نُدرِكُ جميعاً تأثير الموسيقى على مزاج الإنسان، فيتعكر مزاجنا في حال استمعنا لإحدى الأغنيات الحزينة في الراديو، والعكس صحيح، إذ ترفع الألحان السعيدة من روحنا المعنوية.
ولا يُعَدُّ ذلك التأثير أمراً مُهماً بالنسبة للغالبية العظمى من الناس، لكن العواقب تُصبح أكثر خطورة في حال كُنت تُعاني من الاكتئاب، موقع Big Think الأمريكي.
إذ وجدت دراسة مُثيرة للجدل، نُشِرت عام 2015، أنَّ الأشخاص المُصابين بالاكتئاب يميلون بشكل ملحوظ إلى الاستماع للموسيقى الحزينة -ومشاهدة الصور الحزينة- أكثر من الأشخاص الأصحاء.
الأشخاص المصابون بالاكتئاب يشعرون أن الموسيقى الحزينة تُهدِّئهم
وتُشير تداعيات هذه الدراسة المثيرة للجدل إلى أنَّ الأشخاص المكتئبين يتصرفون بطريقةٍ تُحافظ على مزاجهم السيئ عمداً. ونشرت دورية Emotion العلمية دراسةً تُؤكِّد هذه النتائج، لكن الباحثين قدَّموا أدلةً تُشير إلى أنَّ الأشخاص المصابين بالاكتئاب لا يسعون إلى الحفاظ على مشاعرهم السلبية، بل يشعرون أنَّ الموسيقى الحزينة تُهدِّئهم وترفع من معنوياتهم.
وكتب فريق الباحثين الذي يقوده سونكيونغ يون، في جامعة جنوب فلوريدا: "تُعَدُّ الدراسة الحالية هي الدراسة الأدق حتى الآن".
شملت الدراسة 38 طالبة جامعية مُشخَّصة بالاكتئاب، ومثلهن سليمات لا يُعانين من الاكتئاب
وحاول القسم الأول من الدراسة تكرار الأدوات المُستخدمة في دراسة عام 2015، والتي توصلَّت إلى أنَّ المكتئبين يفضلون الموسيقى الحزينة. واستمعت المشاركات إلى مقتطفات مدتها 30 ثانية من الموسيقى الحزينة (مثل "Adagio for Strings" لصامويل باربر، و"Rakavot" لآفي باليلي)، والموسيقى السعيدة، والموسيقى المُحايدة العادية.
ثم حدَّدت المشاركات نوع الموسيقى الذي ترغبن في الاستماع إليه مرةً أخرى في المستقبل. ووجد يون وفريقه أنَّ المشاركات المكتئبات أظهرن ميلاً أكبر لاختيار مقاطع الموسيقى الحزينة، على غرار نتائج البحث السابق.
الغالبية العظمى من المشاركات فضلن الموسيقى الحزينة
لكن فريق يون سأل المشاركات عن السبب وراء اختياراتهن، فقالت الغالبية العظمى من المشاركات أنَّهُن فضَّلن الموسيقى الحزينة لأنها تبعث على الاسترخاء أو الهدوء أو الراحة.
واستخدم الجزء الثاني من الدراسة مجموعةً جديدة من العينات الموسيقية، تتكوَّن من 84 زوجاً من مقاطع الآلات الموسيقية التي تصل مدتها إلى 10 ثوانٍ وتعكس مشاعر السعادة، أو الحزن، أو إثارة الخوف، أو المشاعر محايدة، إلى جانب مقاطع صوتية ذات الطاقة المرتفعة أو المنخفضة.
واختارت نفس المشاركات في الجزء الأول المقاطع الموسيقية التي ترغبن في الاستماع إليها مرة أخرى. واستمعن أيضاً إلى نفس العينات مرةً أخرى في النهاية، لتُفصحن عن تأثيرها على مشاعرهن.
الدراسة الأخرى أثبتت أيضاً ما توصل إليه البحث السابق وهو أن المقاطع الحزينة زادت لديهن السعادة
وتوصَّل الباحثون مرةً أخرى إلى أنَّ الفتيات المكتئبات تُفضلن الموسيقى الحزينة والموسيقى منخفضة الطاقة -وليس الموسيقى المثيرة للخوف- بنسبة أكبر من نظيرتها لدى الأشخاص الطبيعيين.
والأهم هو أنَّهن ذكرن أنَّ الاستماع إلى تلك المقاطع مرةً أخرى زاد سعادتهن وقلَّل مشاعر الحزن، وهو الأمر الذي يتعارض مع الفكرة المثيرة القائلة بأنَّ المكتئبين يرغبون في الإبقاء على مزاجهم الحزين.
ولا تستطيع الدراسة تفسير شعور المكتئبين بأنَّ الموسيقى منخفضة الطاقة والموسيقى الحزينة ترفع من معنوياتهم، رغم أنَّ التفكير البديهي يقول إنَّ الموسيقى ذات الإيقاع السريع والألحان السعيدة ستكون مزعجة وغير ملائمة في حال كنت تشعر بالحزن، فيما تُعَدُّ الموسيقى التي تميل إلى الهدوء والجدية مُريحةً أكثر.
فماذا عن ميل البشر بشكل عام الاستماع للموسيقى الحزينة؟
وظهرت أدلةٌ جديدة على ذلك في دراسة حديثة أخرى، إذ بحثت تلك الدراسة في سبب ميل البشر -غير المكتئبين- عموماً إلى الاستماع للموسيقى الحزينة أثناء شعورهم بالحزن. وقال بعض المشاركين مثلاً إنَّ الموسيقى الحزينة تُؤدِّي دور الصديق الداعم.
وشملت الدراسة الجديدة مجموعةً صغيرة من الطالبات الجامعيات فقط، وبحثت في الآثار العاطفية التي تظهر خلال إطار زمني قصير. وأقرَّ يون وزملاؤه بضرورة إجراء أبحاث إضافية للوقوف على أسباب تفضيل المكتئبين للموسيقى الحزينة.
لكن أحدث النتائج التي تم التوصل إليها حتى الآن تُشير إلى أن هذه التفضيلات ".. ربما تعكس رغبةً في تهدئة المشاعر، وليس تأجيج المشاعر الحزينة".