قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، إن ملابسات وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي مازالت طيّ الغموض، وقد استقبل مؤيدوه والموالون له من جماعة الإخوان المسلمين إعلان المستشفى أنَّ الرئيس الأسبق البالغ من العمر 67 عاماً أُصيب بنوبة قلبية، بالشك والريبة.
صعود ووفاة مرسي يمثلان قصة الثورة المصرية
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن أعداداً كبيرة من رجال الشرطة انتشرت في شوارع العاصمة المصرية القاهرة، خوفاً من اندلاع احتجاجات واسعة النطاق، ليست فقط لمؤيدي جماعة الإخوان المسلمين، بل أيضاً لمعارضي الرئيس عبدالفتاح السيسي، وفقاً لما ذكرته وسائل الإعلام المصرية الإثنين.
وقالت الصحيفة إن صعود محمد مرسي ووفاته تروي قصة ثورة الربيع العربي في مصر، فلم يكن مرسي هو الخيار الأول لجماعة الإخوان المسلمين للسباق الرئاسي. وقد عاد مرسي، وهو مهندس حاصل على دكتوراه في علم المواد من جامعة جنوب كاليفورنيا، وأستاذ جامعي، وقد عمل مع وكالة ناسا في أوائل الثمانينات، إلى مصر عام 1985، وصار أستاذاً ورئيس قسم الهندسة في جامعة الزقازيق. واعتُقل قبل الثورة مباشرة في جزء من الهجوم المكثف الذي شنّه نظام مبارك ضد الإخوان المسلمين.
لم يكن مرسي قائداً بارزاً في جماعة الإخوان المسلمين، كذلك لم يحمل أي لقب ديني، لكنه كان يحظى بالقبول لدى قيادة الإخوان المسلمين، باعتباره مرشحاً وسطاً لن يثير غضب الجيش الذي بسط قبضته على البلاد بعد سقوط حسني مبارك. كذلك اعتقد قادة جماعة الإخوان أنَّ مرسي سيكون قادراً على حشد دعم حركات الاحتجاج العلمانية، بسبب علاقاته الواسعة معهم.
وحاز مرسي 53% من الأصوات في الانتخابات، ويرمز انتخاب مرسي إلى انتصار الديمقراطية في البلاد، وهو بمثابة إنجاز مهم للثورة.
استطاع مرسي حشد أصوات العلمانيين في انتخابات الرئاسة
قال وائل غنيم، وهو أحد كبار نشطاء الحركات الليبرالية الذي أنشأ صفحته على فيسبوك في ذكرى وفاة خالد سعيد، الشاب المصري الذي قتلته الشرطة في الإسكندرية قبل خمسة أشهر من اندلاع الثورة، آنذاك، إنَّه سيمنح صوته لمرسي، لأنَّه يجب أولاً ضمان الديمقراطية، وبعد ذلك يأتي القلق بشأن طبيعتها.
لكن سرعان ما أدركت حركات الاحتجاج والشعب أنَّ مرسي لم يكن مهتماً بإرساء المبادئ التي حدَّدتها الثورة، ففي سلسلة من القرارات الرئاسية حصَّن مرسي قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، وأسَّس لجنة لصياغة دستور تتكون في أغلبها من شخصيات أيَّدت جماعة الإخوان المسلمين في الوقت نفسه، حرص مرسي على الحفاظ على علاقة وثيقة مع إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، وحظي بدعم تركيا.
خلال عامه الوحيد في الحكم حقَّق مرسي عدداً من الإنجازات من الناحية الاقتصادية، إذ حصل على منح وقروض سخية من قطر، ووقَّع اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي، وأمر بزيادة الميزانية الموجَّهة للبنية التحتية. أما عن السياحة، التي كانت في حالة حرجة في أعقاب الثورة، فقد بدأت في العودة إلى نشاطها.
واستطاع الحصول على دعم زعماء الغرب باعتباره زعيماً حقيقياً
وقَبِل زعماءُ الدول الغربية مرسي باعتباره زعيماً حقيقياً لـ "الجمهورية المصرية الثانية"، التي كانت تُمثل عصرَ الديمقراطية في مصر، لكن لم يُهدِّئ أي من هذا الحركات الاحتجاجية، التي جدَّدت مظاهراتها الجماهيرية مناشدةً مرسي بالتنحي.
وفي ذكرى توليه الرئاسة، ونتيجة الاحتجاجات الحاشدة التي هزَّت القاهرة، سيطر الجيش على القصر الرئاسي، ومنح مرسي 48 ساعة لنقض كل قراراته وأوامره، وهدَّده بأنَّه في حال لم ينفذ ذلك سيطيحه من منصبه.
رفض مرسي الإنذار الأخير له، واتّهم الجيش بالتمرد ضد الرئيس المنتخب، لكن في نهاية الأمر أُلقي القبض عليه، وحلَّ محله السيسي الذي كان وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، وتولى مهام الرئيس نيابة عنه من خلال الانقلاب العسكري.
ووجهت الاتهامات إلى مرسي بارتكاب عشرات الجرائم، ولاقت إطاحة مرسي على يد السيسي قبولاً من بعض الدول العربية، ومن بعض التيارات السياسية في مصر، باعتبارها عملاً ضرورياً لإنقاذ الديمقراطية المصرية، وكان ذلك في البداية فقط، لكن لم يلبث المصريون أن أدركوا أنَّ الرئيس الجديد، حتى وإن خلع زيه العسكري وارتدى ملابس مدنية، لم يكن منقذاً للديمقراطية هو الآخر.
شرع السيسي في حرب شاملة ضد الإخوان المسلمين، تضمَّنت إيقاف نشاطاتهم، وأعلن الجماعة تنظيماً إرهابياً يتحتّم اقتلاعه من جذوره. وفي الوقت نفسه، بدأ السيسي نظاماً ينتهج القمع الوحشي، حتى أسوأ من ممارسات عهد مبارك. فُضَّت الاحتجاجات، واعتُقل نشطاؤها، وتعرضت وسائل الإعلام والصحفيون للاضطهاد، وضُرب بالحقوق الإنسانية والحقوق المدنية عرض الحائط، فصارت مصر بؤرة للنقد الدولي.
وختمت الصحيفة ، بالقول :" وعلى ما يبدو كان مرسي يرمز إلى انتصار الثورة وانهيارها، أما حكم السيسي فإنه يعتزم سحق روحها".