لسنوات ظلَّ رئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد أويحيى العقل المحرك للحكم على مدى عشرين عاماً من حكم بوتفليقة، والآن لا يواجه أويحيى غضبة الشارع وتحقيقات القضاء، ولكن أيضاً يواجه ثورة داخلية تطالب بإقالته من حزبه التي تزعَّمه لعقود.
يوصف حزب التجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي)، الذي يتزعمه أويحيى، بأنه الحزب الوصيف، باعتباره كان شريكاً لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لمدة عشرين عاماً من حكم بوتفليقة.
القيادي والناطق الرسمي السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب، كشف في حوار مع "عربي بوست"، عن التطورات الكبيرة التي يشهدها الحزب نتيجة الحراك الشعبي، وكذلك الدور الذي قام به أويحيى في السنوات الأخيرة بعد مرض الرئيس، وهو الدور الذي جعله ينال نصيباً كبيراً من الغضب الشعبي.
وجاء هذا الحوار بعد بعدما قرَّر صديق شهاب وعدد لا بأس به من أعضاء الحزب إنقاذ ما تبقَّى من هذا الهيكل السياسي، والخروج عن طاعة أمين حزبهم أحمد أويحيى، الذي يواجه رفضاً شعبياً من قبل المسيرات التسع الشعبية السابقة.
الحراك سبَّب لنا الألم وأيضاً التفاؤل
الحراك الشعبي في الجزائر يحمل دلالات الألم والأمل في نفس الوقت، حسب القيادي في حزب أويحيى.
إذ يقول المتحدث "الألم جاء نتيجة الحسرة والأسف لما وصلت إليه الجزائر من أزمة اقتصادية وتراجع في النمو وفقدان للثقة بين الشعب والسلطة، بعدما ظنت الأحزاب المشاركة في الحكم أنها صنعت استراتيجية صحيحة للازدهار والتقدم".
"أما صور التفاؤل والأمل فتترجمها المسيرات الأخيرة التي عكست الوجه الحضاري الكبير والسلمي للشباب في مختلف أنحاء الوطن، وهي بمثابة الانطلاق بالجزائر إلى مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر، وكشفت الكثير من خبايا الحكم، وأعطت للعالم درساً في الوعي والإحساس الراقي بالوطنية، وجعلت الكل يتفاءل بغد مشرق وأفضل".
مسيرات الشعب حرَّرت الجميع بما فيها الأحزاب
صديق يعتبر التصريحات التي أدلى بها لـ "عربي بوست"، ثمرة من ثمار الحرية التي أوصلهم إليها الشعب.
وقال شهاب في هذه الزاوية: "المسيرات الشعبية الجزائرية الأخيرة حرَّرت الجميع في البلد، بما فيها التلفزيون الرسمي ووكالة الأنباء الرسمية، دون نسيان الصحافة الأخرى من إذاعات وتلفزيونات وجرائد كانت من القطاع العام أو الخاص.
وأضاف "أن المسيرات بدأت تُحقق هدف استقلالية القضاء وتحرير العدالة من قبضة مجموعة معينة، ومن ثمار الحراك أيضاً كونه حرَّر الأحزاب وكشف أخطاءها، فهذه التصريحات ما كانت لتكون لولا الحراك الشعبي".
"وسيحدث التغيير أيضاً داخل الأحزاب"
ومن ثمار الاحتجاجات الشعبية السلمية في الجزائر "أنها لن تكتفي بإحداث تغيير رأس السلطة واجتثاث نظام بوتفليقة المنتهي، لكنها ستمتد لتشمل عدداً من القطاعات والمجالات، ومن بينها إحداث التغيير داخل الأحزاب وإعادة بناء الخريطة السياسية، حسبما يرى شهاب.
إذ يقول عن حزب الأرندي (التجمع الوطني الديمقراطي)، الذي ينتمي إليه، هناك تحركات كبيرة لهيكلته مجدداً وإعادة الحزب إلى جذوره الحقيقية، وهي الشعب الذي يستمد منه قوته".
"أخطأنا وكنا نظن أننا على صواب"
اعترف صديق شهاب بالأخطاء التي وقع فيها الحزب في فترة حكم الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.
ويقول: "أكبر هذه الأخطاء أننا كقياديين سمحنا للسلطة بأن تسطو على الحزب، فابتعد بشكل ما عن الطبقة الشعبية، التي تعد مصدر قوة الحكم والأحزاب معاً".
وأضاف: "كنا نظن أننا نخدم أجندات تسعى لتنمي البلد بعيداً عن الأزمات والمشاكل، وكنا نؤمن بأن البرامج التي نطرحها قادرة على إخراج البلد من دائرة التخلف والتبعية.
وقال لقد آمنا بأفكار السلطة باعتبارنا كنا جزءاً من فلكها، إلى أن أيقظنا الشعب بداية من 22 فبراير/شباط 2019، ليقول لنا إنكم كنتم تلعبون بالبلد، وتعملون لتخريب الوطن، فتيقَّننا بأننا كنا في الطريق الخطأ ونعترف بذلك".
أحمد أويحيى خدعنا وخدع الشعب والجزائر"
الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، الذي شغل مناصب حساسة على مدى فترة حكم الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، وآخرها منصب رئيس الوزراء، كان في نظر الناطق الرسمي السابق له صديق شهاب "يخادع الحزب، والشعب، والبلد على حدٍّ سواء.
إذ يقول "أويحيى خدعنا بعدما أوهمنا بأنه محنك ونزيه، فتأكدنا بأنه عكس ذلك".
وأضاف: "لقد كان يقدم نفسه على أنه مثال للوطنية وحب الشعب، فتبيَّن أنه عكس ذلك تماماً".
وأردف قائلاً: "هذا الرجل هو جزء من حكم العصابة التي دفعت الشعب الجزائري للخروج في مسيرات سلمية أسطورية".
"خان الحزب والوطن وكان على علم بالاجتماعات السرية للعصابة"
"أويحيى عميل"، هكذا نقلت بعض الصحف الجزائرية عن صديق شهاب.
ويفسر شهاب لـ "عربي بوست" هذا التصريح قائلاً: "كان هذا تأويلاً خاطئاً من قبل بعض الجرائد الجزائرية".
وأضاف: "ما كنت أقصده هو أن أحمد أويحيى باستراتيجيته، وتعامله الزائد مع العصابة، خان الحزب بجرِّه إلى دائرة لا تخدمه، وخان الوطن أيضاً بعمله لأجندات مشبوهة وقد تكون خارجية".
وتابع قائلاً: "لم أكن على علم بمشاركة هذا الرجل في الاجتماعات السرية التي تحدث عنها مؤخراً قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح، ولكني متأكد بأن أحمد أويحيى على الأقل كان على علم بكل ما يحدث في تلك الاجتماعات، لأنه الناطق الرسمي باسم العصابة التي كانت تحكم البلاد.
وأضاف قائلاً "إنه المرآة التي تأتي في واجهة هذه الجماعة وفي كل مخططاتها".
الأخطر أنه كان المهندس للعديد من الرسائل التي كانت تنسب لبوتفليقة
البيانات المتتالية للأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي في الفترة الأخيرة، يعتبرها صديق شهاب "بيانات بلا روح، لأن الشعب ردَّ عليه وبصوت الملايين (ارحل).
وقال: "باتت هذه البيانات بكل ما تحتويها من معلومات عديمة الفائدة والهدف، باعتبار أن الشعب استفتى علناً برفضه لسياسة هذا الرجل، وأسلوب أويحيى في مثل هذه البيانات مستمد من سياسته من رسائل الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة".
وأردف قائلاً: "إن أويحيى كتب في الفترة الأخيرة عدداً من تلك الرسائل التي كانت تنسب للرئيس المريض الغائب في الفترة الأخيرة، بأمر من القوى غير الدستورية التي كانت تحكم الجزائر".
وأضاف أن الرسائل التي لم يكتبها هو، قد يكون على علم ببرمجتها وفحواها لأنه كان الناطق الرسمي لتلك القوى غير القانونية"، حسب قول صديق.
أنا صاحب مصطلح "القوى غير الدستورية"
من المصطلحات السياسية الأكثر تداولاً في الجزائر منذ انطلاق المسيرات الشعبية في 22 فبراير/شباط 2019، مصطلح القوى غير الدستورية، وهو مصطلح يطلق على القوى التي كانت تحكم الجزائر في فترة مرض الرئيس، بحيث تصدر القرارات والتغييرات والرسائل وجملة من القوانين والمراسيم بطريقة غير قانونية.
ويقول صديق شهاب: "كنت أول من ذكر هذا المصطلح، ووصفت به حينها المستثمرين مرض الرئيس خارج الأطر الدستورية والقانونية".
وانتشر أيضاً في الجزائر مصطلح العصابة، في وصف رموز النظام البوتفليقي.
وقال شهاب: "هذا المصطلح من إبداع الشباب في الجزائر، ويعكس ذكاء الشعب الجزائري في توظيف المصطلحات في مثل هذه المحطات، دون نسيان مصطلح الثورة المضادة، وتتنحاو قاع (ترحلون جميعاً)".
"السواد الأعظم من الحزب يرفضون أويحيى"
في المقابل، اتّهم الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، ناطقه الرسمي سابقاً صديق شهاب، بمحاولة الانقلاب على قيادات الحزب وأمينه العام، بالاعتماد على أطراف خارج الحزب.
صديق شهاب لم يقبل هذا الاتهام، وقال لـ "عربي بوست": "بيانات أويحيى يعرف الجميع عدم مصداقيتها، خاصة مع قرار الشعب برحيله، والكل يعلم أن هذا الرجل يراوغ، وبالتالي أنا أقول إن السواد الأعظم من مناضلي الحزب، وما يزيد عن 1600 عضو يرفعون يدهم عن الأمين العام أحمد أويحيى، ويطالبون باستقالته من رئاسة التجمع الوطني الديمقراطي".
نأسف لانتهاء مسار الرجل بالمتابعة القضائية
حوار "عربي بوست" مع القيادي شهاب صديق، تزامن مع استدعاء هيئة محكمة سيدي محمد بالعاصمة الجزائرية الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى للتحقيق معه في ملفات الفساد وتبديد المال العام، برفقة وزير المالية الحالي ومحافظ بنك الجزائر الأسبق.
وقال شهاب في هذه النقطة: "نأسف لهذه الخطوة التي ستسيء للحزب بقدر إساءتها لشخص أحمد أويحيى، الذي أنهى مساره السياسي بالمتابعة القضائية، ولَطالما نصحنا وحذرنا هذا الرجل من سياسته ومعاملاته، لكنه لم يكن يسمع لإطارات حزبه، وانقادَ وراء علاقاته مع السلطة وقراراتها.
واعتبر صديق أن المتابعة القضائية لأحمد أويحيى هي من ثمار الحراك الشعبي، الذي دعا إلى تحرير القضاء والعدالة، والذي لن يتوانى لاحقاً عن متابعة أي مسؤول متورّط في أية قضية".
"الأرندي سيكون معارضاً ولا نستبعد التواصل مع أحزاب المعارضة"
لا يستبعد صديق شهاب أن يتحول حزب التجمع الوطني الديمقراطي من حزب السلطة إلى حزب معارض أمام كل التطورات.
وقال شهاب: "الحراك الشعبي سيفرز خريطة سياسية جديدة، وسيكون فيها حزب الأرندي وجهاً معارضاً للسياسة الحالية، وسيعود إلى حضن الشعب الذي سيستمِد منه قوته".
وأضاف قائلاً: "لا أرى أي مانع من المشاركة في أي مبادرة تكون أحزاب المعارضة طرفاً فيها، للوصول إلى حل للأزمة التي تعيشها الجزائر".
"إن كنا قد تأخرنا فالشعب كذلك تأخر"
انتقد صديق شهاب عدداً من الشخصيات السياسية التي تسعى إلى تشويه الحزب وتنفير الشعب عنه.
وقال "الأرندي ليس مرفوضاً كما تروّج بعض الأطراف والأحزاب السياسية، كما أن الحزب لم يركب الموجة، بل ما حدث له كان نتيجة ما تعيشه الجزائر إلى أن حررها الشعب في المسيرات الأخيرة".
وردَّ على على الذين يقولون إن هذه التصريحات والمواقف جاءت متأخرة قائلاً: "نعم لقد تأخرنا، وكذلك الشعب الجزائري تأخر في الاستيقاظ"، حسب تعبيره.
وأضاف: "نحن نعترف بأن الشعب الجزائري أفاقنا من سباتنا، والأهم أن نسعى الآن إلى بناء الجزائر الراقية والمتقدمة".
رغم ما حدث بوتفليقة رجل مبادئ.. وأطراف حطَّمت مشروعه للمصالحة
وقال صديق شهاب: "إن حزب الأرندي استقبل بارتياح كبير استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، نزولاً عند رغبة الشعب الجزائري، وهي أحد الحلول التي كانت تنتظرها الطبقة الشعبية والسياسية".
وأضاف: "إنه ورغم كل ما قيل ويقال فبوتفليقة يبقى رجلاً ذا مواقف، سواء أكان خلال حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، أو من خلال مسيرة البناء والتشييد، بداية من مشروع المصالحة الوطنية الذي أرسى الاستقرار والسلام في الجزائر. ورأى أن مشروع المصالحة بقي مبتوراً بتعمّد بعض الأشخاص الذين حصروا المشروع في الشق الأمني له فقط، رغم أن المشروع كان يحمل آفاقاً اجتماعية واقتصادية وثقافية راقية، وانتهت بانتهاء الأزمة الأمنية خلال العشرية السوداء".