بعد الانتحار الجماعي لثلاث فتيات، متى تمنع مصر حبة الغلة القاتلة المنتشرة بالريف؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/29 الساعة 16:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/29 الساعة 19:13 بتوقيت غرينتش
حادثة انتحار جماعي لثلاث فتيات في مدينة مصرية صغيرة/مواقع التواصل

ثلاث حالات انتحار في يوم واحد، راح ضحيتها ثلاث فتيات والأداة المستخدمة في حالتين منهما كانت واحدة إنها حبة الغلة القاتلة التي تنتشر في ريف مصر.

الحوادث الثلاثة وقعت في مدينة  كفر الدوار السبت 27 أبريل/نيسان 2019، حيث أقدمت ثلاث فتيات على الانتحار، اثنتان منهن باستخدام "حبة الغلة القاتلة" والثالثة قفزت من الشرفة.

هل هناك شبهة جنائية؟

الشرطة المصرية استبعدت أن تكون هناك شبهة جنائية وتبنت فكرة أن الموضوع لا يعدو كونه حالة انتحار لثلاث فتيات من نفس العائلة.

عربي بوست تواصلت مع سكان المنطقة لمحاولة فهم ما الذي جرى وما السر وراء ذلك الانتحار الجماعي الغريب؟

حبة الغلة القاتلة
الشرطة استبعدت الدوافع الجنائية

الوافد إلى مدينة كفر الدوار بدلتا مصر، سيشهد في مدخل المدينة حزمة من الأبراج العالية الحديثة التي تبدو مظاهر المدنية والحداثة عليها، خلف هذه الأبراج مباشرة توجد منطقة عشوائية يغلب عليها الفقر تسمى منطقة أرض العمدة والتي شهدت واقعة الانتحار الغريبة.

"المنطقة عندنا عشوائية شويه والناس فيها صعبة لكنهم طيبين"، هكذا تبدأ عبير إحدى صديقات دينا سمير كبرى الفتيات المنتحرات حديثها مع عربي بوست.

وتضيف "أعرف دينا منذ الطفولة وتجمعنا الجيرة والدراسة، لا يمكنني القول أننا أصدقاء مقربون، لأن دينا لم تكن تقترب كثيراً من أحد، لكنني أعرفها جيداً وتجمعنا عشرة طويلة".

ماذا حدث يوم وقوع الانتحار الجماعي؟

تواصل عبير حديثها قائلة: في اليوم المشؤوم كانت دينا (15 سنة) وإيمان (17سنة) ابنة خالتها تحضران درساً في السنتر (مركز للدروس الخصوصية) عند "الكوبري القديم" وحين عادتا منه لم تمض لحظات حتى تعالى الصراخ من منزلهم وعرفنا أنهما تناولتا "حبة الغلة" وانتحرتا.

بعدها مباشرة حين علمت خالة دينا بانتحار ابنتها وابنة شقيقتها سقطت ودخلت في حالة غيبوبة نقلت على إثرها إلى المستشفى، وقبل أن تلتقط الأسرة أنفاسها وتفهم ما يحدث قررت آلاء (12سنة) شقيقة إيمان الصغرى أن تنتحر قفزاً من الشرفة حزناً على والدتها وأمها وابنة خالتها.

هذا هو السبب في حالة الاكتئاب التي عانت منها

وعن حالة دينا النفسية تحدثنا صديقتها شارحة: دينا اكتأبت جداً مؤخراً، وأصبحت حالتها النفسية سيئة جداً نتيجة لطلاق والدتها من والدها، وزاوج أمها من رجل آخر غير والدها، واضطرارها لأن تعيش عند خالتها.

تقول "لا أعلم بدقة سبب تركها لبيت أمها، لكنها كانت دائمة ما تتحدث عن أحد لا يحبها وأنها ملفوظة حتى من أبويها، وهو ما نتج عنه تدهور حالتها النفسية خصوصاً مؤخراً.

وعن علاقتة دينا بخالتها تتحدث عبير صديقتها قائلة: دينا كانت بتحب خالتها طبعاً، وزوج خالتها كان رجلاً طيباً، الذي أعرفه أنه أمين شرطة وغير مقيم بشكل دائم في المنزل، أسبوع هنا وأسبوع في مقر عمله، لكن دينا في المرات القليلة التي تحدثت عنه كانت تصفه بأنه رجل طيب وبتاع ربنا.

تضيف صديقة الفتاة المنتحرة "الذي أعرفه أن علاقة دينا بابنة خالتها إيمان كانت قويه جداً، وإيمان كانت (دايماً في ديلها) على حد تعبير عبير.

وأضافت قائلة "ولذا أعتقد والله أعلم أن دينا التي كانت في حالة شديدة من الاكتئاب قررت الانتحار، ونتيجة لتأثيرها النفسي على إيمان ربما تكون أقنعتها بعدم جدوى الحياة فقررتا الانتحار سوياً بحبة الغلة.

كيف وصلت لهما حبة الغلة القاتلة؟

 اللي عرفت إنهم راحوا لدكانة عم محمد (يبدو أنه تاجر مبيدات) ورفض أن يبيعها لهما، لكن يبدو إنهم نجحوا في الحصول عليها بصورة أو أخرى، هكذا قالت عبير عن كيفية وصول حبة الغلة القاتلة لهما.

وهي الحبة المنتشرة في الريف المصري وتستخدم لحماية القمح المخزن من الحشرات.

ولكن يبدو أنها تحولت إلى وسيلة سهلة للانتحار.

اختموا لي القرآن.. حسابها على فيسبوك يكشف الكثير

نظرة على حساب دينا الشخصي على فيسبوك تشي بوضوح أن الفتاة فعلاً كانت تمر بحالة نفسية سيئة، وأنها كثيراً ما كانت تتحدث مؤخراً عن الوحدة وأنه لا أحد يشعر بها، ومؤخراً بدأت تتحدث كثيراً عن الموت.

ففي 23 أبريل/نيسان 2019 كتبت "‏لما أموت اتبرعولي كتير.. ادعولي.. اختمولي القرآن.. افتكروا ليا المواقف الحلوة.. اسألوا الله أن يجعل قبري روضة من رياض الجنة وأن يبدلني داراً خيراً من داري"

قصة القرص القاتل من حفظ الغلة إلى أداة رخيصة للانتحار

الطريقة التي أنهت بها دينا وابنة خالتها إيمان حياتهما بتناول قرص حفظ الغلال أو (حبة الغلة) بالتعبير الدارج تفتح من جديد الباب للحديث عن هذه الأداة التي التي تستخدم أحياناً كثيرة كوسيلة للانتحار في ريف مصر.

 وأدت هذه الحادثة إلى تجدد المطالبات بوقف تداول هذا القرص وتجريم استيراده أسوة بدول عربية أخرى كثيرة منعته نهائياً.

وحبة الغلة هي إحدى وسائل مقاومة التسوس والحشرات الضارة التي تصيب القمح.

لديها قوة سمية هائلة

وهي توضع في جوال القمح المخزن لمنع الحشرات والتسوس.

ولكي نعرف مدى قوة سميتها، فإن الجوال الذي يوضع به قرص واحد يمنع الحشرات نهائياً من الوصول إليه.

دكتور أكمل حبيب أستاذ الكيمياء الحيوية يشرح تركيبة تلك المادة القاتلة قائلاً: الاسم العلمي لحبة الغلال هو "الألومنيوم فوسفيد" وهي إحدى المبيدات الزراعية المصرح بها قانوناً ومسجلة كمبيد حشري

هل تؤثر على حياة الإنسان في حالة استخدامها بالتخزين؟

وضع حبة الغلة في أجولة القمح لا يؤثر على الإنسان، حسب الدكتور حبيب.

إلا إذا تم استنشاقها بغزارة فقد ينجم عنها سرطان الرئة والكبد.

واستدرك قائلاً "وبالقطع لو تم تناولها عبر الفم سوف تؤدي للوفاة فوراً نظراً لاحتوائها على مادة الزنك فوسفيد السامة، وفرص إنقاذ المصاب شبه معدومة".

ورغم خطورتها إلا أنها منتشرة بين فلاحي مصر نظراً لرخص سعرها إذا يبلغ سعر القرص الواحد 2 جنيه وهو رقم زهيد جداً إذا ما قورن بأسعار المبيدات الأخرى.

أرواحنا مش رخيصة.. لا لبيع حبة الغلة القاتلة، فهل من بديل؟

وفي فبراير/شباط 2017 دشن عدد من النشطاء والمهتمين بالشأن العام في محافظ الدقهلية حملة "أرواحنا مش رخيصة.. لا لبيع حبة الغلة القاتلة" التي طالبوا فيها بوقف استيراد وبيع قرص الألمونويم فوسفيد المعروف تجارياً باسم حبة الغلال أسوة بكثير من الدول العربية، نظراً لأنه أصبح الوسيلة الأكثر انتشاراً للانتحار بين أهالي الريف المصري عموماً ومحافظة الدقهلية خصوصاً.

وإضافة إلى الانتحار تسببت حبة الغلة في وفاة العديد من الأطفال بعد تناولهم للقرص عن طريق الخطأ.

"هناك ألف طريقة لحفظ القمح بدءاً من التبخير، انتهاء بمواد أقل ضرراً" هكذا يبدأ محمد صابر أحد منسقي الحملة حديثه مع عربي بوست.

وقال "نحن في الحملة تحركنا بعد أن تحول الأمر إلى كابوس، قرص الغلال هذا فضلاً عن كونه مادة مسرطنة تدمر صدر وكبد الفلاحين، فهو سم في متناول الأطفال ووسيلة متاحة ومنتشرة للانتحار.

وقال بالطبع من يريد أن ينتحر لن يعدم إيجاد أي وسيلة للانتخار، لكن هناك فرقاً بين أن ينتحر الشخص بمادة ضعيفة يكون هناك احتمال لإنقاذه بعد تناولها، وبين أن نوفر للراغبين في الانتحار مادة تنهي حياتهم في لحظات، كما رأينا في حادثة كفر الزيات الأخيرة.

يختتم صابر حديثه قائلاً "هناك بدائل عدة لحبة الغلة، فقط على الحكومة أن تحتذي بدول مجاورة كثيرة حظرت هذا السم القاتل".

عربي بوست حاول التواصل مع المتحدث الإعلامي لوزارة الزراعة للتعرف على سبب استمرار الوزارة في السماح باستخدام هذه الحبة على الرغم من مخاطرها، لكن أحداً لم يجب على اتصالنا.

علامات:
تحميل المزيد