"حالة من الذعر" انتشرت بين أهالي مدينة العريش المصرية جرَّاء موجة من عمليات الخطف العشوائي من على طُرق سيناء ينفذها تنظيم داعش، مما يشكل تطوراً نوعياً خطيراً للتنظيمات الإرهابية المسلحة في محافظة شمال سيناء.
فقد تم اختطاف 6 رجال بشكل عشوائي يوم الأربعاء الماضي 12 يونيو/حزيران 2019 في حدود التاسعة مساء، خلال كمين نصبه تنظيم ولاية سيناء التابع لداعش في المنطقة الواقعة بين قرية مزار والنقطة الأمنية التي تقع في مدخل مدينة العريش الرئيسي.
مسلحو داعش أوقفوا السيارات وقاموا بتفتيشها وأخذوا 6 رجال بشكل عشوائي، هم: محمود سعيد لطفي، كمال عوض، وهب عروج، عزمي أحمد، عادل رفاعي، وأحمد الكاشف.
وبعد 24 ساعة تقريباً أطلقوا سراح 3 منهم وأبقوا على ثلاثة.
وفي اليوم نفسه وقت صلاة الظهر، داهمت حملة مسلحة من ولاية سيناء منطقة الملاحات المتاخمة لقرية مزار غرب العريش، وأوقفوا الناس في الطرقات، وبعد ساعتين تقريباً من السيطرة التامة على المنطقة أخذوا أربعة رجال من عمال الملاحات، وحتى الآن لم يعودوا!
والأحد 16 يونيو/حزيران انتشرت أقوال في المدينة (لم يتسنَّ التأكد منها) أنه تم اختطاف رجل من على شاطئ العريش في الثانية ظهراً.
الصمت لم يعد ملاذاً من عمليات الخطف العشوائي من على طُرق سيناء
"س.ع" -54 سنة- موظف من سكان العريش تحدث لـ "عربي بوست" عن الذعر الذي تعيشه المدينة التي تعد عاصمة محافظة سيناء منذ يوم الأربعاء الماضي، قائلاً: منذ بداية موجة الإرهاب هذه، والاقتتال بين الجيش ومسلحي داعش ونحن نحيا في رعب، بالنهار قصف وبالمساء حظر، الجيش والشرطة في أي لحظة يغلقون الطريق ويقطعون الشبكات، والطرق أصبحت غير آمِنة، ففجأة قد يبدأ تبادل إطلاق النار بين الطرفين، ولو تصادف مرورك فأنت ضحية لا ثمن لها.
التزامنا الصمت كان مبعث أماننا الوحيد، أي أننا نكون في حالنا، لا نقف مع المسلحين حتى لا يعتقلنا الجيش، ولا نرشد عن أحد منهم للجيش حتى لا يأتي الإرهابيون ويقوموا بتصفيتنا في منازلنا.
ولسنوات كان الصمت والاختباء في ظل هذا الوضع هو طوق نجاتنا الواهي الذي تعلقنا به، حسبما يقول هذا الموظف.
عشوائية الاختطاف تزيد مخاوف المواطنين
لكن اليوم حتى هذا الصمت لم يعُد يفيد، فها هم مسلحو ولاية سيناء يقيمون كمائن من جديد، ويخطفون مواطنين بشكل "عشوائي" يعيدون منهم من يريدون ولا يعيدون من لا يرغبون.
إذ إن العشوائية التي بدأ مقاتلو داعش في انتهاجها مؤخراً مرعبة، حسبما يرى "س.ع" .
فهو يقول: "إن معنى ذلك أن شخصاً مثلي (لا له في التور ولا في الطحين) قد أدفع حياتي أو أُخطف لمجرد أن منظري لم يعجب المسلح الداعشي في كمين مفاجئ قرروا نصبه في الطريق، كما حدث مرتين في الأسبوع الماضي".
وأردف قائلاً: أي ذعر هذا الذي نعيش فيه، فين الجيش من اللي بيحصل ده!
وهذه الحادثة رسخت الشعور بأن عمليات الخطف يمكنها استهداف أي شخص
يدعم شعور العشوائية في الخطف هذا ما حدث مع "وائل البيك" الذي كان عائداً مع والدته من الإسماعيلية التي كانت تتلقى العلاج الكيماوي في أحد مستشفياتها، ثم أوقفه مسلحو ولاية سيناء في كمين وقرروا اختياره لأخذه معهم.
لكن توسلات والدته لهم وإخبارهم أنها مريضة سرطان، وأنه ابنها الوحيد، دفعهم لتركه، وهو ما رسَّخ لدى الأهالي قناعة بأن التنظيم يتبع طريقة عشوائية تامة في اختيار مَن يلقي القبض عليه وهذا الأمر أخافهم أكثر.
الذعر لم يتملك فقط سكان العريش المقيمين بها، بل الوافدين إليها زيارة او إجازة من المدن الأخرى أيضاً.
(أ.أ) أُم لثلاثة أبناء من العريش، وتعمل هي وزوجها في القاهرة، تحدثت لـ "عربي بوست" قائلة: والدتي تطالبني دوماً بإرسال أبنائي لتمضية إجازة مع أبناء إخوتي في العريش، وهذا غالباً ما يحدث في الإجازة الصيفية، فوجئت بها تحدثني هاتفياً البارحة، وتؤكد أنها لن ترسل الأولاد خوفاً من أن يقودهم حظهم العاثر إلى أحد تلك الأكمنة.
يقول: "كانت والدتي خائفة جداً وهي تؤكد ذلك عليَّ، ومعها كل الحق، الوضع يبدو أنه تطور للأسوأ مؤخراً هناك، ونحن ناس مسالمين ومش بتوع مشاكل، فمش ناقصة".
لكن البعض يرى أنهم يستهدفون المحامين لهذا السبب
غير أنه وبالتوازي مع الذعر من فكرة الخطف العشوائي المنتشرة في العريش الآن بين الأهالي، ظهر تفسير موازٍ فحواه أن الخطف ليس عشوائياً تماماً.
بل إن المستهدفين بالأساس هما المحامين الذين أمرتهم "ولاية سيناء" بالتوقف عن العمل بغية تعطيل العمل بالمحاكم، ودعم انتشار تلك القصة أولاً تحذير ولاية سيناء السابق للمحامين، ثانياً أن اثنين من المختطفين الذين لم يعودوا كانا من المحامين المعروفين بالعريش، وهما محمود سعيد لطفي وكمال عوض.
سر تجاهل الشرطة والجيش لهذه الحوادث المرعبة
وعن دور الجيش والشرطة في إيقاف ذلك، تحدثت "عربي بوست" إلى مجند سابق أنهى فترة خدمته العسكرية في شمال سيناء قريباً.
الجيش أدرك اللعبة جيداً، وأصبح يعلم أن وجود كمين في الطريق من الدواعش غالباً هو في حقيقته فخ منصوب للجيش والشرطة، بحيث تتحرك القوات هناك، فيفتح عليها النار من جوانب الطريق، وتتم تصفية القوة بأكملها، حسبما ؤقال المجند لـ "عربي بوست".
يقول: "حدث ذلك أكثر من مرة، بل أزيدك من البيت شعراً أن بعض أكمنة الجيش والشرطة التي تهاجم، حين يتحرك رتل إمداد لنجدة أفراد الكمين، يتم اصطيادهم في الطريق، ولذلك مؤخراً أصبح الجيش يعتمد على الطيران حال حدوث هجوم على الكمائن التابعة له".
حاولت "عربي بوست" التواصل مع المطلق سراحهم؛ للوقوف على ملابسات إفراج ولاية سيناء عنهم، لكنهم رفضوا الحديث تماماً، مؤكدين أنهم لن يتحدثوا مع الصحافة، طالبين حتى عدم نشر أسمائهم.