استعانت المملكة العربية السعودية بشركة بريطانية للدعاية والعلاقات العامة، تقدم مواد دعائية على أنها أخبار حقيقية على موقع "فيسبوك"، لتحسين صورة الرياض، لا سيما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 1 أغسطس/آب 2019، تحقيقاً تحدثت فيه عن نشاط الشركة وعن التعاون بينها وبين المملكة، التي دفعت أموالاً هائلة مقابل الحصول على الخدمات.
ويدير شركة "سي تي إف بارتنرز" التي تقوم بالتضليل على "فيسبوك"، سير لينتون كروسبي، وهو الحليف المقرب من رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون.
ملايين الدولارات دفعتها السعودية
وأشار كاتب التحقيق جيم ووترسون إلى أنه أجرى لقاءات مع موظفين حاليين وسابقين في الشركة، وقام بدراسة مستفيضة لاستراتيجياتها، كشف أنها تقدم "تضليلاً احترافياً على الإنترنت"، وأنها قبلت عملاء مثيرين للجدل، كما أن بعض موظفاتها تعرضن للتنمر المعادي للمرأة.
ونقل تحقيق الصحيفة عن موظفين قولهم إن الشركة عززت وجهات نظر عملائها على موقع "فيسبوك" من خلال التضليل الذي تنشره.
وأشار تحقيق الصحيفة البريطانية بالاستناد إلى الشهادات والوثائق التي حصلت عليها إلى أن:
– المملكة العربية السعودية دفعت ملايين الجنيهات الإسترلينية خلال العام 2018، من أجل تلميع صورة ولي العهد الذي توجه له الاتهامات بقتل الصحفي خاشقجي.
– أن الشركة عملت مع حزب رئيس الوزراء الماليزي السابق، نجيب رزق، الذي أدين لاحقاً في واحدة من أكبر فضائح الفساد في العالم، وذلك خلال الفترة التي سبقت الانتخابات العامة الأخيرة في بلده.
– كان للشركة دور في الحملات السياسية للبلدان التي تعرضت للانتقادات بسبب حقوق الإنسان فيها، التي تراوحت بين زيمبابوي، وسريلانكا، واليمن الذي مزقته الحرب.
فيسبوك تتحرك
ويتزامن تحقيق الصحيفة البريطانية مع كشف شركة "فيسبوك"، أمس الخميس، عن أن أشخاصاً مرتبطين بالحكومة السعودية أداروا شبكة من الحسابات والصفحات الزائفة عليها، لترويج مواد دعائية للدولة ومهاجمة الخصوم في المنطقة.
وقالت "فيسبوك" إنها "أغلقت أكثر من 350 حساباً وصفحة عليها نحو 1.4 مليون متابع، في أحدث حملة ضمن جهود متواصلة لمحاربة "السلوك الزائف المنسق" على منصتها، وفي أول نشاط من نوعه تربطه بالحكومة السعودية.
وقال مركز التواصل الدولي، وهو المكتب الإعلامي للحكومة السعودية، في بيان أرسل إلى رويترز، إن "حكومة المملكة العربية السعودية ليس لديها علم بالحسابات المذكورة، ولا تعرف على أي أساس تم ربطها بها" .
وتلجأ دول في الشرق الأوسط بشكل متزايد إلى مواقع مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب لشن حملات سرية للتأثير السياسي على الإنترنت.
وكشفت رويترز تفاصيل حملة موسعة تدعمها إيران العام الماضي، كما تواجه الرياض اتهامات باستخدام الأساليب ذاتها لمهاجمة قطر، ونشر معلومات غير حقيقية في أعقاب مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي.
وأعلنت فيسبوك شن حملات على "السلوك الزائف" عدة مرات، لكن نادراً ما تربط البيانات مثل هذه الأنشطة مباشرة بحكومة ما.
وقال ناثانيال جليتشر، مدير سياسة الأمن الإلكتروني في فيسبوك: "بالنسبة لهذه العملية، استطاع محققونا التأكد من أن من يقفون وراءها مرتبطون بالحكومة السعودية"، مضيفاً: "أي مرة نرصد فيها صلة بين عملية معلومات وحكومة، يكون ذلك مهماً وينبغي أن يتنبه الناس" .
وقالت فيسبوك اليوم أيضاً إنها أغلقت شبكة أخرى تضم أكثر من 350 حساباً مرتبطاً بمؤسسات تسويق في مصر والإمارات، لكنها لم تربط الأمر مباشرة في هذه الحالة بحكومة ما.
صفحات مؤيدة للحكومة
وأشار جليتشر إلى أن الحملة السعودية كانت نشطة على موقعي فيسبوك وإنستغرام، واستهدفت بشكل أساسي دولاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بينها قطر والإمارات ومصر وفلسطين.
واستخدمت الحملة حسابات مزيفة يتظاهر أصحابها بأنهم من مواطني تلك الدول، كما صممت صفحات لتبدو مثل مواقع إخبارية محلية. وقالت فيسبوك إن أكثر من 100 ألف دولار أنفقت على الإعلانات.
وبحسب جليتشر أيضاً: "فعادة ما ينشرون بالعربية عن أخبار المنطقة والقضايا السياسية. ويتحدثون عن أمور مثل ولي العهد محمد بن سلمان وخطته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ونجاحات القوات المسلحة السعودية، لا سيما في حرب اليمن" .
من جانبه، قال آندي كارفين، وهو باحث كبير في مختبر التحاليل الجنائية الرقمية التابع للمجلس الأطلسي والذي يعمل مع فيسبوك لتحليل الحملة السعودية، إن بعض الحسابات ترجع إلى 2014 لكن أغلبها أُنشئ في العامين الأخيرين.
وأضاف أن 90٪ من المحتوى باللغة العربية وأن بعض الحسابات "تعمل أساساً كصفحات لتأييد الحكومة والجيش بالسعودية" .
وأظهرت نسخة من أحد المنشورات السعودية التي عرضتها فيسبوك، الخميس، ولي العهد السعودي وهو يقبل رأس مريض مضمداً في أحد المستشفيات وكتب تحتها "سمو الأمير محمد بن سلمان يقبل رأس أحد الجنود المصابين" .
ساحة معارك
وتتعرض شركات التواصل الاجتماعي لضغوط متزايدة للمساعدة في وقف التأثير السياسي غير المشروع على الإنترنت. وقال مسؤولون في المخابرات الأمريكية إن روسيا استخدمت فيسبوك وغيرها من المنصات للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، ويشعرون بالقلق من أن تفعل ذلك مرة أخرى في عام 2020. وتنفي موسكو هذا.
وقال بن نيمو، من مختبر التحاليل الجنائية الرقمية، إن عمليات المعلومات على الإنترنت أصبحت مرئية بشكل متزايد مع تبني مزيد من الحكومات والجماعات السياسية تلك الأساليب، وتكثيف شركات وسائل التواصل الاجتماعي جهودها للتصدي لها.
واعتبر نيمو أن هذا "دليل على مدى تحول وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة، لا سيما في الخليج، حيث توجد خصومات إقليمية قوية وباع طويل من العمل من خلال الوكلاء" .
وأضاف: "أصبح هذا أمراً معتاداً إلى حد بعيد (…) أينما تتصاعد التوترات الجيوسياسية تحدث أشياء مثل هذه، ونحن ننتقل إلى فضاء تتعامل فيه المنصات مع ذلك بشكل يكاد يكون روتينياً" .
وكانت فيسبوك قد أعلنت عن 14 عملية على الأقل للتصدي "للسلوك الزائف" من 17 دولة مختلفة حتى الآن هذا العام. وتضمن أحدث إعلان سابق على إعلان يوم الخميس حسابات يديرها أناس في تايلاند وروسيا وأوكرانيا وهندوراس.