كيف سيواجه الأردن صفقة القرن التي يحاول حلفاؤه التقليديون فرضها عليه؟، هل يلجأ للسير على الطريقة الفلسطينية في التعامل مع الصفقة، أم يبتكر طريقته الخاصة التي تلائم ظروفه؟
فصفقة القرن تمثل معضلة كبيرة بالنسبة للأردن، فهو واقع بين المطرقة والسندان.
فمن جهة فإن حلفاءه التقليديين (السعودية والإمارات والولايات المتحدة) يريدون إتمام صفقة القرن على حسابه، وهم الجهات التي يعتمد عليها الأردن تقليديا في الحصول الدعم السياسي والاقتصادي.
ومن جهة أخرى، فإنه يواجه ضغوطاً شعبية واسعة لاتخاذ موقف حاسم برفض الصفقة بكل تفاصيلها.
ولمعرفة حجم المأزق الذي وقع فيه الأردن وكيف سيتعامل معه، يجب أن نعرف ما المطلوب من الأردن في الصفقة وحجم الضغوط التي تمارس عليه للمشاركة فيها؟
ماذا يريد صناع صفقة القرن من الأردن؟
ثلاثة أشياء يريدها عرابو الصفقة من الأردن، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست".
أولها تكريس وتأكيد مبدأ توطين فلسطينيي الأردن واللاجئين فيها داخل أراضي المملكة وضمان عدم مطالبتهم نهائياً بحق العودة خاصة أنّ قسماً كبيراً منهم يحمل الجنسية الأردنية، مع محاولة تشجيع مزيد من الفلسطينيين للهجرة إلى الأردن.
إنهاء أو زعزعة الوصاية الهاشمية على المقدسات في الأراضي الفلسطينية هو التحدي الثاني الذي يوجهه الأردن ضمن صفقة القرن.
إذ يعتقد أن الخطة تسعى إلى تعيين شخصيات فلسطينية بتوافق أردني-إسرائيلي، يقومون بدور الوصاية على المقدسات.
فيما تتمثل النقطة الثالثة في قبول وتسليم الأردن بحل حكم ذاتي فلسطيني ذي صلاحيات محدودة يخضع بشكل مباشر لإسرائيل أي تكريس للوضع الحالي الذي فرضته إسرائيل على الأرض والتي تشمل دولة فلسطينية على أرض ستكون أكثر من ضعف مساحة المنطقتين المعروفة بـ (أ) و(ب) في الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية اليوم.
وهو ما يعني أن الدولة الفلسطينية ستكون على مساحة ما بين 80 و90 % من مساحة الضفة الغربية فقط، التي تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي 5,860 كم²، والتي تشكل ما نسبته 21.9% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية.
ورغم أن الأردن والفلسطينيين في مركب واحد في مواجهة الصفقة، ولكن ظروف كل منهما مختلفة.
فعمان التي لديها علاقات تاريخية مع عرابي الصفقة سواء الولايات المتحدة أو دول الخليج أو إسرائيل، سيختلف رد فعلها في الأغلب عن رد الفعل الفلسطيني.
فعلى عكس السلطة الفلسطينية التي بدأت في إتخاذ مواقف معلنة في مواجهة الصفقة فإن الأردن يحاول التعامل مع صفقة القرن بطريقة مختلفة عن الطريقة الفلسطينية، فهل تنجح الطريقة الأردنية؟
الأردن لا يستطيع الاقتداء بهذه الخيارات التي يفكر بها الفلسطينيون
"حل السلطة الفلسطينية" قد يكون الخيار المطروح رداً على صفقة القرن، حسبما يقول كل من نجيب القدومي أمين سر حركة "فتح" في الأردن، ومأمون التميمي وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية مأمون التميمي.
وقال المسؤولان الفلسطينيان لـ"عربي بوست إن خيار حل السلطة الفلسطينية بات مطروحاً لدى قيادات منظمة التحرير وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس في مواجهة محاولات فرض تسويات مشوهة على الشعب الفلسطيني، وهو الآن في إطار المداولات والمباحثات وقيد الطرح في اجتماعات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير.
وذكر التميمي أنّه سيتم في الاجتماع القادم للمجلس المركزي لمنظمة التحرير بعد شهر رمضان، طرح موضوع الرد على كل من الجانب الإسرائيلي والأمريكي فيما يتعلق بتنفيذ صفقة القرن، وبحث موضوع حل السلطة الفلسطينية للرد على إسرائيل، مشيراً إلى أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس قام بإيقاف التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، ورفض مقابلة أي مسؤول أو ممثل من طرف الحكومة الإسرائيلية والأمريكية.
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية قد دعت رسمياً إلى مقاطعة مؤتمر "المنامة" الخاص بصفقة القرن.
كما رفض الفلسطينيون مليارات الدولارات مقابل تنفيذ الصفقة
"مشادة بسبب صفقة القرن" حدثت بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الفلسطيني محمود عباس، حسبما يقول عضو المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية مأمون التميمي لـ"عربي بوست".
فمنذ بداية الحديث عن صفقة القرن، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد مارس ضغوطاً كبيرة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقبول بصفقة القرن.
وقال التميمي لـ"عربي بوست"، إنّ السعودية ممثلةً بولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعت عدة مرات الضغط على السلطة الفلسطينية لكي ترضخ للمطالب الأمريكية والإسرائيلية والقبول بصفقة القرن.
وأشار إلى وقوع مشادة كلامية بين عباس وبن سلمان أثناء اللقاء الذي جمعهما في الرياض منذ أكثر من عام، وصرخ عباس في وجه بن سلمان قائلاً: "لن أختم حياتي بخيانة".
وحتى قبل بدء الصفقة مورست ضغوط غير مسبوقة على الأردن
بالنسبة للأردن ، وصل الأمر إلى الحديث عن محاولة "انقلاب" للضغط على الملك عبد الله الثاني للموافقة على صفقة القرن، حسبما يقول الكاتب والمحلل السياسي الأردني محمد أبو غوش، لـ"عربي بوست".
ويضيف أبو غوش إنّ هناك ضغوطاً متنوعة تمارس من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بالإضافة إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على الأردن تتضمن التهديد بزعزعة الأمن ونشر الفوضى وجعله منهار اقتصادياً، حسب قوله.
التغيير الأخير في أكبر المناصب الحساسة (الداخلية ودائرة المخابرات)، ليس أمراً عابراً، بل يدخل ضمن إطار خطة وقائية قام بها الملك الأردني لتأمين الجبهة الداخلية الأردنية ولضمان عدم حدوث اختراقات أمنية وسياسية داخل المنظومة السياسية.
وهذا ما يؤكده المحلل السياسي محمد أبو غوش، لــ"عربي بوست"، الذي يرى بأنّ إزاحة المدير السابق للمخابرات الأردنية تدخل ضمن إطار ضمان حدوث أي اختراق في الجبهة الأمنية الأردنية، خاصة في ظل استمرار التحركات الشعبية التي باتت تتسع دائرتها يوماً بعد يوم.
وقال إنّ القصر يخشى من حدوث أي اختراق في صفوف هذه التحركات لحرفها عن مسارها وزعزعة الأمن من خلالها.
ويرى أبو غوش، بأنّ الأردن بات يدرك حجم المؤامرات السياسية التي تحاك له، من قبل دول الجوار التي تسعى إلى إغراقه في فوضى سياسية واقتصادية.
وقال "الملك الأردني، يدرك جيداً بأنّه لا يوجد رضا أمريكي-إسرائيلي، عنه بسبب رفضه لصفقة القرن، وهذا يتطلب حذر الأردن بشكل كبير في المرحلة القادمة.
كيف سيواجه الأردن صفقة القرن بطريقته الخاصة؟
موقف السلطة الفلسطينية والأردن سيكون الرفض التام لـ"صفقة القرن"، حسبما يقول جواد العناني رئيس الديوان الملكي الأردني ووزير الخارجية الأسبق لـ"عربي بوست".
ويشير إلى أن هناك مسعى لتمرير صفقة القرن عبر البوابة والحلول الاقتصادية، والذي تمثل عبر المؤتمر الاقتصادي الدولي الذي ستنظمه الولايات المتحدة في البحرين من أجل تشجيع الاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة في 25 و26 يونيو/حزيران المقبل.
يؤكدّ العناني بأنّ هذا المؤتمر يهدف إلى استقطاب ودعوة رجال الأعمال وليس الطبقة السياسية، وهذا يشكل تمهيداً لجزء من فسيفساء صفقة القرن القادمة، مؤكداً على أنّ هذا المؤتمر لم يتم دعوة الأردن ولا السلطة الفلسطينية، فهو مؤتمر اقتصادي بالدرجة الأولى وليس سياسياً، لكنّه يهدف بطبيعة الحال إلى تحقيق الأمن لإسرائيل، والسعي إلى تقديم إغراءات اقتصادية للفلسطينيين لأجل القبول بصفقة القرن.
وقال العناني إنّ الأردن يرفض مبدأ تصفية القضية الفلسطينية والذي يقوم على توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان التي يعيشون فيها وعدم الاعتراف بحق العودة.
وأشار إلى أنّ إسرائيل تريد فقط الاعتراف بمن هاجروا عام 1948 والذين لا يتجاوز عددهم الـ50 ألف لاجئ، حيث لا تريد إسرائيل الاعتراف بحق عودة الأجيال المتعاقبة من الفلسطينيين الذين تكاثروا في المهجر والذين يقدّر عددهم بنصف العدد الإجمالي للفلسطينيين المقدّر بـ14 مليوناً، حسب قوله.
وتوقع أنّ واشنطن سوف تستخدم عدة خيارات وسيناريوهات إذا ما تمّ تمرير صفقة القرن وأصر الأردن على موقفه، منها قطع المساعدات الأمريكية والتي تقدر بـ 1.275 مليار دولار سنوياً.
إضافة إلى أنّ واشنطن تسعى إلى التلويح بعدة خيارات أخرى تتمثل في مطالبة دول الخليج في عدم تقديم أي مساعدات ومعونات اقتصادية للأردن وقطع أي حوافز متعلقة به، إضافة إلى إمكانية التلويح بخيار وقف التصدير للأردن، والسعي لوقف تصدير النفط العراقي باتجاه الأردن كون أنّ لأمريكا موطأ قدم بالعراق.
ولذا فإن الأردن يحرص على رفض صفقة السلام الأمريكية بحذر شديد وبأقل الخسائر، حسبما يقول العناني، على اعتبار أنّ المرحلة القادمة تتطلب التعامل بحكمة معها، مؤكداً بأنّ الأردن لن يسير في اتجاه تمرير صفقة القرن ولن يكون مشاركاً فيها.
فالأردن سيكون على الأرجح سيواصل رفض الصفقة ولكن سيكون حذراً في التعبير عن هذا الرفض على أمل أن تمر رياح الصفقة بأقل خسائر ممكنة.