مضيق هرمز ليس من بينها.. لإيران طرق كثيرة يمكن أن تستهدف بها الولايات المتحدة

قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في بيانٍ مساء الأحد 5 مايو/أيار 2019 يعلن فيه توجُّه سفن حربية أمريكية إلى الشرق الأوسط: "الولايات المتحدة لا تسعى إلى الحرب مع النظام الإيراني". لكنَّ "أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائنا سيُقابَل بقوة شديدة".

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/08 الساعة 15:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/08 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
الرئيس الإيراني حسن روحاني/ رويترز

قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، في بيانٍ، مساء الأحد 5 مايو/أيار 2019، يعلن فيه توجُّه سفن حربية أمريكية إلى الشرق الأوسط: "الولايات المتحدة لا تسعى إلى الحرب مع النظام الإيراني". لكنَّ "أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائنا سيُقابَل بقوة شديدة".

في العام الماضي، ومنذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، صعَّدت إدارته الضغط الاقتصادي على النظام الإيراني، ففرضت عدداً غير مسبوق من العقوبات لخنق صادراتها النفطية، ومعاقبتها لدعمها لوكلائها الإقليميين.

لَطالما حذَّرت أمريكا من إيران، لكنها هذه المرة أشارت إلى تهديد من نوع آخر

لكن بإعلان يوم الأحد، استشهد بولتون بتهديداتٍ إيرانية غير محددة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، في حين أشار إلى خطوة أكثر خطورة: تهديد بالعنف.

تصريحات بولتون تتلاءم مع النبرة القاسية التي تستخدمها الإدارة الأمريكية، التي طالبت مراراً بتغيير في سلوك إيران، وأدانت أنشطتها الإقليمية، ودعمها للإرهابيين، وطموحاتها المتعلقة بالأسلحة النووية.

هذه التهديدات ليست الأولى من نوعها، لكن عندما يتعلق الأمر بإيران، فإن الأمر مختلف

كما يتلاءم كلام بولتون مع نمط الخطاب العدواني الذي ينتهجه ترامب، المغرم باستدعاء "كل الخيارات" لإخافة المنافسين، ودفعهم للتراجع.

مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون/ رويترز
مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون/ رويترز

ظهر هذا النمط في التعامل مع كوريا الشمالية وفنزويلا، وفي الحالتين لم ينتج أي تغيير في السياسة، ولا ضربات عسكرية، لكن حين يتعلَّق الأمر بإيران على وجه الخصوص، فلا يعرف أي أحد متى بالضبط ستتحول التهديدات إلى حقيقة، بحسب مجلة The Atlantic الأمريكية.

التهديد الذي تشكله إيران على أمريكا لم تعلن عنه الأخيرة، لكن هناك خيارات وفرص كثيرة لطهران في هذا المجال

لكن بالرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تكشف عن التهديد الحقيقي الذي تمثله إيران، فإن الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً مدى عمق تخندق القوات الإيرانية والأمريكية هناك، يترك للإيرانيين الكثير من الفرص لمضايقة أمريكا وحلفائها في حال اختاروا ذلك.

إذ تعمل القوات الإيرانية أو وكلاؤها قريباً من القوات الأمريكية أو القوات المدعومة أمريكياً في كلٍّ من العراق وسوريا. وتُهدِّد إيران بشكل دائم بتعطيل تجارة النفط العالمية التي تعبر مضيق هرمز قبالة سواحلها، وتُهدِّد القوات المتحالفة معها في اليمن وقطاع غزة مباشرةً حلفاء الولايات المتحدة في السعودية وإسرائيل بالهجمات الصاروخية.

إعلان نشر حاملة الطائرات لم يكن من أجل إيران، فالأمر لم يحدث فجأة وكان مخططاً له

كانت مجموعة حاملة الطائرات، التي أعلن بولتون توجُّهها إلى الشرق الأوسط في الواقع قد خرجت، في عملية انتشارٍ مُجدولة سلفاً قبل أكثر من شهر.

وقالت بيكا واسر، محللة السياسة في مؤسسة راند الأمريكية، في رسالة بريد إلكتروني: "يستغرق التخطيط لعمليات انتشار حاملات الطائرات بعض الوقت، ولا يتم بقرار مفاجئ، وإعلان بولتون مجرد استغلالٍ لعملية انتشار قائمة ومستمرة، من أجل إرسال رسالة إلى إيران. ومن المهم ملاحظة أنَّه لا هو ولا البيت الأبيض أصدرا الأمر فجأةً بنشر مجموعة حاملة الطائرات".

ووفقاً لشبكة U.S. News & World Report الأمريكية، أكَّد قائد العمليات البحرية الأمريكية الأدميرال جو ريتشاردسون الأمر ذاته للصحفيين، ولو أنَّه غرَّد لاحقاً بأنَّ مجموعة حاملة الطائرات ستذهب إلى الشرق الأوسط "بناءً على توجيه" بولتون وشاناهان.

وكتبت واسر أنَّ استراتيجية الجيش الأمريكي تقوم الآن على عدم إعطاء القدرة على التنبؤ (بسلوك الجيش) لمواجهة المنافسين مثل إيران.

وأضافت: "تبنَّت البحرية الأمريكية -وكافة الأسلحة- الانتشار الدينامي للقوة، لإظهار المرونة والقدرة على الاستجابة للحالات الطارئة والأحداث العالمية حين تقع".

مع تصاعد الخطاب الحاد من كلا الطرفين، تتصاعد كذلك احتمالية وقوع سوء تقدير

حين أعلنت إدارة ترامب، الحرسَ الثوري الإيراني تنظيماً إرهابياً، كانت تأمل تحجيم الجهاز الأمني الإيراني "النشط" عالمياً، والذي يُمثِّل أيضاً فاعلاً اقتصادياً رئيسياً.

لكن عند إعلان الخطوة، رفض وزير الخارجية مايك بومبيو تحديد ما إذا كان التصنيف، الذي يفتح الباب أمام عقوبات جنائية أمريكية على أي جهة تقوم بالعمل مع الحرس الثوري، قد جعل الحرس هدفاً للقوات الأمريكية في المنطقة، وقال متحدثٌ باسم الخارجية للمجلة الأمريكية آنذاك، إنَّ قواعد الاشتباك لم تتغير.

ووفقاً للمسؤولين الأمريكيين، كانت القوات المدعومة من إيران مسؤولة عن مقتل أكثر من 600 من أفراد القوات الأمريكية بين عامي 2003 و2011، لكنَّ الطرفين تقاسما بتأفُّفٍ نفسَ ساحة المعركة، وفي نفس الجانب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسوريا منذ عام 2014، بل تَعَاونا أحياناً.

التحذيرات الأمريكية من إيران لا تزال غامضة، وهذا لا يصبُّ في مصلحة أمريكا

الرد الإيراني -الذي أعلن القوات الأمريكية نفسها في المنطقة تنظيماً إرهابياً- لم يكن كذلك واضح التداعيات، لكنَّ متحدثاً باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أخبرَ المجلة الأمريكية مرتين في الأسابيع التالية لهذا التصنيف الإيراني، أنَّه لا مؤشرات على تهديدٍ وشيك للقوات الأمريكية في المنطقة، نتيجةً للتصنيف الإرهابي.

في المقابل أشار بولتون يوم الأحد إلى "عددٍ من المؤشرات والتحذيرات المُقلِقة والتصعيدية" دون الدخول في مزيدٍ من التفاصيل. وعندما طُلِب من وزارة الدفاع التعليق، قامت بالإحالة مجدداً إلى بيان بولتون.

والأكثر من ذلك أنَّ صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية أفادت الإثنين 6 مايو/أيار 2019، أنَّ إيران تدرس التخلي عن بعض عناصر الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، واستمرَّت كافة الأطراف الأخرى في الالتزام به.

وإذا ما ظلَّت التحذيرات المحددة بشأن نية إيران غامضة، فإنَّ احتمالية تهديد إيران للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ستكون جدية. (أفاد موقع Axios الأمريكي يوم الإثنين بأنَّ الولايات المتحدة كانت تتحرك وفقاً لمعلومات إستخباراتية من إسرائيل، ولو أنَّ السفارة الإسرائيلية رفضت التعليق).

واشنطن مكشوفة في المنقطة، والإيرانيون لديهم خبرة كافية لاستهدافها

وقال علي فائز، خبير الشأن الإيراني بمجموعة الأزمات الدولية: "الواقع هو أنَّ الولايات المتحدة منكشفة جداً في المنطقة"، مُضيفاً: "لدى الإيرانيين خبرة كبيرة في استهداف القوات الأمريكية في المنطقة بصورة غير مباشرة، من خلال استخدام حلفائهم من الميليشيات الشيعية".

وتملك الولايات المتحدة نحو ألفي جندي في سوريا، حيث تملك إيران ووكلاؤها وجوداً عسكرياً مادياً، و5000 من قوات الأمن في العراق، حيث تظل الجمهورية الإسلامية طرفاً فاعلاً نافذاً، و14 ألفاً من القوات في أفغانستان، حيث جعلت طهران من القتال ضد داعش هدفاً مشتركاً. وتملك إيران الوسائل اللازمة لتصعيد التوتُّرات في أيٍّ من تلك البلدان.

مخاطر وقوع صدام بين أمريكا وإيران في سوريا تتزايد

وأظهرت الولايات المتحدة في الماضي استعدادها للرد. ففي عام 2017، ضربت الولايات المتحدة قافلة من الميليشيات السورية والمدعومة إيرانياً أثناء اقترابها من إحدى القواعد الأمريكية في سوريا.

وصرَّح المبعوث الأمريكي الخاص السابق بريت ماكغورك، يوم الإثنين، لشبكة MSNBC الأمريكية: "ليس لدينا قنوات دبلوماسية مع إيران على الإطلاق"، وقال إنَّ مخاطر وقوع صدام تتزايد بالنظر إلى عدم وجود سبيل حقيقي لنقل الرسائل بصورة سرية إلى الإيرانيين من أجل تجنُّب الأمر.

أيضاً يمكن أن يوجه وكلاء إيران الصواريخ على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا

ففي سبتمبر/أيلول الماضي، ضربت ميليشيات مدعومة من إيران القنصلية الأمريكية في البصرة، ما فرض إخلاءها، والسفارة الأمريكية في بغداد.

وفي الخليج، أشار المسؤولون الأمريكيون إلى مناورات غير آمنة، أو تهدف للمضايقة من جانب طائرات من دون طيار وزوارق إيرانية ضد الطائرات والسفن الأمريكية.

وفي عام 2016، أَسَرَ الحرس الثوري الإيراني لفترة وجيزة 10 بحارة أمريكيين في البحر.

يقول مايكل نايتس، الخبير في شؤون المنطقة بمعهد واشنطن، وهو مركز أبحاث يدرس الشرق الأوسط، إنَّ "الولايات المتحدة الآن تشير إلى أنَّها مستعدة للرد"، من خلال التأكيد على أنَّها لا تُميِّز بين الحكومة الإيرانية والميليشيات الوكيلة لها.

وأخيراً، وهو الأهم، هناك تجارة النفط العالمية، التي تعتمد بشدة على مضيق هرمز. ويتدفق نحو 18.5 مليون برميل يومياً عبر المضيق الواقع بين إيران وشبه الجزيرة العربية.

فبعدما هدَّدت الولايات المتحدة في أواخر أبريل/نيسان الماضي، بفرض عقوبات على أي طرف يستورد النفط الإيراني في محاولة لتخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، حذَّرت إيران من أنَّها قد تُغلِق المضيق، وهي خطوة من شأنها إلحاق الدمار بالاقتصاد العالمي.

لكن هناك الكثير من الأسباب التي لن تجعل إيران تستهدف مضيق هرمز حتى لو لم تتمكَّن من تصدير النفط من خلاله. إذ تمر صادرات البتروكيماويات الإيرانيه عبر المضيق، وكذلك الحال بالنسبة لصادرات البلاد ووارداتها غير النفطية. وقال نايتس: "سيذبحون أنفسهم إن أغلقوا المضيق".

ربما تكون إيران في وضعٍ أفضل لمضايقة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة

فيمكن أن تشكل طهران إزعاجاً لإسرائيل والسعودية. إذ تدعم طهران حركة حماس الفلسطينية، التي أطلقت في الأيام الأخيرة نحو 600 صاروخ على إسرائيل من مناطقها في قطاع غزة.

ويمكن أن تُشجِّع إيران كذلك الحوثيين في اليمن، وهم يُمثِّلون حليفاً آخر لهم في المنطقة، على البدء في استهداف شاحنات النفط السعودية والإماراتية المتجهة إلى أوروبا. (استحوذت الدولتان على حصة إيران السوقية بعد فرض العقوبات الأمريكية).

وأطلق الحوثيون بالفعل صواريخ على السعودية خلال حربهم المستمرة ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمدعومة من السعوديين.

وقال فائز إنَّ إيران لديها "الكثير من الخيارات". وأضاف: "المشكلة هي أنَّه نظراً لعدم وجود طرق فرعية أو قنوات اتصال بين البلدين، فإنَّ مخاطر وقوع مواجهة يمكن أن تخرج سريعاً عن السيطرة عالية للغاية".

تحميل المزيد