أجرى نظام بشار الأسد تغييرات كبيرة في قادة فروع المخابرات الأكثر نفوذاً بالبلاد، والتي تلعب دوراً كبيراً في الحكم، وفي التصدي للمعارضين للأسد منذ بداية الاحتجاجات عام 2011.
وقالت وكالة رويترز، الإثنين 8 يوليو/تموز 2019، إن مواقع على شبكات التواصل الاجتماعي موالية لنظام بشار الأسد، قالت إن الأخير عيّن قادة جدداً لأربعة فروع أمنية في سوريا.
وذكرت شبكة "أخبار طرطوس الآن"، و"شبكة أخبار حمص" وهما من أبرز الصفحات الموالية للنظام على "فيسبوك"، أن النظام عيّن اللواء غسان إسماعيل مديراً للمخابرات الجوية خلفاً للجنرال جميل الحسن، المُتهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا.
وعادة لا يصدر عن النظام أي شيء رسمي عندما يجري تغييرات أمنية، ويكتفي بإرسال معلومات داخلية لصفحات بارزة تابعة له على "فيسبوك" للإعلان عن مثل هذه القرارات.
سفير سوريا السابق في الأردن، بهجت سليمان، أكد من جانبه حدوث تغييرات أمنية، وقال إن النظام عيّن "اللواء حسام لوقا مديراً لإدارة المخابرات العامة، واللواء ناصر العلي رئيساً للشعبة السياسية، واللواء غسان إسماعيل مديراً لإدارة المخابرات الجوية، واللواء ناصر ديب مديراً لإدارة الأمن الجنائي" .
وكان لافتاً في التغييرات التي حدثت، إزاحة اللواء جميل الحسن الذي يقول عنه السوريون إنه بمثابة اليد المطلقة لبشار الأسد، حيث أدار فرع المخابرات الجوية، الذي يُعد من أعنف الفروع الأمنية في سوريا، وكان له دور كبير للغاية في قمع الاحتجاجات ضد النظام، واعتقال المعارضين له، وقتلهم داخل الزنازين.
هل التغييرات اعتيادية؟
وعلى الرغم من أن صفحات موالية للنظام قالت عن التغييرات الحاصلة إنها اعتيادية، إلا أن معارضين للنظام تحدثوا عن تأثير التنافس الروسي-الإيراني على الفروع الأمنية في سوريا بحدوث تلك التغييرات، حيث يُعتبر الحسن من بين أبرز الضباط المقربين من طهران، التي تمتلك نفوذاً كبيراً في سوريا.
وبين الحين والآخر تغيب فجأة وجوه أمنية اعتمد عليها الأسد بشكل كبير في حربه ضد المعارضة، وتواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب، فضلاً عن اعتبارها مكمناً لأسرار النظام، حيث تملك اطلاعاً كاملاً على ما يجري في المعتقلات، ومن يصدر أوامر القتل، وكيف تتدخل الفروع الأمنية في مفاصل الحكم.
وأشهر جنرالان تسبب موتهما بإثارة إشارات استفهام، اللواء غازي كنعان الذي قال نظام الأسد إنه انتحر في العام 2005، وذلك بعد أشهر من توجيه الاتهام له باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
وفي أبريل/نيسان 2015 أعلن النظام عن وفاة اللواء رستم غزالي، الذي تولى سابقاً منصب رئيس شعبة الأمن السياسي، وكان قد دخل المشفى بعد خلاف بينه وبين رئيس الأمن العسكري السابق رفيق شحادة، وقال مراقبون حينها إنه من المُحتمل أن يكون غزالي تعرض لتصفية مقصودة، لا سيما أنه هو الآخر لديه أسرار عن اغتيال الحريري.
حب للعنف
وظلت شخصية الحسن مجهولة لدى السوريين حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عندما أجرى أول تصريح لوسيلة إعلام، وحينها أبدى الحسن في حديثه مع وكالة "سبوتنيك" تأييداً شديداً للعنف ضد المعارضين للأسد.
وانتقد الحسن حينها ضمنياً طريقة تعامل الأسد مع معارضيه، رغم كل العنف الذي وجهه لهم، وطالب بمزيد من "الرصاص والنار" ضد المعارضين للنظام، وقال: "لم أكن أتوقع أن يحدث ذلك بهذا الشكل الكبير، إلا أنني كنت أقاتل التطرف تحت الأرض، هؤلاء في عصر الرئيس حافظ الأسد تلقوا ضربة موجعة في الثمانينيات وكانت شبه قاضية، خاصة في حماة"، مضيفاً: "ونحن في هذه المرحلة لو حسمنا الموقف منذ البدايات لما وصلنا إلى هنا، ولكن هذا هو قرار القيادة، وأنا كان رأيي مختلفاً" .
واستشهد الحسن في مثال على ذلك بحادثة ساحة الطلاب في الصين الذين كانوا يتظاهرون ضد السلطات، وقال: "لو لم تحسم الدولة الصينية فوضى الطلاب لضاعت الصين وضيعها الغرب" .
وأحداث ميدان تينانمين في الصين كانت كارثية جداً، إذ تجمعت أعداد كبيرة من الطلاب الصينيين في الميدان، للمطالبة بالديمقراطية والإصلاح والحرية، وبقوا فيها لأيام عدة، لتقدم الحكومة الصينية حينها على استخدام الجيش، واقتحم الأخير بالدبابات الميدان وسحقت الآلاف منهم.
وعاد الحسن، في مقابلة ثانية أجراها نهاية العام 2016 مع صحيفة The Independent البريطانية، وأكد ضرورة "السحق العسكري" للمعارضين للأسد.
وقال في المقابلة التي أجراها مع روبرت فيسك، إنه مستعد لمواصلة عمله في سوريا حتى وإن سيق إلى محكمة الجنايات الدولية، معتبراً أنه "لو كان هناك رد فعل أكثر قسوة على الإرهاصات الأولى للثورة في سوريا لكان من الممكن سحق جميع المعارضة المسلحة فوراً" .
الحسن مبتكر البراميل
وتُنسب إلى الحسن المسؤولية عن فكرة قصف السوريين بالبراميل المتفجرة، وهو ما أشار إليه محلل لبناني موالٍ للنظام في سوريا، ميخائيل عوض، الذي قال في مقابلة تلفزيونية إنه يوجه تحية إلى الحسن لما له من "دور في صنع البراميل المتفجرة التي أخذ بها الأسد بعد نصيحة منه"، معتبراً أنها "كانت أكثر فعالية من الصواريخ المجنحة، وأقل كلفة".
وقال عوض في برنامج بُث على الفضائية السورية إنّ "استخدام هذه البراميل وفر على خزينة النظام ملايين الدولارات، حيث كلفة البرميل الواحد لا تتجاوز 150 دولاراً بينما كلفة كل صاروخ موجه هي 500 ألف دولار".
وأكد المحلل الذي زعم معرفته بالعلوم العسكرية أن "استخدام هذه البراميل كان اختراعاً فعالاً جداً، وكانت له نتائج إيجابية" ووجه خلال لقائه "تحية لمسؤولي النظام على هذا الاختراع الفريد".
والبراميل المتفجرة سلاح فتاك استخدمه نظام الأسد ضد المناطق التي خرجت عن سيطرته، وتسببت في قتل عدد كبير من السوريين، وفقاً لما أكدته منظمات حقوقية.
جميل الحسن مطلوب للإنتربول
وفي فبراير/شباط الماضي، وضعت منظمة مكافحة الجرائم الدولية (إنتربول) "إشارة حمراء" على اسم اللواء جميل الحسن، وطالبت الدول الأعضاء باعتقاله في حال وطئ أراضيها.
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر دبلوماسية أوروبية في بيروت، قولها إن الحسن مطلوب بتهمة ارتكابه جرائم بحق الإنسانية في سوريا، وأضافت أن مكتب الـ "إنتربول" في بيروت تلقى رسالة بهذا الخصوص، تطلب منه إبلاغ السلطات المعنية في لبنان بالعمل على توقيفه في حال ثبت وجوده داخل الأراضي اللبنانية.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أصدر النائب العام الألماني بيتر فرانك مذكرة توقيف دولية بحق الحسن، ونقلت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، عن مصادرها في القوات الأمنية، أن المحققين الألمان يتهمون جميل حسن بـ "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومن بينها عمليات تعذيب واغتصاب وقتل قامت بها عناصر إدارة المخابرات بحق مئات المعتقلين السوريين خلال الفترة الممتدة بين ربيع عام 2011 وصيف عام 2013" .
وأكدت المجلة أيضاً أن مبادرة السلطات الألمانية هذه هي "أول محاولة لمحاسبة مسؤول رفيع المستوى في الحكومة السورية عن الجرائم بحق المدنيين"، لافتةً إلى أن "الحسن كان على علم بالجرائم التي مارسها موظفوه" .