لاجئون بلا تعليم.. جيلٌ ضائع من أطفال مسلمي الروهينغا يواجه مستقبلاً غامضاً

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/25 الساعة 15:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/27 الساعة 08:46 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية عن التعليم/istock

أزمة مسلمي الروهينغا لم تنتهِ بعد عند الأضرار السياسية، بل وصلت للإنسانية، حتى بات جيل كامل معرضاً للضياع، بسبب عدم التحاقه بالمدارس، بعد نزوح الآلاف جراء حرب الإبادة التي يتعرّضون لها.

روبايات جسمين، طالبة دكتوراه في جامعة بينغامتون الأمريكية في نيويورك روت قصتها مع هؤلاء الأطفال لموقع The Conversation الأمريكي، وقالت: التقيت صبياً روهينغياً مسلماً من ميانمار، عمره 7 سنواتٍ، في مركزٍ تعليمي في مخيَّمٍ للاجئين بمدينة كوكس بازار البنغلاديشية، في أوائل الشهر الجاري يوليو/تموز.  

وقد لمعت عينا الصبي محمد -ليس اسمه الحقيقي- حين تحدَّث عن حلمه في أن يصبح طبيباً.

ولكن بعد الحديث عن طموحاته، سرعان ما تذكَّر الواقع، وقال بابتسامةٍ باهتة: "أعرف أنَّ أحلامي لن تتحقق أبداً".

أزمة لاجئين ذات أبعاد عالمية

ويعد محمد واحداً من بين أكثر من 700 ألف روهينغي لجأوا إلى بنغلاديش، بعدما تعرَّضوا لحملة تطهيرٍ عرقي متمثلة في الاغتصاب والقتل والتعذيب على أيدي جيش ميانمار، في منتصف عام 2017. وانضموا بذلك إلى أكثر من 200 ألف روهينغي فرّوا سابقاً من ممارسات ميانمار الوحشية لتخليص الدولة ذات الغالبية البوذية من هذه الأقلية المسلمة المهمشة.

وتبلغ نسبة النساء والأطفال من الروهينغا الذين وصلوا إلى بنغلاديش حديثاً حوالي 75%، وفقاً للأمم المتحدة.

لاجئي الروهينغا المسلمين
لاجئي الروهينغا المسلمين

وفي لفتةٍ إنسانية جديرة بالملاحظة، منحت الحكومة البنغلاديشية هؤلاء الأشخاص ملجأً. وبمساعدة منظمات مجتمعية بنغلاديشية والعديد من وكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية الأخرى، يحصل الروهينغا على المأوى والغذاء والملابس والرعاية الصحية الأساسية منذ هجرتهم الجماعية الهائلة في عام 2017.

إذ إن هذه الرعاية الأساسية، التي تبلغ تكلفتها في العام الجاري 2019، ما يقدر بحوالي 920.5 مليون دولار أمريكي، تمثل مجهوداً عالمياً هائلاً، لكنَّ الموارد غير كافية على الإطلاق.

فمعظم مخيمات اللاجئين في بنغلاديش مكتظةٌ، إلى حدٍّ يتجاوز طاقتها الاستيعابية، لذا فهي غير صحية. فضلاً عن أنَّ المقيمين في هذه المخيمات يعيشون على الحد الأدنى المطلق من الغذاء وغيره من الاحتياجات الأساسية. وكذلك تُمثِّل الأمطار الموسمية والبرد القارس والانهيارات الأرضية تهديدات يومية لهؤلاء الروهينغا، وهو ما شاهدته بنفسي عن كثب إبان زياراتي إلى بعض المخيمات في بنغلاديش في عامي 2017 و2019.

وصحيحٌ أنَّ هذه الحياة تُصيب الجميع بالاكتئاب، لكنَّ أكثر ما أحزنني هو محنة حوالي 500 ألف طفلٍ روهينغي يعيشون في مأزقٍ ذي مستقبلٍ مجهول.

مخاوف جيل ضائع

تُظهِر أبحاثٌ أنَّ مستقبل الأطفال اللاجئين يزداد تعرضاً للخطر كلما طالت مدة بقائهم دون التحاقٍ بالمدارس. 

تكفل وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وصندوق الأمم المتحدة للطفولة حصول الأطفال في العديد من البلدان التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين -بما في ذلك تركيا ولبنان وأوغندا- على تعليم جيد بدوامٍ كامل، إمَّا في المخيمات أو في المدارس الحكومية القريبة. غير أن 23% فقط من الأطفال اللاجئين في جميع أنحاء العالم مُسجَّلون في مدارس ثانوية، وفقاً للمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فيما تبلغ نسبة الذين يلتحقون بالجامعات منهم حوالي 1% فقط. 

جائزة البوليتزر عن مسلمي الروهينغا

ونظراً إلى أنَّ السلطات البنغلاديشية لم تمنح الروهينغا وضع اللجوء الرسمي وتعدهم "مواطنين تابعين لميانمار مُهجَّرين قسراً"، لا يحصل حوالي 500 ألف طفلٍ روهينغي في البلاد على تعليمٍ رسمي، ولا يُسمح لأطفال الروهينغا بالالتحاق بالمدارس الحكومية البنغلاديشية.

يُمنح أطفال الروهينغا الذين تتراوح أعمارهم بين 4 سنوات و14 سنة دروساً يومية من جانب صندوق منظمة الأمم المتحدة للطفولة، وبعض المنظمات الشريكة له؛ إذ تبلغ مدة كل منها ساعتين ويتلقون فيها دروساً تعليمية في اللغة البورمية والإنجليزية والرياضيات والمهارات الحياتية في حوالي 1600 مركزٍ تعليمي في المخيمات. وبالرغم من أن هذه الفصول تشغل جزءاً من أوقات يوم حوالي 145 ألف طفلٍ روهينغي -أو حوالي 30% من إجمالي أطفال الروهينغا في بنغلاديش- فهي لا توفِّر أي نوعٍ من التعليم الرسمي الذي سيسمح للأطفال بالسعي إلى الحصول على شهادة الثانوية العامة والالتحاق بسوق العمل.

مخيمات بلا تعليم

بينما لا تُقدِّم المخيمات أي تعليمٍ على الإطلاق للاجئين الروهينغا المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً.

لذا يلجأ بعض المراهقين، ومعظمهم من الأولاد، إلى المدارس الدينية أو مراكز التعليم الإسلامية، حيث يمكنهم تلقي تعليمٍ ديني.

فيما يُترَك بقية أطفال الروهينغا، الذين لا يحضرون الحصص التي يوفرها صندوق الأمم المتحدة ولا يلتحقون بالمدارس الدينية، بلا شيءٍ يشغل يومهم، لذا يلجأون إلى ملء أوقاتهم بطريقتهم الخاصة. وقد رأيت صبياناً في مخيِّمات الروهينغا يعملون في محلات تجارية أو يلعبون بأوراق اللعب أو يجلسون خاملين طوال ساعات النهار.

وحين سألت محمد عمَّا يفعله في غير أوقات المدرسة، أخبرني أنَّه "يعتني بأسرته".

وأضاف مبتسماً: "وألعب مع الأطفال الآخرين أيضاً".

وعلمت أنَّ الآباء والأمهات غالباً ما يُبقين الفتيات المراهقات في المنزل بسبب المعايير الاجتماعية والدينية المُحافِظة التي يتبعها الروهينغا.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ المخيمات كذلك قد تُشكِّل خطورة على الفتيات. فمن المعروف أنَّ المتاجرين بالبشر يستهدفون الشابات الروهينغيات، ويعدونهن بوظائف خارج المخيمات. وكذلك تواجه الفتيات أشكالاً أخرى من العنف وانتهاك حقوق الإنسان في مخيمات بنغلاديش، من بينها زواج القاصرات.

عودة الروهينغا إلى وطنهم 

في ظل نشأة أطفال الروهينغا في ظروفٍ غير مستقرة، مع عدم وجود إمكانية للدراسة، صاروا مهددين بأن يصبحوا جيلاً ضائعاً.

لكنَّ هذا المأزق ذا المستقبل المجهول قد لا يستمر إلى الأبد. إذ وافقت ميانمار في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017، تحت ضغوطٍ دولية متزايدة، على إعادة الروهينغا مرةً أخرى إلى أراضيها، اعتباراً من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي 2018.

لكنَّ العودة تأجَّلت بسبب احتجاجات اللاجئين، الذين يخشون من أن تكون الظروف في ميانمار غير آمنة حتى الآن. وكذلك أعربت الأمم المتحدة وغيرها من وكالات اللاجئين الدولية عن قلقها بشأن إعادة الروهينغا إلى وطنهم، قائلةً إنَّه لا يوجد ما يشير إلى أنَّ حكومة ميانمار عاقبت الأشخاص المسؤولين عن الجرائم المُرتكبة في ولاية راخين، أو أنَّها وافقت على منح الروهينغا جنسية البلاد.

وفي ظل اعتبارهم أجانب في كلٍّ من ميانمار، بلدهم الأصلي، وبنغلاديش، التي طلبوا اللجوء فيها،  يُعَد المسلمون الروهينغا  أكبر فئةٍ عديمة الجنسية في العالم. 

وبينما تستمر المفاوضات من أجل إعادتهم إلى وطنهم، ما زال جيلٌ من أطفال الروهينغا المصابين بأضرارٍ نفسية ينتظر بداية مستقبله.

تحميل المزيد