كشفت القناة الإسرائيلية 12 تفاصيل جديدة حول رجل الموساد الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أعدمته سوريا عام 1965، بعدما تمكن من اختراق أجهزة الحكم وكاد يتبوأ أرفع المناصب.
وقالت القناة إن جهاز الموساد قد يكون حاول تهريب رفات الجاسوس الإسرائيلي كوهين إلى خارج سوريا قبل نحو 40 عاماً، بحسب تسجيل قام به شقيق كوهين، موريس.
رواية عن إحراق الجثة
وفي التسجيل الذي صوَّره موريس كوهين، بحسب تقريرٍ نشره موقع "تايمز أوف إسرائيل"، اليوم الجمعة 5 يوليو/تموز 2019، تحدَّث عن حالة عدم اليقين المحيطة بمكان دفن شقيقه ومحاولة فاشلة -كما يبدو- لاستعادة رفاته.
ويعود تاريخ تسجيل موريس، الذي احتوى على محادثة، إلى ما قبل وفاته في عام 2006، وكان موريس هو الآخر عميلاً للموساد.
وقال موريس: "هناك رواية تفيد بأن الرئيس السابق حافظ الأسد وضع (الجثة) في مخيم محاط بكتيبة من الدبابات، لحمايتها. بعد ذلك حفر الأسد الراحل حفرة ضخمة، وضع في داخلها قنبلة غازية ثم قام بتغطيتها بأسمنت".
وأضاف: "آخرون يقولون إن متهورين حرقوا الجثة، ولكن أشكُّ في صحة هذه الرواية، لأنها (الجثة) كانت ورقة مساومة سياسية مهمة".
وبحسب كوهين، فإن سبب السرية في سوريا بهذا الشأن، هو أن الموساد كان قد حاول في السابق تهريب الجثة إلى خارج البلاد.
وأضاف: "أنا شبه متأكد من أن السوريين يحافظون على سرية كبيرة في هذه المسألة، لدرجة أن قلة من الناس فقط تعرف مكانه، لأنه كانت هناك محاولة لاختطاف الرفات. لقد تم أخذ الجثة إلى الحدود اللبنانية-السورية".
ولم يقدم كوهين تفاصيل إضافية في التسجيل عن المحاولة، أو سبب فشلها بالنهاية، وذكرت القناة 12 أن المحاولة جرت قبل نحو 40 عاماً.
نفي روسي
وعلَّقت صوفي، ابنة إيلي كوهين، على ما ذكرته القناة 12، وقالت إنها "لم تسمع عن هذا التقرير من قبل، ودعت الحكومة إلى نشر جميع المعلومات التي بحوزتها".
وجاء التقرير حول موقع رفات كوهين بعد أسابيع من التكهنات بأن روسيا عثرت على رفاته، وهو تقرير نفاه مكتب رئيس الوزراء ونفته موسكو بقوة.
والتزم مسؤولون إسرائيليون الصمت بعد ظهور التقارير. وكانت إسرائيل قد توجهت في السابق إلى روسيا؛ طلباً للمساعدة في العثور على رفات كوهين.
وكانت روسيا قد ساعدت إسرائيل في استعادة ساعة يد كوهين في يوليو/تموز عام 2018، وقال حينها جهاز الموساد إنه تمكن في عملية خاصة، من استعادة ساعة اليد التي تخص الجاسوس، الذي عمل سنوات في سوريا تحت اسم كامل أمين ثابت.
كذلك ساعدت روسيا إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي في استعادة رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل، الذي فُقدت آثاره بحرب لبنان الأولى في عام 1982، وأعادته إلى تل أبيب.
من هو كوهين؟
وُلد كوهين في مدينة الإسكندرية بمصر عام 1924، وأُطلق عليه اسم إلياهو بن شاؤول كوهين، وكانت أسرته مُهاجرة إلى مصر من حلب السورية.
التحق في طفولته بمدارس دينية يهودية، وفي مرحلة الجامعة اختار أن يدرس الهندسة بجامعة القاهرة، إلى هذا الحد كانت تسير حياته بشكل طبيعي كيهودي سوري يعيش هو وأسرته في مصر، ولكن بحلول عامه العشرين بدأ الأمر يختلف بعض الشيء.
وبدأت حياته تأخذ منحنيات أخرى بعدما انضم إلى الحركة الصهيونية، والتحق بعدها بشبكة تجسس إسرائيلية في مصر بزعامة أبراهام دار المعروف بجون دارلينغ، وهو يهودي بريطاني عمل مع "الموساد" وخطط من أجل تجنيد الشبان من اليهود المصريين، استعداداً للقيام بما قد يطلب منهم من مهام خاصة.
وفي مصر أجاد كوهين ثلاث لغات وكان يتحدثها بطلاقة وهي العربية والعبرية والفرنسية، ثم هاجر من مصر نهائياً في 1957 بعد حرب السويس، وكانت إسرائيل أول محطة له بعد مصر، حيث عمل بالبداية في ترجمة الصحافة العربية إلى العبرية.
ولم يمكث طويلاً في العمل بالترجمة، حيث التحق للعمل بالموساد الإسرائيلي، وكانت بداية تحديد مهمته التي سيؤديها لـ "الموساد" ويموت أثناء أدائها.
بدأت مهمته بسفره إلى الأرجنتين في العام 1961، وتم تصديره كرجل أعمال سوري اسمه كامل أمين ثابت، له عديد من الأعمال والاستثمارات الناجحة، وهو متحمس بشكل خاص للعمل في وطنه الأصلي سوريا.
وفي بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين، توثقت صداقة كوهين بالملحق العسكري أمين الحافظ، الذي أصبح رئيساً لسوريا فيما بعد، وفي العام 1962 انتقل كوهين إلى دمشق، حيث وصلت علاقاته لأعلى المستويات، خاصة بين كبار ضباط الجيش ورجال السياسة والتجارة.
اختار كامل أن يكون محل سكنه في حي أبو رمانة المجاور لمقر قيادة الجيش السوري، ومنذ هذا الوقت بدأ في إمداد إسرائيل بمعلومات بالغة السرية حول سوريا، وأرسل إلى إسرائيل معلومات قيّمة حول مراكز ومؤسسات الجيش السوري، ومناطق انتشار الجيش وانتشار الدبابات وتركيز السيطرة والتحكم العسكري.
وكانت تلك المعلومات بالغة الأهمية إلى الحد الذي جعل رئيس وزراء إسرائيل في حينها، ليفي أشكول، يصرح بأنه "لولا المعلومات التي وفرها كوهين لكان الجيش الإسرائيلي عانى كثيراً مع سوريا في الجولان".
وكان كوهين مقرباً من دوائر صناعة القرار بحزب البعث الحاكم والمراكز بالغة الأهمية في سوريا، إلى الحد الذي قيل معه إنه عُرض عليه تولي منصب نائب وزير الدفاع السوري، وكان من الطبيعي حينها أن يُرى كوهين حاضراً في الصور الفوتوغرافية التي توثق عروض مناورات الجيش السوري، وفي كثير من المناسبات كان يُرى دوماً حول الرئيس أمين الحافظ.
وهو ما أدى إلى اكتشافه، حيث يقول الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل إن المخابرات المصرية هي من كشفت الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، عن طريق صورة رآها ضابط بالمخابرات المصرية تجمع بين كوهين والرئيس السوري في أحد العروض العسكرية.
وتعرّف الضابط المصري من خلال الصورة على كوهين الذي كان يعرفه قبلها جيداً، وتم إخطار المخابرات السورية بذلك، حيث خضع كوهين عقب ذلك لمراقبة المخابرات السورية، التي اعتقلته وصدر حكم بإعدامه شنقاً في ساحة المرجة بدمشق في 18 مايو/أيار عام 1965.
وتهوّن الروايات الرسمية السورية من قيمة الجاسوس إيلي كوهين وتنفي معرفة أمين الحافظ به سواء في الأرجنتين أو سوريا، وتقول إن ما أرسله إلى إسرائيل كان في معظمه معلومات عامة، وإنه فشل في اختراق القيادات العسكرية والسياسية حسبما يُشاع، واقتصرت علاقاته على الضابط معز زهر الدين، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات، إضافة إلى مدني يُدعى جورج سالم سيف.
لكن إسرائيل تعتبر إيلي كوهين إحدى معجزاتها، وأصدرت طابعاً بريدياً تذكارياً يحمل اسمه وصورته، ويُعتقد أنها تقف خلف إنتاج الفيلم الأمريكي الشهير "جاسوس المستحيل" عام 1987 والذي تم تصويره في إسرائيل، كما أنشأت موقعاً إلكترونياً رسمياً خاصاً به باللغة العبرية.