صراع أُمٍّ من أجل طفلها.. إسرائيل تمنع طفلاً من مغادرة غزة وتجبره على الإقامة بعيداً عن أسرته

قارب الطفل آدم هيمو أن يُتم 6 سنوات، ولا تزال إسرائيل تمنعه من مغادرة قطاع غزة مع أمه وإخوته، وترفض على مدار عامين ونصف العام، عودته معهم إلى الضفة الغربية.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/05 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/05 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش

قارب الطفل آدم حمو أن يُتم 6 سنوات، ولا تزال إسرائيل تمنعه من مغادرة قطاع غزة مع أمه وإخوته، وترفض على مدار عامين ونصف العام، عودته معهم إلى الضفة الغربية.

ترغب الجدة، والجد، والخالات، والأخوال، في الاحتفال بعيد ميلاده داخل منزلهم في قرية كفر مالك شرقي رام الله. ويريدون كذلك أن يلتحق بعامه الدراسي الأول في مدرسة القرية، بحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية. 

كما تأمل هذه العائلة أيضاً، أن يعود حفيدهم مع والدته كوثر إلى أحضان عائلتهما والهدوء الريفي، وأن تعود كوثر لنفسها وتهرب من الاكتئاب الذي تعانيه رغم الأدوية التي تتناولها.

بداية القصة

في بداية عام 2017، قررت كوثر حمو، التي تعيش منفصلةً عن زوجها (إثر زواجهما عام 2000 وانتقالهما إلى مدينته رفح بعد عدة سنوات)، أن تعود للعيش مع عائلتها في قريتها كثيرة التلال بالضفة الغربية. 

وبالفعل، سمحت إسرائيل لها ولأبنائها الأربعة الأكبر سنّاً بمغادرة غزة، ولكن تحت شرطٍ واحد: أن يتركوا آدم، الذي كان عمره حينها ثلاثة أعوام ونصف العام، في قطاع غزة.

كان التفسير البيروقراطي الإسرائيلي بسيطاً، إذ ينُصُّ السجلُّ السكاني الفلسطيني على أنَّ كفر مالك في الضفة الغربية هو عنوان الأم والأطفال الأربعة الكبار، ولكن عنوان آدم هو مدينة رفح بقطاع غزة. 

وسواء أكان عمره ثلاثة أعوام ونصف العام أم لم يكن كذلك، فلا بد من أن يبقى في العنوان الموجود على الحاسوب، بحسب تصريحات مسؤولٍ من مكتب تنسيق أعمال الحكومة التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة بمعبر إيريز. 

الطفل آدم حمو
الطفل آدم حمو

وبالطبع، رفضت كوثر التخلِّي عن آدم. وتقرَّر أن يعود ابنها الأكبر، الذي وُلد في رام الله، إلى الضفة الغربية ليعيش ببيت أجداده، فقد أتمَّ في هذا الأسبوع، امتحانات شهادة الثانوية العامة بقرية أجداده، كفر مالك.

بقيت كوثر وبقية أطفالها بشقتهم الخالية في رفح، والتي كانت قد تخلَّصت من محتوياتها بالفعل. واستأنفوا جهودهم المُضنية المزعجة مع البيروقراطية، محاولِين الحصول على تصريح خروجٍ لآدم. 

قالت أمه عبر الهاتف من رفح، إنَّه قد مرَّ عامان ونصف العام "وكُلُّ ما يعرفه آدم هو أنَّنا لا نستطيع مُغادرة غزة بسببه، وهذا ما يقوله له إخوته أيضاً. ويسأل باستمرار: هل صدرت الأوراق التي ستسمح لي بالخروج؟ هل صدرت الأوراق التي ستُمكِّنُني من الانضمام إلى جدتي وجدي؟".

محاولة كوثر التي باءت بالفشل

وبعد يومٍ واحد من عودتهم الإجبارية إلى رفح في الثاني من مارس/آذار عام 2017، قدَّمت كوثر -بمساعدة أحد أقاربها- طلباً لتغيير عنوان آدم، حتى يتطابق مع عنوان أمه وإخوته. وتم تقديم الطلب إلى وزارة الخارجية الفلسطينية في رام الله، كما هو مطلوب. 

في الوقت ذاته، تواصلت مؤسسة "ﭽيشاه–مسلك" الحقوقية مع مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المنطقة بالنيابة عن كوثر، وطلبت السماح لآدم بمغادرة قطاع غزة مع أسرته. 

وردَّ المستشار القانوني في المكتب على مطلب كوثر، قائلاً إنَّ "السماح لابنها المقيم في قطاع غزة بالعودة إلى الضفة الغربية لا يتوافق مع السياسة المُتَّبعة بشأن تَنقُّل الناس بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإنَّ الطلب مرفوض".

ذُهل محامو كوثر ومؤسسة "ﭽيشاه–مسلك"، متسائلين: لماذا كانت الأم قادرةً على تغيير محل سكن أبنائها في سجلِّ السكان من خلال الاتصال بوزارة الداخلية الفلسطينية، قبل 5 سنوات في عام 2012، وما عادت تستطيع فعل ذلك الآن؟ فهذه اللائحة التي يُحتَكُم إليها واحدةٌ من عشرات اللوائح التي اخترعها الخبراء القانونيون العسكريون، والبيروقراطيون من "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق" بوزارة الدفاع، والتي تراقب حياة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية.

من يسمح لهم بالانتقال من قطاع غزة إلى الضفة؟

ويُعَدُّ "قانون الاستيطان" واحداً من أصعب تلك اللوائح، إذ إنَّ الأشخاص الذين لهم أقارب مباشرون في الضفة الغربية هُم الوحيدون القادرون على تقديم الطلبات بموجبه، وتُنظَر تلك الطلبات في ثلاث حالاتٍ إنسانية فقط: مريض بمرض مزمن منذ وقت طويل، أو شخص تعدَّى عمره 65 عاماً ويحتاج من يرعاه من أقارب الدرجة الأولى الذين يعيشون في الضفة الغربية فقط، أو قاصر دون عمر 16 عاماً تُوفِّي أحد والديه من سكان غزة، في حين أنَّ الوالد الآخر عنوانه بالضفة الغربية.

ولا تنطبق على آدم حمو أي من المعايير السابقة، إلا أنه قريب من المعيار الثالث، حيث يُعتبر آدم قاصراً، لكنه ليس يتيماً لحسن الحظ. لكن والده غادر قطاع غزة أوائل عام 2017 ولم يَعُد. وليس الوالد على صلةٍ وثيقة بأسرته، ولكنَّه ما يزال على قيد الحياة. 

لذا لا ينطبق المعيار الثالث أيضاً على آدم في الظاهر، لكن اللوائح تقول إنَّ المنسق (وهو المنصب الذي يشغله الآن العميد كميل أبو ركن) "لديه السلطة التقديرية للنظر في طلب كوثر… حتى وإن كان لا يتطابق مع المعايير المُحدَّدة". 

ولكن اللوائح تُفيد أيضاً بأنَّ "الزواج والأُبوَّة المشتركة لا يمثلان ظرفاً إنسانياً خاصاً يُسوغ لسكان قطاع غزة الإقامة بالضفة الغربية".

القرار لدى المحكمة العليا الإسرائيلية 

وتُفسِّر هذه المعايير الصارمة أسباب قبول خمسة طلبات فقط للإقامة بالضفة الغربية، منذ تطبيق اللائحة في عام 2009 -وكانت الطلبات الخمسة المقبولة قدَّمها أطفال قُصَّر، وقُبِلَت فقط عند وصول الأمر إلى المحكمة العليا.

وفي شهر مايو/أيار عام 2017، قدَّمت كوثر حمو وابنها آدم ومؤسسة "ﭽيشاه–مسلك" التماساً إلى المحكمة العليا. وجادلوا بأنَّ الاستعانة بقانون الإقامة لم تَكُن عادلةً، لأنَّه لا يتناسب مع هذه الحالة تحديداً، وأنَّه يجب السماح لآدم بالانتقال مع أمه إلى الضفة الغربية.

ووافق نعوم سولبيرغ، قاضي المحكمة، على موقف المُدَّعي العام المتمثل في رفض الالتماس، لأنَّ "مقدمي الالتماس لم يستنفدوا الخيارات الإدارية المتاحة أمامهم، ولم يُقدِّموا طلباً مناسباً بموجب القانون…"، بحسب ما أورده في حكمه الصادر خلال شهر سبتمبر/أيلول عام 2017. 

وكتب سولبيرغ أيضاً أن المحكمة ستظل مفتوحةً أمام مُقدِّمي الالتماسات، "في حال لم تَسِرْ إجراءات قانون الإقامة على ما يرام".

الركض وراء السراب

بعدها، توجَّه شقيق كوثر مباشرةً إلى مكتب الشؤون المدنية، بوصفه الهيئة الفلسطينية المنوط بها التوسط بين السكان الفلسطينيين والسلطات الإسرائيلية بموجب اتفاقيات أوسلو. 

أراد شقيقها تقديم الطلب نيابةً عن ابن أخته البالغ من العمر أربع سنوات، حتى يعيش الصغير في الضفة الغربية. ولكن المسؤولين الفلسطينيين أخبروه بأنَّ ذلك غير ممكن، بسبب وجود إجراءٍ قانوني قيد التنفيذ في هذا الشأن حالياً. 

فهِم شقيق كوثر أنَّ ذلك هو الرد الذي تلقُّوه من الإسرائيليين بـ "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق".

ظل شقيق كوثر يتلقى الرفض ذاته، للأسباب ذاتها، على مدار عامٍ كامل. هل كان هذا أمراً مباشراً من الضباط الإسرائيليين للمسؤولين الفلسطينيين؟ ليس هناك توثيقٌ كتابيٌّ لهذا، ويُنكر مُدَّعي منطقة القدس أنَّ هذه هي الحالة. هل تصرَّف المسؤولون الفلسطينيون بشكل غير سليم؟ نحن لا نعلم ذلك. 

الأمر المؤكد فقط هو أنَّ كوثر وأولادها استمروا في العيش فريسةً لغياهب الشك، وأنَّ إحساس الأم بقلَّة الحيلة يزداد مع اكتئابها، وأنَّها تتوق إلى رؤية ابنها الأكبر ووالديها المُسنَّين.

وزاد الأمر من حِدَّة المصاعب الاقتصادية والنفسية على العائلة، التي يعيش أفرادها بعيداً بعضهم عن بعض، إذ تفصلهم مسافةٌ تتراوح بين 80 و90 كيلومتراً ولا يستطيعون اجتيازها. 

تقول "كفاية" شقيقة كوثر: "تتصل بنا كوثر ليلاً، وتبكي وتقول إنَّها مُستعدةٌ للموت، ولكنَّها تخشى أن يضيع أطفالها. وتتوسَّل إلينا أن نفعل كل ما بوسعنا لإخراجهم. ونحاول تهدئتها عبر الهاتف، وألا نُشعِرَها بمدى قلقنا عليها".

معركة تخوضها العائلة في المحكمة

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قدَّمت مؤسسة "ﭽيشاه–مسلك" التماساً جديداً إلى المحكمة العليا، تطلُب فيه من الدولة توضيح سبب عدم السماح لآدم، الذي يبلغ من العمر الآن خمس سنوات وثلاثة أشهر، بالسفر مع والدته إلى الضفة الغربية. 

لكن السلطة القضائية المختصة بشؤون الفلسطينيين تغيَّرت آنذاك، فتقدَّمت منى حداد، من مؤسسة "ﭽيشاه–مسلك"، بطلبٍ ثالث في يناير/كانون الثاني 2019، إلى المحكمة المحلية للشؤون الإدارية. 

وأفادت في طلبها بأنَّ الطفل ليس مستقلاً، وليست لديه بطاقة هوية خاصة به، وهو أمرٌ جليٌّ للعيان. وأكَّدت أن من الضروري أن يكون مع والدته، وأنَّه من المنطقي أن يعود معها إلى الضفة الغربية، وأن يكون عنوانه في الضفة الغربية هو عنوانها بالضبط "دون أي شروط، ودون الحاجة إلى تلبية أي معيار يُمليه الآخرون، وليس هذا عن طريق تقديم طلب بموجب قانون الإقامة بالطبع، فهذا إجراءٌ أثبت عدم جدواه".

ولكن، في أبريل/نيسان 2019، ردَّت المحامية تال نسيم-تال، من مكتب المُدَّعي في القدس، بأنَّه لم يتم إرسال أي طلبات تتعلق بالطفل من الجانب الفلسطيني إلى الجانب الإسرائيلي، وأنَّ "قانون (مكان الإقامة) هو السياق المناسب للنظر في طلب المُلتَمِس… إذ شير القانون بوضوح إلى القاصرين، ويضع استثناءً مُحدَّداً بالنسبة لهم". لذا، كتبت أنَّه ينبغي رفض الالتماس.

وكان من المقرر عقد جلسة استماع خاصة بالالتماس أمام القاضي ديفيد غيدوني، يوم 30 يونيو/حزيران 2019. وقبل أسابيع من الموعد، تلقَّت "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق" طلبَ خالِ آدم بالسماح للصغير بأن يغادر غزة إلى الضفة الغربية، بموجب قانون الإقامة، في يوم 28 مايو/أيار 2019. 

وهكذا، كتبت نسيم-تال هذا الأسبوع، قائلة إنَّه ما عادت هناك حاجةٌ للالتماس. وكان القاضي غيدوني يميل إلى قبول موقف الدولة وإلغاء الالتماس. ولكن المحامية منى حداد اعترضت، مُوضحةً أنَّ إجابة الدولة لم تذكر المدة التي سيستغرقها التعامل مع الطلب، وأنَّهم يخشون مزيداً من التأخير.

وفي يوم الخميس، 27 يونيو/حزيران 2019، أجابت نسيم-تال بأمرٍ من القاضي غيدوني، قائلةً إنَّ القرار سيصدر في غضون أسبوعين. فألغى القاضي غيدوني جلسة الاستماع، ولكنه لم يقبل طلب الدولة إلغاء الالتماس، وأمرها بالرد قبل يوم 14 يوليو/تموز 2019، وتحديد مدى إمكانية مغادرة آدم قطاع غزة مع والدته وإخوته.

تحميل المزيد