع، بعد أن تورطت الإمارات بصورة واضحة في انقلاب عدن.
أما الصحفي مصطفى راجح، فأوضح أن انسحاب الإمارات من اليمن كان تمهيداً للانقلاب في عدن، فالانقلاب كان مُقراً من أبوظبي.
ومستقبلاً، يرى راجح أن التحالف سيعمل على إبقاء الحكومة الشرعية بشكل صوري، ليستمر في الحرب شرقاً باتجاه حضرموت وشبوة والمهرة لإدماجها، وشمالاً لإشغاله بحروبه بهدف ترتيب دولة انفصالية في الجنوب.
وأضاف: "ما زال مسلسل تقسيم اليمن مستمراً بإشراف من لندن وواشنطن" .