هل تتوقف إيران عن دعم حلفائها بالمنطقة بسبب العقوبات الأمريكية؟ هل تتخلى عن أرخص إمبراطورية في التاريخ بسبب هذه العقوبات التي تهدف إلى جعل صادراتها النفطية تساوي صفراً.
فبواسطة مقاتلين أغلبهم ليسوا إيرانيين، وكثير منهم عرب، وبقليل من الأموال أصبح لدى إيران إمبراطورية تسيطر على أربع عواصم عربية، أو على الأقل لديها النفوذ الأكبر بها وهي: بيروت وبغداد وصنعاء ودمشق.
إمبراطورية لم تحتج منها حشد جيوش جرارة أو أن تدفع بأبنائها إلى أتون القتال.
إمبراطورية جاءت بالأفغاني والباكستاني من الشرق ليقاتل السوري في بلده بقيادة الشيعي اللبناني، وتحت إشراف من بعيد من قبل الحرس الثوري، بشكل يضمن إراقة أقل دم إيراني ممكن.
صنعت إيران هذه الإمبراطورية عبر حلفائها وأذرعها المنتشرين في المنطقة، وكان الدور الإيراني يقتصر على الإرشاد والتمويل.
ولكن الآن بعد قرار ترامب إلغاء الإعفاءات من عقوبات استيراد النفط التي كانت ممنوحة لثماني دول تمهيداً لتصفير صادرات النفط الإيرانية، هل تتوقف إيران عن دعم حلفائها بالمنطقة بسبب العقوبات الأمريكية؟
في هذا التقرير نرصد تأثير العقوبات الأمريكية على قدرة إيران على تمويل حلفائها أو أذرعها في المنطقة، وبالتالي قدرة هؤلاء على الاستمرار في الاحتفاظ بالانتصارات التي حققوها في الدولة العربية التي يتواجدون فيها.
أولاً هل هم حلفاء أم اتباع
تختلف علاقات إيران مع الحركات السياسية المحسوبة عليها، فهي ليست سواء لدى الإيرانيين.
ويمكن تقسيم هذه العلاقات إلى ثلاثة أنواع رغم عدم وجود تمايز بينها.
الاتباع: على رأسهم درة التاج الإيراني
يمثل حزب الله النموذج الأمثل لهذا النمط، يجاهر الحزب بل يفخر بأنه يتبع الولي الفقيه.
المسألة لديه إلزام ديني وشرعي، فعلي خامنئي المرشد الأعلى للحزب هو القائد الديني والسياسي للحزب.
ومن المعروف أن المسلمين الشيعة يستلزم أن يكون لديهم مرجع ديني، وقد توسعت نظرية ولاية الفقيه في دور هذا المرجع.
وبالنسبة لحزب الله فإن خامنئي هو المرجع الديني إضافة إلى كونه قائداً سياسياً، المفارقة أنه ليس كل الإيرانيين أنفسهم يعتبرون خامنئي مرجعهم الديني أي أن هناك إيرانيين لا يضعون خامنئي في نفس المرتبة التي يضعها فيها حزب الله.
ومن المرجح أن الميليشيات الشيعية التي نشأت في العراق وسوريا، مثل حزب الله العراق، وغيره من الميليشيات التي تنضوي تحت لواء الحشد الشعبي، والميليشيات الشيعية في سوريا مثل لواء فاطميون تندرج تحت نفس الفئة.
ولكن يظل حزب الله الأكثر ولاءً وانضباطاً وتدريباً، ولكن ليس الأكبر من ناحية العدد، ولكنه نموذج يراد تكراره في العديد من الدول العربية، وقد وصفه أحد الباحثين المعنيين بهذا الملف لـ "عربي بوست" بأنه درة التاج الإيراني، وأنه الوحدة الأكفأ في الحرس الثوري الإيراني.
شركاء أو حلفاء غير متساويين
على عكس حزب الله فإن الحوثيين لا يمكن وصفهم بأنهم اتباع دينيون وسياسيون لإيران، رغم أنهم يمثلون عضواً مهماً في المظلة الشيعية الواسعة التي تقودها إيران والتي يفضل أعضاؤها تسميتها محور الممانعة.
ورغم أن الحوثيين ينتمون إلى المذهب الجارودي وهو الأقرب في الشيعة الزيدية للمذهب الشيعي الاثني عشري، ورغم أنها اقتربوا أكثر دينياً وسياسياً ولوجستياً من إيران في العقود الأخيرة، إلا هناك خلافات بين المهتمين بالحوثيين حول حقيقة تحولهم للمذهب الشيعي الاثني عشري أم أنهم ازدادوا اقتراباً منه فقط، وبالتالي فليس هناك مؤشرات قوية على أنهم يتبعون مرجعية خامنئي الدينية على الرغم وضوح إعجابهم بالنموذج الإيراني وزعاماته خاصة قائد الثورة الإيرانية الخوميني والمرشد الحالي علي خامنئي، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
ولذا يمكن وصف الحوثيين بأنهم جزء من المظلة الشيعية التي تقودها إيران وأنهم بمثابة حلفاء غير متساوين لإيران، حلفاء يتأثرون بالموقف الإيراني والتوجهات الإيرانية، ولكن ليس بالضرورة يطبقون الأوامر الإيرانية بنفس دقة حزب الله.
الأسد تابع أم حليف
والنظام السوري نفسه ينطبق عليه هذا التعريف إلى حد كبير فهو جزء من المظلة الشيعية الواسعة في المنطقة بحكم انتماء النخبة الحاكمة للأقلية العلوية التي تختلف دينياً كثيراً عن المذهب الشيعي الجعفري، لكنها في النهاية تعتبر نفسها جزءاً من الحلف الشيعي، ولكن لا يعني هذا تبعيتها الدينية والسياسية لإيران على غرار حزب الله، بقدر ما هي شراكة وتحالف غير متكافئ.
وهناك لاعب مُهم في العراق يمكن أن ينطبق عليه جزئياً نفس التوصيف، وهو التيار الصدري، الذي كثيراً ما يُظهر التمايز عن إيران، ولكن أيضاً كثيراً ما يتقارب معها.
وآخر مواقفه التصريح الأخير الذي أثار أزمة مع البحرين الذي قال فيه إن العراق "واقع بين طرفين متصارعين هما إيران وتحالف ترامب ونتنياهو"، مشيراً إلى أنه "ليس بصدد الاختيار بين دعم الجارة إيران أو دعم الاتحاد الثنائي، فدعم الأخير ممنوع ومحرم في ديننا وعقيدتنا وشرعنا ولا يجوز الاستعانة بهم فضلاً عن دعمهم ونفعهم".
واللافت رغم تلويح الصدر بالوقوف مع إيران في صراعها بالمنطقة، فإنه أيضاً كرر موقفه الداعي لتنحي بشار الأسد عن رئاسة سوريا، وهو موقف مناقض تماماً للموقف الإيراني، ولكن بعد أن أضاف البحرين لقائمة الدول التي يطالب بتنحي حكامها.
شركاء مع وجود اختلافات جذرية في قضايا عدة
تمثل كل من حماس وحركة الجهاد الفلسطينيتين نموذجاً واضحاً لهذا النمط.
إذ يتفق التنظيمان مع الإيرانيين في أن كليهما له مرجعية دينية، ولكنها سُنية، كما أنهما يتفقان على العداء لإسرائيل.
لكن الموقف من باقي الأطراف والتحالفات في المنطقة مختلف، فحماس ذات المرجعية الإخوانية والجهاد لا تشاركان إيران عداءهما للسعودية والسلفيين في المنطقة على سبيل المثال.
وبدا الخلاف بينهما واضحاً في موقف حماس من الثورة السورية، حيث نأت بنفسها عن النظام السوري وأغلقت مكتبها في دمشق، ودفعت حماس ثمن ذلك عبر تقليل المساعدات الإيرانية لها بسبب موقفها السلبي من نظام بشار الأسد، إضافة إلى التسريبات التي تظهر العلاقة السلبية بين الطرفين.
قوى ناصرية ضمن المظلة الإيرانية
ويمكن أن يشمل هذا التصنيف بعض الحركات السياسية اللبنانية التي كانت تقليدياً موالية لسوريا الأسد، ولكن مع صعود دور حزب الله في لبنان، ومن خلفه إيران، أصبحت العلاقة الأساسية تتحول إلى التحالف مع إيران وحزب الله، خاصة بعد أن تحولت طهران لممول لهذه الحركات عبر حزب الله وضمر دور النظام السوري بحكم انشغاله في الأوضاع الداخلية، حسب ما قال مصدر لـ "عربي بوست".
ومن أبرز هذه الحركات حركة المرابطين الناصرية في لبنان، وغيرها من الحركات الناصرية وحتى الإسلامية السنية اللبنانية المتحالفة مع إيران وسوريا مثل تجمع علماء المسلمين.
كيف يصل التمويل الإيراني رغم جدار العقوبات القديم؟ أكياس وطائرات
لا توجد معلومات دقيقة حول كيفية حجم التمويل الإيراني لحلفاء وأذرع طهران في المنطقة، وكيف يصل إليهم.
فالعملية كلها تتم في الخفاء وإيران التي عاشت طويلاً في ظل العقوبات طورت هي وحلفاؤها مسارات للتعامل المالي بعيداً عن مقصلة العقوبات الأمريكية.
وحسب مصدر لبناني مطلع فإن الدعم الإيراني لحزب الله يصل في الأغلب في شكل أموال سائلة بعيداً عن النظام المصرفي اللبناني الخاضع بقوة للرقابة الأمريكية والدولية.
وفي هذا الإطار، يقول على الأمين رئيس تحرير موقع "جنوبية" المتخصص في شؤون جنوب لبنان لـ "عربي بوست": "ليس هناك إشكالية لدى حزب الله في توصيل الأموال".
وأضاف في تصريح عبر الهاتف: "حزب الله هو الذي يتولى الحدود في لبنان، وقالها نصر الله من قبل علناً إن الأموال تأتي مباشرة، وليس عن طريق البنوك وغيره".
وقال مصدر لبناني مطلع لـ "عربي بوست" إن إيران وحزب الله فرضت عليهما عقوبات منذ سنوات طويلة والتالي لديهما خبرة كبيرة في نقل الأموال خارج النظام المالي الرسمي.
وأوضح أنه من بين هذه الطرق نقل الأموال عبر الطائرات إلى مطار بيروت، خاصة في ظل هيمنة أجهزة مقربة من الحزب على المطار (يُشار إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لاقتحام حزب الله لبيروت في 7 أيار/مايو 2008 كان إقالة الحكومة اللبنانية لمسؤول أمن مطار بيروت المقرب للحزب).
ما حجم التمويل الإيراني لكل هذه القوى؟
الأكثر غموضاً من كيفية وصول الأموال هو حجم هذه الأموال الإيرانية التي تصل إلى حلفائها.
تميل التقديرات العامة إلى المبالغة في تقدير حجم هذه الأموال، وتشير الانتقادات المحلية والخارجية إلى ضخامة هذه الأموال وأنها تقدر بعشرات المليارات.
إذ يقول المحلل الاقتصادي الإيراني فريدون خاوند لـ "عربي بوست" إن تقديم أي رقم لحجم الدعم المالي الإيراني للجماعات المسلحة أمر صعب، وبالتالي غير دقيق خاصة أن الجمهورية الإسلامية لا تكشف عن مقدار ما تنفقه على دعم منظمات المقاومة.
ويضيف فريدون: لكن وفقاً للتكهنات من بعض المحللين والخبراء تدفع إيران سنوياً ما بين 16 إلى 18 مليار دولار، وفي بعض الأحيان تصل التقديرات إلى أكثر من ذلك.
ولكنّ مزيداً من التحليل قد يؤشر لأن هذا الرقم مبالغ به.. محاولة لتحديد حجم التمويل الإيراني
حزب الله يمثل أهم القوى التابعة لإيران في المنطقة خاصة أن دوره يشمل لبنان وسوريا والمواجهة مع إسرائيل، إضافة إلى دوره في تدريب ونقل السلاح لمعظم القوى الموالية لإيران في المنطقة.
ويعتقد أن الحزب قد بلغت ميزانيته نحو 700 مليون دولار في عام 2017، حسب الخبير الاقتصادي الإيراني فريدون خاوند.
لكن بعد أشهر قليلة من إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران انخفض هذا الرقم ليصل تقريباً إلى 400 مليون دولار سنوياً.
وبالنسبة إلى حركة حماس وصل حجم الدعم المادي الإيراني لها إلى نحو 250 مليون دولار سنوياً بحسب تقديرات خاوند، ولكن لا يعلم أحد إلى الآن ما إذا كانت قد تقلص الدعم أم لا.
الحشد الشعبي الأكثر حظاً
أما بخصوص الدعم المالي الإيراني للحشد الشعبي في العراق، فأمره مختلف بحسب الخبير خاوند.
إذ يقول: "الحشد الشعبي هو الجماعة المسلحة الأكثر حظاً وسط الجماعات الشيعية التي تدعمها إيران؛ نظراً لأنه معترف به من قبل الحكومة العراقية باعتباره قوات ضمن مجموعة من القوات الشبه عسكرية في البلاد، ويحصل على رواتب وإعانات مالية من الحكومة".
لكن هذا لا ينفى أنه ما زالت إيران إلى اليوم تقدم بعض الدعم المالي للحشد الشعبي.
إذ يقدر أحمد سرمدي، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص بشؤون محور المقاومة كما أطلقت عليها إيران، حجم الدعم المالي لقوات الحشد الشعبي نحو 15 مليون دولار سنوياً.
لكنه يرى أن هذا الرقم انخفض بشكل كبير في الأشهر القليلة الماضية، ويبرهن على ذلك بقدرة الحشد الشعبي الآن على مساعدة حزب الله اللبناني مادياً إذا لزم الأمر لفترة ليست بالقليلة.
تمويل الحوثيين.. الأكثر غموضاً
يبقى من محور المقاومة الإيراني الحوثيين في اليمن، وهم أكثر المتضررين من العقوبات الأمريكية على إيران، خاصة في الأشهر القليلة الماضية، فيقول الخبير سرمدي إنه في الفترة الأخيرة اكتفت إيران بتقديم الصواريخ الباليستية فقط إلى الحوثيين، ولا توجد أي أرقام مؤكدة أو شبه مؤكدة عن الأموال التي تلقتها جماعة الحوثي من إيران مؤخراً.
وكان تقرير أممي قد ذكر أن الحوثيين، يتزودون بصواريخ باليستية وطائرات بلا طيار "لديها خصائص مماثلة" للأسلحة المصنعة في إيران.
كما ذكر خبراء أمميون في تقرير آخر أنهم يحققون في هبات من الوقود بقيمة 30 مليون دولار، تقدمها إيران شهرياً إلى الحوثيين (أي نحو 300 مليون دولار سنوياً).
سوريا العبء الأكبر.. ميليشيات الفقراء في بلد غير نفطي
من خلال نظرة لعدد المقاتلين وظروف التمويل، يلاحظ أن التكلفة الأكبر بالنسبة لإيران ستكون سوريا.
فسوريا دولة غير نفطية، كما أن إيران في سوريا لا تكتفي بدعم مقاتلين أو ميليشيات كما اعتادت أن تفعل في دول أخرى، بل تدعم نظاماً يحكم دولة تعاني من حرب أهلية.
وحسب المتحدثة باسم المبعوث الدولي إلى سوريا جيسي شاهين، فإن تقديرات الأمم المتحدة هي أن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنوياً، إذا كانت قد ساعدت النظام السوري بما يعادل نصف ميزانية دعم الأسعار في الداخل سنوياً.
وإذا كانت إيران أنفقت هذا الرقم بشكل منتظم خلال 6 أعوام من الحرب السورية هذا يعني أنها دفعت 36 مليار دولار حتى عام 2018، وهذا يعادل ثلاثة أضعاف الميزانية الدفاعية السنوية لإيران.
ولكن يمكن التكهن بأن هذه الأرقام قد انخفضت مع انتصار النظام ودخول الروس كشريك للإيرانيين في الحرب ودعم النظام أيضاً.
كيف يمكن حساب تكلفة الميليشيات الشيعية التي جلبتها إيران إلى سوريا؟
وعلى الأغلب فإن المقاتلين الشيعة في سوريا يمثلون العبء المالي الأكبر على إيران، من بين كل المقاتلين الذين تدعمهم.
لأن سوريا ليست دولة نفطية كالعراق، كما أنهم مقاتليون أجانب جلبوا من بلدان بعيدة ولا يقاتلون على أرضهم كما يفعل الحوثيون.
ولكن يمكن محاولة معرفة تكلفتهم من خلال معرفة أعدادهم وحجم رواتبهم.
فوفقاً لبعض التقديرات فإن عدد المقاتلين الشيعة في سوريا عام 2018 بلغ أكثر من 80 ألفاً، بينما أشارت تقديرات أخرى أن اللاجئ الأفغاني الذي يتم تجنيده يتقاضى أجراً في حدود 500 دولار شهرياً.
فإذا وضعنا متوسط 750 دولاراً كأجور باعتبار أن اللاجئ الأفغاني على الأرجح هو الأقل من حيث الرواتب حيث ستكون رواتب اللبنانيين، والعراقيين والمستشاريين الإيرانيين أكبر حتماً، فإن المجموع المحتمل للأجور التي أنفقتها إيران في عام 2018 على الميليشيات الشيعية سيكون في حدود 720 مليون دولار.
ولكن هل انخفضت تكلفة هذه الميليشيات بعد انتصار الأسد؟
يقول سرمدي: "بالنسبة إلى لواء فاطميون الأفغاني وكتائب زينبيون الباكستانية، لا تستطيع إيران تقليص نفقات تلك الجماعات على الأقل فى الوقت الحالى؛ لأنها تتكفل برواتب شهرية سواء لأسر الضحايا منهم أو للرعاية الطبية للمصابين".
ولكن إيران لجأت في الأشهر الأخيرة إلى سحب العديد من مقاتلي تلك الجماعات خاصة بعد أن نجح بشار الأسد في السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا.
إذاً، كم إجمالي التكلفة المحتملة للإمبراطورية الإيرانية؟
من خلال محاولات التقدير السابقة، يمكن القول إنه في حال النفقات الإيرانية على الحلفاء أو الأتباع في أقصى ذروتها فإنها ستكون كالتالي:
6 مليارات دولار لدعم الدولة السورية
720 مليون دولار أجور ميليشيات شيعية في سوريا، (إضافة إلى النفقات العسكرية نفسها التي يصعب تقديرها).
700 مليون دولار (رقم الذروة في دعم حزب الله)
300 مليون دولار للحوثيين في اليمن
250 مليون لحماس علماً أنه قد يكون الرقم قد تراجع.
مبلغ غير معلوم لحركة الجهاد ولكن سنفترض أنه نفس مبلغ حماس رغم أنه غالباً سيكون أقل.
أما بالنسبة للحشد الشعبي وغيره من الميليشيات والقوى الموجودة في العراق، فيعتقد أن المبلغ ليس كبيراً بالنظر إلى أن العراق دولة غنية وقد أصبح الحشد الشعبي جزءا من القوى العسكرية العراقية التي تنفق عليها الدولة.
مجموع هذه الأرقام يبلغ نحو 8.22 مليار دولار، مع ملاحظة أن هذه الأرقام تمثل الذروة المحتملة لما تنفقه إيران، خاصة أن المبلغ الأكبر وهو المخصص لسوريا مرشح للانخفاض مع سيطرة النظام السوري على البلاد ودخول الروس بقوة لدعمه.
كم تمثل هذه الأموال بالنسبة لإيرادات إيران النفطية؟
وهذا المبلغ (ثمانية مليارات دولار) إذا افترض أنه صحيح يمثل نحو 16% من إيرادات النفط الإيرانية قبل أن تبدأ العقوبات الأمريكية تأثيرها العام الماضي.
إذ قال برايان هوك، الممثل الأمريكي الخاص لإيران ومستشار السياسات بوزارة الخارجية، إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران حرمت الحكومة الإيرانية أكثر من عشرة مليارات دولار من إيرادات النفط.
وأضاف: "قبل العقوبات.. كانت إيران تحقق إيرادات تصل إلى 50 مليار دولار سنوياً من النفط. نقدر أن عقوباتنا حرمت النظام بالفعل من أكثر من 10 مليارات دولار منذ مايو (2018)".
هل هذه الأموال تأتي من ميزانية الدولة أم من الخُمس الذي يُدفع لخامنئي؟
لا توجد أي شفافية في إيران بخصوص أي أموال أو ميزانيات تخص الدعم العسكرى الإيراني للجماعات الشيعية المسلحة في المنطقة، أو أي أرقام تخص تكلفة حروب فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والمختص بالحروب خارج إيران.
ولايعرف هل مصدر هذه الأموال، هل من إيرادات النفط أم أرباح المؤسسات التابعة للحرس الثوري، أم من الخمس الذي يحصل عليها خامنئي من قبل مريديه (وفقا للآراء السائدة بالمذهب الشيعي فإن كل شخص يدفع مبلغاً يسمى الخمس للمرجع الديني الذي يقلده، والمرجع يستخدم هذه الأموال في تمويل أنشطة مختلفة).
رسمياً تبلغ ميزانية الحرس الثوري 802 مليون دولار، بجانب الأموال التي يحصل عليها الحرس من المؤسسات المالية التي تخضع تحت إشراف المرشد الأعلى علي خامنئي مباشرة.
يقول الصحفي الإيراني بهزاد، المختص في شؤون الحرس الثوري: "لم تعلن الجمهورية الإسلامية في أي وقت مضى عن مصدر الأموال التي يتم تقديمها إلى تلك الجماعات، ولا توجد أي أرقام رسمية أو دقيقة، ولكن ميزانية الحكومة لا تكفي لتقديم كل تلك الأموال خاصة في وقت العقوبات".
ويضيف بهزاد لـ "عربي بوست" أن المصدر الوحيد المتوقع لتمويل تلك الجماعات هي الكيانات الاقتصادية الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري والمرشد الأعلى.
ويقول بهزاد إن لدى الحرس الثوري إمبراطورية مالية كبيرة تمتد إلى خارج إيران.
هل هناك سخط شعبي على هذه المساعدات باعتبارها من أموال الإيرانيين الذين يعانون من أزمة اقتصادية؟
في المظاهرات التي عمّت أغلب المدن الإيرانية نهاية عام 2017 وبداية عام 2018، خرج المحتجون اعتراضاً على سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ورفع البعض منهم شعارات "لا غزة، ولا لبنان، روحي فداء لإيران"، في تعبير عن الغضب الشعبي تجاه الأموال التي تقدمها المؤسسة السياسية في إيران لحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.
لكن اللافت للنظر أن المحتجين لم يرفعوا أي شعارات مناهضة للجماعات الشيعية المسلحة الأخرى الموالية لإيران في كلٍّ من سوريا والعراق.
يقول الصحفي الإيراني رامين فردوسي إنه لا يوجد استطلاع رأي مستقل وموثق بشأن رأي الشعب الإيراني فيما يتعلق بدعم طهران لجماعات مسلحة في عدد من الدول في المنطقة.
لكنه يرى أن الآراء بخصوص هذا الأمر نسبية تماماً مرهونة بالوضع الاقتصادي.
نريد أن نسحق أعداءنا في العراق وسوريا
ويوضح رامين الأمر بقوله: "هناك قطاع كبير بين أوساط الإيرانيين يرحبون بفكرة وجودة فيلق القدس التابع للحرس الثوري في سوريا والعراق، ولا يعترضون على دعم إيران للحشد الشعبي العراقي والجماعات الأخرى في سوريا من منطلق أنهم جميعاً يعملون من أجل إبعاد خطر الإرهاب عن البلاد".
ويقول رامين عندما تقدم تنظيم داعش فى العراق وأصبح قريباً من الحدود الإيرانية زادت مخاوف الناس، وبدأوا يؤمنون بضرورة محاربة إيران لتلك الأخطار خارج الحدود ومنعها من الوصول إلى داخل إيران.
وفي هذا الصدد يقول الناشط السياسي مجيد حسيني: "إن الجمهورية الإسلامية مؤمنة تمام الإيمان بأنه يجب سحق أعدائها في سوريا والعراق، بدلاً من مواجهتهم داخل إيران".
ويرى حسينى أن الشعب الإيراني بكافة أطيافه لا يرى في ذلك أي خطأ، بل من المفترض أن يشكر قادته على يقظتهم، ويبرهن على صدق كلامه باستطلاع رأي تم إجراؤه في عام 2018 على عينة عشوائية من المواطنين تقدر بنحو 200 ألف مواطن، أظهرت نتائجها أن 70% منهم يرون أن من حق إيران أن تدافع عن نفسها خارج أراضيها، ولا مانع من تمويل بعض الجماعات في الخارج لحماية الداخل الإيراني.
القوميون الإيرانيون يرون قاسم سليماني بطلاً
يقول الصحفي رامين فردوسي إنه لا شك أن القوميين الإيرانيين سعداء بتلك الفكرة، ويوجد عدد كبير من الشعب الإيراني يشعر بالأمان والفخر لأن بلده تتمتع بنفوذ في المنطقة.
فحتى الإيرانيون الذين لا يدعمون الحرس الثوري ويعترضون عليه في كثير من الأشياء، يقدرون فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني ويرون أن الفيلق هو خط الدفاع القوى لدى الإيرانيين.
يبرهن رامين على هذا الرأي بزيادة شعبية قاسم سليماني في السنوات الأخيرة فيقول: "ظل سليماني مجهولاً إلى حدٍّ ما لسنوات طويلة داخل وخارج إيران، ولكن عندما رأى الإيرانيون ما وصلت إليه العراق وسوريا من خراب ودمار، أدركوا أن الجنرال سليماني هو من حقق لهم الحماية فزادت شعبيته".
أمير هاشمي، مخرج برامج تلفزيونية يبلغ من العمر 37 عاماً، يرى أن من الضروري أن يكون لدى إيران قوة مثل قوة القدس تحميهم من أعدائهم في المنطقة، وخصّ بالذكر المملكة العربية السعودية قائلاً: "نعرف نحن الإيرانيين مقدار الكراهية التي تملكها السعودية ناحيتنا ولولا الحرس الثوري وقاسم سليماني لكانت السعودية فعلت بنا ما فعلته في اليمن".
تؤيد زهراء وجهة نظر هاشمي وتقول: "الولايات المتحدة اجتاحت العراق، وبعدها داعش ولولا قوة المؤسسة العسكرية الإيرانية، أعتقد أن داعش كانت ستصل إلى قلب طهران".
ولكن في الأزمات الاقتصادية يتغير رأي الناس
لكن الصحفي رامين ما زال يؤكد أن الأمر نسبي تماماً، فعندما يمر الناس بأزمات اقتصادية وعقوبات يتملكهم الغضب من كمية الأموال التي تدفعها إيران لتلك الجماعات في المنطقة، والعكس يحدث إذا كان الوضع الاقتصادي للبلاد جيد إلى حد ما.
ويفسر رامين ميل بعض الإيرانيين إلى دفع الأموال للجماعات الموالية لإيران في سوريا والعراق ورفضهم دعم حزب الله وحركة حماس إلى أن أغلب الإيرانيين مقتنعين بأن الأخطار القادمة من سوريا والعراق تستحق بذل كل تلك الجهود.
ولكن على الجهة المقابلة يرى الشعب الإيراني أن تمويل كلٍّ من حزب الله اللبناني وحركة حماس أمر غير مفيد للإيرانيين في شيء.
لا نؤيد إعطاء الأموال لحماس
مرضية إيرانية تبلغ من العمر 40 عاماً وتعمل في الشؤون الإدارية بإحدى الوزارات الإيرانية، تقول: "لولا الحشد الشعبي وقاسم سليماني، لكان داعش سيطر على العراق بأكمله، واقترب من حدودنا وهدد حياتنا، لكن الآن نحن بأمان ودفعنا ثمن هذا الأمان".
لكنها في نفس الوقت ترى أنه آن الأوان للتوقف عن إرسال الأموال لتلك الجماعات خارج إيران، خاصة أن الوضع الاقتصادي متدهور للغاية، فتقول: "أعتقد أن الأمور أصبحت جيدة في كلٍّ من العراق وسوريا، وزال الخطر، ونحن الآن بحاجة إلى كل ريال".
أما بالنسبة إلى علي الذى يبلغ من العمر 25 عاماً ويعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات فيرى أنه كان من الأفضل تقديم الدعم العسكري والتدريبي فقط لتلك الجماعات، وتوفير النفقات المالية لحل أزمات الشعب الإيراني، لكنه في نفس الوقت موافق على مبدأ حماية الأراضي الإيرانية من خلال خوض المعارك خارجها.
غير أنه رافض تماماً لأي دعم مالي تقدمه إيران لحركة حماس الفلسطينية.
على الجهة المقابلة ترى بهناز الطالبة الجامعية أن الأمر برمته مجرد استنزاف لثروات البلاد، فتقول: "ما جدوى حرمان الشعب من أبسط حقوقه لتحقيق نصر خارج البلاد، هل يعقل أن يحارب بلد أخطاراً وهمية خارج حدوده، وفي المقابل يقوم بتجويع شعبه".
هل تتوقف إيران عن دعم حلفائها بالمنطقة بسبب العقوبات الأمريكية؟
إحسان عسكري برلماني إيراني سابق محسوب على التيار المحافظ يقول إن "الجميع فى المنطقة يتمنون قوة ونفوذ الجمهورية الإسلامية، تلك القوة دفعت فيها إيران الغالي والنفيس، ويجب الافتخار بها".
وحول إمكانية تراجع إيران عن تمويل الحزب وحماس وغيره في ظل العقوبات خاصة أن هناك انتقادات شعبية داخلية لذلك.. يقول الباحث اللبناني قاسم قصير لـ "عربي بوست" إن هذا التمويل مرتبط بالأمن القومي ومواقف إيران في المنطقة.
ورأى أن هذا موضوع خارج النقاش إيرانياً؛ لأنه مرتبط بالأمن القومي وموجود حتى بالدستور".
الإمبراطورية تئن.. هل بدأت حلفاء إيران يشعرون بوطأة العقوبات؟
يقول الباحث اللبناني المتخصص في الحركات الإسلامية قاسم قصير إن الحزب بدأ بالفعل تقشفاً مالياً بسبب العقوبات، مشيراً إلى أن هناك جهوداً تبذل من أجل تأمين استمرار تصدير النفط بالتعاون مع العراق وتركيا والصين وروسيا.
وقال إن حزب الله أعاد ترتيب أموره وفي حال تصاعدت التطورات الحزب وإيران مستعدان للمواجهة، وإن كان الجميع لا يريد الحرب.
وتوقع ألا تغير إيران سياستها وألا تخضع للضغوط الأمريكية لتغيير سياستها.
وقال قصير إن الحزب عمد إلى التقشف وترتيب النفقات وإعادة الانتشار في سوريا، وضبط الأوضاع الداخلية.
ويتوقع الباحث اللبناني على الأمين أن يكون للعقوبات الأمريكية تأثير على حلفاء إيران وأدواتها لا سيما في لبنان وسوريا، التي تنال نصيباً كبيراً من الدعم الإيراني، وكذلك النظام السوري.
إعادة انتشار في سوريا.. هل تتراجع قدرة حزب الله العسكرية جراء العقوبات؟
الأوضاع العسكرية مؤمنة والتقشف لن يؤثر على النواحي العسكرية، حسب يرى قاسم قصير.
وأشار إلى أن الحزب نفذ إعادة انتشار وسحب لبعض القوات من سوريا بعد التقدم الذي تحقق بالنسبة للنظام وحلفاؤه خلال الفترة الأخيرة.
لكن في المقابل يرى على الأمين أنه على المدى البعيد ستتراجع قدرة حزب الله أو كفاءته؛ لأن الأيديولوجيا تنفع ولكن ليست كافية وحدها، ولكن المال عنصر أساسي في حركة حزب الله وإيران من دون أن نقلل من الشأن الأيديولوجي.
مصدر لبناني متخصص في الشأن العسكري ومطلع على قدرات حزب الله، لفت إلى هناك نقطة تجعل تأثر حزب الله العسكري محدوداً جراء العقوبات، وهو أن الحزب بالأصل لا يمتلك عدداً كبيراً من القوات.
وقال المصدر لـ "عربي بوست" إنه في معظم حروب حزب الله مثل عدوان يوليو/تموز 2006 والحرب السورية يعتمد الحزب على نخبة قواته بالأساس التي تتسم بتدريب وتسليح جيدين، ولكنها قليلة العدد، إذ لا تتخطى بضعة آلاف، ورغم ارتفاع تكلفة تسليح الفرد فيها لاعتمادها على أسلحة متطورة، فإن التكلفة الإجمالية تظل قليلة بسبب قلة أعداد هذه الوحدات النخبوية التي يعتمد عليها الحزب.
هل هناك بدائل للتمويل الإيراني؟
ليست هذه أول مرة تفرض عقوبات على إيران أو حلفائها، ولذلك فإن أزمة التمويل هذه ليست الأولى.
بالنسبة لحزب الله، يقول قاسم قصير إن مؤسسات الحزب لا تزال تعمل، لافتاً إلى أن الحزب لديه مؤسسات منتجة كثيرة.
ويقول علي الأمين إن حزب الله عنده نفوذه وسلطة وسيطرة على المرافق بلبنان، وهو قوة عسكرية موجودة على الحدود وهذا يوفر إمكانية لتوفير بدائل مالية ولكن ليس إلى الحد الذي يمكن أن يكون كافياً لتعويض النقص في التمويل الإيراني.
وأضاف أنه في ظل هذه الضغوط يمكن أن يحاول إيجاد موارد بديلة عبر أعمال غير شرعية، وأعمال تهريب أو صفقات ما، ولكن كل هذا سيؤدي إلى إيجاد بديل ولكن لن يعوض كل التمويل الإيراني.
وحول قدرة شبكات الحزب المالية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية على تعويضه.. يقول الأمين إنها يمكن أن توفر للحزب قدرة على الصمود لفترة، ولكن إذا استمرت العقوبات ستضيق الخناق، وستجعل الكثيرين من المحيطين بحزب الله يبتعدون عنه لأن العلاقة أصبحت مكلفة.
وأردف قائلاً: "كثير من الجهات علاقتهم مع حزب الله ناتجة عن مصالح معينة، لو وجد هؤلاء أن العلاقة مع الحزب الله أصبحت غير مربحة، سيبحثون خيارات أخرى".
وأضاف: "هذه الشبكات مهما بلغت من الأهمية لا تستطيع أن توفر موارد بديلة في ظل موجة عقوبات ليست سهلة كما يبدو من مؤشراتها حتى الآن".
العيش على دماء الخصوم والمحيط
أحد الخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها بعض حلفاء إيران وأذرعها لتعويض نقص التمويل هو الاعتماد على تحصيل الأموال بالقوة من المحيط أو تحديداً، الخصوم.
فبما أن هذه القوى تتواجد في بيئات منقسمة بشدة بين الولاء لها (أنصارها المذهبيين) وبين العداء لها (المحيط السني) فقد تلجأ لتعويض النقص من المحيط المعادي باعتبار أن هذا المحيط يتخذ أصلاً موقفا سلبياً.
وفي الحالة اللبنانية، ليست هناك سوابق لحزب الله في القيام بذلك، وإن كان حدث بعض التجاوزات من قبل حركة أمل خلال الحرب الأهلية خاصة تجاه السنة والمسيحيين، حسبما قالت مصادر لبنانية لـ "عربي بوست".
أما حزب الله، بحسب ما قال مصدر لبناني، فعندما سبق أن واجه أزمة مالية عام 2013 قام بالضغط على رجال أعمال شيعة للتبرع للأسر والجهات المعوزة التي كان الحزب ينفق عليها ثم اضطر لتخفيض مخصصاتها.
أما الجهة التي لديها تاريخ أوضح في محاول اقتناص المال من الخصوم فهي الحوثيون.
إذ نقلت تقارير إعلامية عن الأمم المتحدة اتهامها لهم بنهب قوافل إغاثية، كما قيل إنهم صادروا أموال أعضاء من عائلة حليفهم الذي انقلب عليهم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
وقال تقرير أممي إن الحوثيين "يجمعون الضرائب ويبتزون الشركات ويستولون على الأصول باسم المجهود الحربي".
ووصل الأمر إلى أن اتهامات وُجّهت للحوثيين بالاستيلاء على أموال مخصصة للمعلمين.