في أغنيته الأخيرة له في حياته، قبل أن يموت متأثراً بإصابته خلال الاشتباكات مع قوات نظام بشار الأسد، غنَّى عبدالباسط الساروت، الملقب بـ "حارس الثورة السورية ومنشدها" لثورات الربيع العربي، وحظيت أغنيته على انتشار واسع.
وتوفي الناشط والمقاتل البارز المعارض للأسد أمس السبت، 8 يونيو/حزيران 2019، بعد نقله للمستشفى إثر إصابته خلال المعارك التي تخوضها قوات المعارضة ضد النظام وحلفائه في ريف حماة.
وربما لا يعرف الكثير من الجزائريين والسودانيين والمصريين الساروت، لكنه كما دعم احتجاجات السوريين ضد نظام الأسد، أعرب عن دعمه لاحتجاجات الجزائر التي أطاحت بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وفي السودان التي أنهت حكم عمر البشير.
وأشاد الساروت في أغنيته الأخيرة بعنوان "سوريا ظلي وافقة" بثورة الجزائريين على النظام، وقال: "جتنا (جاءتنا) الجزائر ثائرة.. بيها (فيها) الحرائر سايرة (ماشية)".
أما عن السودان ومصر فغنّى قائلاً: "خرطوم صاحت (صرخت) حاضرة.. ونقوم إيد بإيد.. وبعون ربك يا مصر.. تردين طاغوت العصر (السيسي)، من غيرك حزام الظهر ودها المغول تبيد".
ويضيف في نفس الأغنية: "ندري طواغيت العرب ناموسهم شهوة وطرب، نسيوا إذا الشعب انغلب ما عاد سيف يفيد".
وكان خبر وفاة الساروت صادماً للمعارضة التي رأت في الشاب البالغ من العمر 27 عاماً أنه من "آخر ما تبقى من رموز الثورة"، لكونه شخصاً يتمتع بشعبية كبيرة بين أنصار المعارضين للأسد، فضلاً عن خوضه كفاحاً طويلاً ضد النظام منذ اندلاع الاحتجاجات في عام 2011.
وتحوَّلت حسابات المعارضين للأسد على مواقع التواصل إلى ما يشبه صفحة واحدة، مليئة بأناشيد الساروت، وصوره، وتصريحاته.
ونشر سوريون على مواقع التواصل، اليوم الأحد 9 يونيو/حزيران 2019، مقطع فيديو أظهر والدة الساروت وهي ترثيه قبل دفنه.
وشيع الساروت في مدينة الريحانية جنوبي تركيا حيث كان يتلقى فيها العلاج، وتم بعدها نقل جثمانه إلى سوريا ليتم دفنه هناك بحسب وصيته.
ونعى سوريون من شخصيات سياسية وعسكرية وفنية وفاة الساروت، وكتب الممثل السوري مكسيم خليل على حسابه في "فيسبوك: "روح يا ساروت.. روح مبسوط.. روح مرتاح، روح بطل.. طريق روحك مفروشة بدموع وبحب السوريين يلي عشقو سوريا العظيمة… وحتى بدموع يلي خافو من كلمة حرية… صدقني كانو يسمعو أغانيك وقلبهم يهتف بخوف من جوا معك.. كلمة الحق".
وشُبّه خليل الساروت بأنه كبقية الأبطال الذين خلّدهم التاريخ مثل عمر المختار، ووليام والاس.
وتداول سوريون على مواقع التواصل مقطع فيديو قالوا إنه من آخر فيديوهات الساروت قبل إصابته، ومن ثم وفاته، وكان الساروت يتحدث فيه عن مدينة اللطامنة، الواقعة بريف حماة، وحبه لها، وهي المدينة التي خاض آخر معاركه فيها.
وكان آخر تسجيل مصور ظهر فيه الساروت مساء الخميس الفائت، قبيل إصابته بساعات، أكد خلاله سيطرة قوات المعارضة على بلدة تل ملح، متحدثاً عن عزم المعارضة على طرد النظام من كل المدن السورية.
والساروت ابن حي البياضة في محافظة حمص وسط سوريا، والذي وُلد فيه في الأول من يناير/كانون ثاني عام 1992، ويقول معارضون سوريون إن الساروت كثيراً ما ألهم المعارضين الأسد عندما كان يشارك في المظاهرات على أكتاف المتظاهرين، فلم يقتصر نشاطه على محافظة حمص، بل شارك في مظاهرات بإدلب وحلب.
وخشي نظام الأسد من صوته، واعتبره أحد أخطر المعارضين له بسبب قدرته على تحريك الشارع، فضلاً عن أنه جذب اهتمام الصحافة الأجنبية للثورة السورية. وفي عام 2014 عرض التلفزيون الألماني ZDF أغنية "جنة جنة" التي غنّاها الساروت.
وتعود تسمية الساروت بـ "حارس الثورة" لكونه كان حارس مرمى ماهراً لمنتخب شباب سوريا لكرة القدم، ونادي "الكرامة" الحمصي.
وبينما كان اللاعب يبني مستقبله الكروي، قرر مع بداية الاحتجاجات المشاركة في أوائل المظاهرات التي خرجت ضد النظام في محافظة حمص، التي تعرضت فيما بعض لهجوم بسياسة "الأرض المحروقة" من قبل النظام وحلفائه، أفضت بالنهاية إلى إعادة النظام لسيطرته عليها بالكامل في عام 2017، بعد تدمير أجزاء واسعة منها، وقتل عدد كبير من سكانها، وتهجير آخرين.
وقال الساروت في لقاء مع صحيفة سورية في عام 2016، إنه لم يشارك في السياسة يوماً، كما كان أغلب الشعب مغيباً عن السياسة، "كنت في بداية الثورة لاعب كرة قدم لم يكن لديّ اهتمامات سياسية، وعندما شاهدت في بداية الحراك السلمي الظلم الذي كان يواجهه الشعب السوري من هذا النظام المجرم، انخرطت بالثورة".
وأشار الساروت حينها إلى أن النظام رصد مكافأة مالية لمن يقتله، أو يأتي به حياً، لكن ما ساعده على تجنب أحد السيناريوهين آنذاك "الحاضنة الشعبية من سكان حمص المدينة وريفها"، التي مكّنته من الهرب مراراً من قوات الأمن والجيش.
وأطلق سوريون على الساروت لقب "منشد الثورة"، و "بلبل الثورة"، بعدما تحوّلت هتافاته في الاحتجاجات إلى أناشيد تناقلها السوريون على نطاق واسع، ومن أشهرها إلى جانب أغنية "جنة جنة يا وطنا"، "يا يما ثوب جديد"، و "حرام عليه".
ودفع الساروت وأسرته ثمناً غالياً لقاء معارضتهم لنظام الأسد، حيث قتلت قوات الأخير 4 من أشقاء الساروت، وهم: وليد الذي قتل في الخالدية عام 2011، محمد الذي قتل أوائل عام 2013، وأحمد وعبدالله اللذين قتلا في 9 يناير/كانون الثاني 2014 في حادثة المطاحن، كما قتل النظام 4 من أخواله.