معتمداً على دعم المملكة العربية السعودية، مضى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعزيز العقوبات على إيران، ولكن هل يتضرر ترامب من العقوبات التي فرضها على إيران؟ وهل تخضع الرياض حقاً لرغباته كما يتوقع.
تتحرَّك الولايات المتحدة الأمريكية لخدمة المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بإيران. ومع ذلك، على عكس العام الماضي، تعتزم الرياض اتَّباع نهج الثقة مع الولايات المتحدة، لكن مع التحقّق من مدى صرامة التزام واشنطن بتطبيق العقوبات بمجرد انتهاء فترة استثناءات شراء النفط الإيراني في الثاني من مايو/أيَّار المقبل.
لذا، يتوقَّع أن يكون السوق النفطي محدود العرض هذا الصيف، ومزيجاً متقلّباً من القوى المتناقضة فيما تنتجه صوب عام 2020، عام انتخابات الرئاسة الأمريكية، حسب تقديرات ليام دينينغ، الكاتب بمجال التعدين والطاقة، في مقال كتبه بموقع وكالة Bloomberg الأمريكية.
الصفقة الضمنية بين السعودية وترامب
يقول دينينغ أتذكّر أنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن، منذ عام تقريباً، رغبته في الانسحاب من الاتفاق النووي، المبرم مع طهران في عام 2015. أثار هذا الإعلان ارتفاعاً في أسعار النفط قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ومن ثمَّ، نشر البيت الأبيض سلسلة تغريدات على موقع تويتر، تطالب دولاً مثل السعودية بالتحرك وتهدئة توترات السوق بضخ مزيد من النفط.
كانت الصفقة الضمنية في ذلك الوقت تتمثَّل في أنَّ الولايات المتحدة تضغط بقوة على ألدّ أعداء السعودية، إيران، في المقابل تحتاج السعودية لأن تضطلع بمسؤولية بتعويض إمدادات النفط الإيراني في السوق.
وهو ما حدث بالفعل، إذ أضاف البلد أكثر من مليون برميل يومياً من الإنتاج الإضافي من النفط الخام بين شهري مايو/أيَّار ونوفمبر/تشرين الثاني.
إنه يخشى على مصالح مؤيديه من السائقين الفقراء
ثم واجهت الرياض مشكلة: هؤلاء الأمريكيون جامحون ولا يمكن الوثوق بهم. كان ترامب قلقاً للغاية بشأن تأثير ارتفاع أسعار النفط على الناخبين أصحاب الدخول المنخفضة، لكنَّهم يقودون لمسافات طويلة في الولايات الحمراء. (يقصد بالولايات الحمراء، الولايات المؤيدة للجمهوريين، وكثير منها ذات مساحات كبيرة ومستوى دخل غير مرتفع، مما يجعل مواطنيها أكثر تأثراً بزيادة أسعار الوقود).
لذا تخلَّى ترامب عن صفقته مع السعودية عن طريق إصدار استثناءات من العقوبات على إيران، وهي الاستثناءات التي يعتزم إنهاءها الآن.
وشركات النفط تراجعت عن تعهداتها وبدأت تنافس السعوديين
في الوقت نفسه، قاد ارتفاع أسعار النفط العام الماضي شركات الحفر والتنقيب الأمريكية التراجع عن تعهداتها هي الأخرى، لتتجاوز ميزانية نفقات رأس المال لتحقيق طفرة في الإنتاج.
وهو الأمر الذي يقلق السعوديين بطبيعة الحال، لأنه يعني أن هذا النفط الجديد سينافسهم في الأسواق.
ومن ثمَّ، لا ينبغي لنا توقّع أن تتخذ السعودية إعلان ترامب صباح يوم الإثنين 22 أبريل/نيسان، باعتباره إشارة لبدء ضخ زيادة استباقية أخرى في الإمدادت.
من الناحية النظرية، يمكن أن تضيف المملكة ما يقرب من 500 ألف برميل يومياً، دون أن تخترق المستوى المتفق عليه مع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وشركائها في ديسمبر/كانون الأول. ربما يعادل هذا نصف الصادرات الإيرانية، التي تبدو الآن معرضة لخطر الخروج من السوق.
لكن بعد القرار الأمريكي المراوغ بمنح استثناءات مؤقتة عام 2018، يبدو من المرجح أكثر أن السعودية ستنتظر لترى ماذا سيحدث مع التدفقات والمخزونات والأسعار الحالية قبل اتخاذ خطوة كبيرة.
ولذا السعودية قد لا تستجيب لدعوة ترامب لزيادة الإنتاج
ويشير تصريح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، خالد بن عبدالعزيز الفالح، يوم الإثنين، بأنَّ السعودية "تراقب عن كثب الوضع وستنسّق مع الآخرين، لتضمن عدم اختلال توازن سوق النفط العالمي"، إلى اتَّباع المملكة مثل هذا النهج الحذر.
يأتي هذا الحذر في مرحلة حرجة. زاد خطر حدوث انخفاض مفاجئ في إنتاج النفط الليبي، الذي وصل إلى 1,1 مليون برميل يومياً، في مارس/آذار، مقابل 600 ألف برميل يومياً في العام السابق، وسط تجدُّد لأحداث العنف.
وشهد أيضاً إنتاج النفط الفنزويلي مزيداً من الانخفاض هذا العام، وتواجه البلاد أيضاً احتمالية تشديد العقوبات الأمريكية في غضون أسبوع. كذلك، لا يفصلنا سوى شهر بالكاد عن بداية الزيادة الموسمية التقليدية في الطلب الأمريكي على البنزين.
في الوقت نفسه، قد تؤدي اللوائح التنظيمية الجديدة بشأن الوقود البحري، في وقت لاحق من هذا العام، إلى مزيد من الاضطراب وتزيد الضغط على أسعار النفط. قفز سعر خام برنت 3% أخرى صباح يوم الإثنين، وبذلك يكون قد ارتفع 37% حتى الآن هذا العام.
لأن زيادة الأسعار تعوض عن خسائر الحروب وتداعيات أزمة خاشقجي
لا تمتلك السعودية حافزاً كبيراً لوقف ذلك الآن. وكما أوضح محللون في شركة IHS Markit في تقرير في وقتٍ سابق من هذا الشهر، فالجهود المبذولة لدعم الأسعار منذ أوائل عام 2017 قد خففت العجز في إمدادات النفط، وأوقفت الانخفاض في احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، التي لم يتم تعويضها.
تكبّدت السعودية تكاليف باهظة بسبب خوض الحروب ومحاولات تخفيف التوترات والخلافات الحتمية الناجمة عن جهود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإصلاح الاقتصاد، بالإضافة إلى الضرر الذي لحق بتدفقات الاستثمارات الأجنبية بسبب قضية خاشقجي.
وكما تبيَّن من حملة جمع الأموال من الأمراء المحتجزين بتهم الفساد في فندق ريتز كارلتون، إلى جانب طرح شراء سندات بشركة النفط السعودية العملاقة أرامكو، والاتفاق على شراء حصة الدولة في الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، أنَّه قد لا تكون هناك مشكلة في توافر المال، ومع ذلك، ثمة ترحيب بكل دولار إضافي يدخل إلى السعودية.
ولذا هي تفضل الإبقاء على الوضع الحالي
مع ذلك، تسير السعودية حالياً على حبلٍ دقيق لتُوازن بين مختلف الأمور، وسيزداد الأمر صعوبة خلال الفترة المتبقية من هذا العام. بالطبع، ثمة حاجة عالمية للنفط ينبغي أخذها بعين الاعتبار ولا يبدو استهلاك الوقود قوياً كما هو.
وهناك أيضاً طموحات الرئيس الأمريكي، الذي أعرب عن ثقته في حليفته عبر طريقته المعتادة صباح الإثنين.
إذ قال ترامب في تغريدة على تويتر: "السعودية وغيرها من دول منظمة أوبك ستعوض، بل وستزيد، الفارق في تدفق النفط الناجم عن فرض العقوبات الكاملة على النفط الإيراني". لكن بعد إجراء الاستثناءات المفاجئ عام 2018، ستخضع ثقته وإيمانه للاختبار فيما يتعلق بهذا الشأن.
يواجه مأزقاً إذا لم تستجب السعودية لطلبه.. هل يتضرر ترامب من العقوبات التي فرضها على إيران؟
فإذا ارتفعت أسعار البنزين هذا الصيف، التي تقترب بالفعل من 3 دولارات للغالون الواحد في المتوسط، سيزداد قلق ترامب حيال حملته للترشح في انتخابات 2020، وستزداد أيضاً احتمالية تدخله في السوق.
توجد معظم الشركات الأمريكية الأخرى، التي يجب على السعودية الحذر بشأنها، في تكساس. وتُعتبر الأرباح الناجمة عن التحوّلات الجيوسياسية بشأن النفط مكسباً غير متوقع لشركات الحفر والتنقيب.
والسؤال الأهم هو ما إذا كانت تلك الشركات ستستجيب لارتفاع الأسعار في عام 2019 بالطريقة نفسها التي اتبعتها عام 2018 (أي الاستثمار في زيادة الإنتاج الأمر الذي أغضب السعوديين).
يقول الكاتب: "ثمة أسباب وجيهة للاعتقاد بأنهم سيكونون أكثر حذراً هذه المرة".
فقد أوضح مستثمرون عدم تأثّرهم بتحويل انتعاش سوق النفط إلى استكشاف مزيد من الآبار بدلاً من الأموال النقدية. ومن شأن هذا أن يخفف من الغرائز الطبيعية لدى قطاع الاستكشاف والإنتاج.
ومع ذلك، أدَّى ارتفاع سعر النفط صباح الإثنين 22 إبريل/نيسان 2019 إلى صعود أسهم العديد من شركات الاستكشاف والإنتاج، لاسيما تلك الموجودة في وضع أكثر خطورة، مثل شركة Denbury Resources، وشركة California Resources، وشركة Chesapeake Energy. وفي الوقت نفسه، ارتفعت عقود مبادلة النفط ببورصة نيويورك التجارية لعام 2020 إلى 61 دولاراً، وكسر من الدولار، وهو بالضبط تقريباً المستوى الذي كانت عليه عقود مبادلة 2019 في هذا الوقت نفسه من السنة.
السعودية لن تقاوم ارتفاع الأسعار كثيراً
وفي حال استمرت تلك الأسعار الأطول أجلاً في الارتفاع، سيستفيد منتجو النفط الصخري من تثبيت السعر ووضع أهداف إنتاجية أعلى في عام 2020، وهم يعدون أهم منافسي السعودية.
لن يسابق أي من خيالة السعودية الزمن لمنع ارتفاع الأسعار، وتحمل أخبار أمس الإثنين مكافآت للمملكة من حيث الدخل والجيوسياسة، حسب وصف الكاتب.
لكن مع مرور السنة ببطء، ستعيد معضلة السعودية الأساسية فرض نفسها.
فهي دولة ذات اقتصاد يعتمد على النفط في ظل جوارٍ سيئ، وبالتالي لا بد أن تُعظِّم عائداتها إلى أقصى درجة فيما تسترضي حليفها المُتقلِّب (الولايات المتحدة)، الذي يصادف الآن أنَّه أكبر مصدر لإمدادات النفط الهامشية المنافسة.
فلم تعد أمريكا أكبر راع للسعودية فقط، بل أيضاً أخطر منافسيها.