عقوبات أمريكا على إيران آتت ثمارها في سوريا ولبنان، لكن رغم ذلك طهران لديها مَنفذ

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/29 الساعة 17:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
أكثر من 300 ألف اسم قد جرى تحديدهم ممن يتعين عليهم الخدمة في الجيش السوري

قالت صحيفة New York Times الأمريكية إن الميليشيات السورية التي تُموِّلها إيران شهدت انخفاضاً في أجورها. وتأجَّلت المشاريع التي وعدت بها إيران لمساعدة الاقتصاد السوري المُتعثِّر، لدرجة أن موظفي حزب الله، أقرب حلفاء إيران العرب منذ زمنٍ بعيد، يقولون إنهم لم يحصلوا على رواتبهم وفقدوا بعضالمزايا.

ويبدو أن الأزمة المالية الإيرانية، التي تفاقمت نتيجة العقوبات الأمريكية، تُقوِّض دعم البلاد للجماعات المُسلَّحة والحلفاء السياسيين الذين يُعزِّزون النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، وغيرها من الدول.

وقال مُقاتلٌ بإحدى الميليشيات التي تدعمها إيران في سوريا، والذي فقدَ ثُلثَ راتبه وعدداً من المزايا مُؤخراً: "لقد ولَّت الأيام الذهبية إلى غير رجعة. لا تمتلك إيران أموالاً كافيةً لدفع رواتبنا".

وتظهر آثار الضغوط المالية على حلفاء إيران في أرجاء الشرق الأوسط كافة.

الصعوبات تطول جميع الحلفاء

وربما تعكس تلك الضغوط تأثير النزاع المسلح المطول في سوريا والعراق، إذ يُرسِلُ حزب الله، الذي ركَّز موارده في السابق على مواجهة إسرائيل بطول الحدود الجنوبية اللبنانية، مُقاتليه وأسلحته إلى سوريا منذ سنوات. وساعد المقاتلون الشيعة الذين تقودهم إيران في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إثر اجتياح التنظيم أجزاءً من العراق قبل خمس سنوات، بحسب الصحيفة الأمريكية.

لكن حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أقرَّ بالصعوبات الناجمة عن العقوبات الأمريكية وانتقدها الشهر الجاري (مارس/آذار 2019)، بوصفها "شكلاً من أشكال الحرب"، ودعا ذراع جمع الأموال في الجماعة إلى "إتاحة فرصة الجهاد بالمال، والمساعدة في هذه المعركة المستمرة".

وتقول إدارة ترامب إن هذه الضغوط تُظهِرُ فاعلية العقوبات. وسعت الإدارة إلى تكثيف الضغط، الثلاثاء 26 مارس/آذار 2019، بإدراج 25 شخصاً، شاركوا فيما وصفته وزارة الخزانة بالمخطط الضخم لتداول العملات، على القائمة السوداء. وأضافت الوزارة أن ذلك المُخطَّط أسفر عن

توصيل أكثر من مليار دولار أمريكي إلى العمليات العسكرية الإيرانية في المنطقة.

وقال مايك بومبيو، وزير الخارجية، خلال زيارته لبنان الأسبوع الماضي: "ضغطُنا على إيران بسيط، إذ يهدف إلى قطع التمويل عن الإرهابيين. وهو ضغطٌ فعَّال".

لكن المُحلِّلين يُشكِّكون في أن تغييراً سيطرأ على سلوك تلك الجماعات، قليلة التكلفة نسبياً، نتيجة خفض التمويل، إذ ستظل مُلتزمةً أيديولوجياً الأجندة الإيرانية، ويُمكنها الترويج لها عن طريق السياسات المحلية بطُرُقٍ تُكافح الولايات المتحدة من أجل إحباطها، بحسب الصحيفة الأمريكة.

واعتمدت إيران طويلاً على علاقاتها مع الجماعات في مختلف أرجاء الشرق الأوسط لتعزيز نفوذها، مثل رعايتها حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية بالعراق وسوريا وحركتي حماس والجهاد الإسلامي المُسلَّحتين في فلسطين، والمُعارضين الحوثيين في اليمن.

ويتفاوت حجم الدعم الإيراني لتلك الجماعات، لكن تلك الاستراتيجية سمحت لها ببسط سُلطتها خارج حدودها، والتصدِّي للولايات المتحدة، وإزعاج المملكة العربية السعودية، وتهديد إسرائيل.

وأعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق إيران النووي العام الماضي (2018)، وأعاد فرض العقوبات؛ أملاً في تقويض قدرة إيران على تمويل شبكة تحالفاتها.

سرية الشبكة تخفي كثيراً من الأسرار

وبحسب الصحيفة الأمريكية، من الصعب تحديد حجم الضغط على تلك الشبكة نتيجة سرية الدعم الإيراني وعدم حديث المستفيدين من ذلك التمويل عن مصادر أموالهم وإنفاقهم. لكن اللقاءات التي أُجرِيَت مع المقاتلين والمسؤولين والمُحلِّلين المهتمين بالمسألة كشفت حجم العبء الاقتصادي.

وقدَّمت إيران مُساعداتٍ ماليةً كبيرةً إلى النظام السوري في بداية الصراع، لكنها عجزت مؤخراً عن الوفاء بتعهداتها المُتمثِّلة في إنشاء محطة كهرباءٍ جديدةٍ شمال غربي البلاد، وتوفير تسهيلاتٍ ائتمانيةٍ لمساعدة سوريا على استيراد البضائع الأساسية.

وقال جهاد يازجي، مُحرِّر موقع Syria Report الاقتصادي: "التمويل الجديد من إيران سيكون ذا أهميةٍ بالغةٍ، بالنظر إلى الوضع المالي داخل سوريا، لكن يبدو أن إيران لم تَعُد قادرةً على توفير ذلك الآن"، بحسب الصحيفة الأمريكية.

ويقول مقاتلو الميليشيات الشيعية والفصائل الفلسطينية داخل سوريا إن رواتبهم انخفضت، وإن عائلاتهم طُرِدَت من المنازل المُدَعَّمة. ويقول البعض إن جودة الطعام الذي يحصلون عليه انخفضت، مع كميةٍ أقل من اللحوم وبطاطس أكثر.

وقال مُقاتلٌ مُخضرمٌ في حزب الله إنه لم يحصل هو وزملاؤه على راتبه عن شهر يناير/كانون الثاني 2019، وحصلوا على رواتبهم الأساسية فقط في شهر فبراير/شباط 2019، دون الحصول على المكافآت والعلاوات المعتادة للزوجات والأبناء. ولم يحصلوا على المميزات الأخرى أيضاً مثل

التنقلات داخل لبنان وسكن بعض المسؤولين والمكافآت التي تُصرَف عن العمل خارج لبنان.

وقال المقاتل إن تلك الضغوط المالية لن تُبعِدَ الأعضاء عن الحركة، لكنه أقرَّ بأنها تزيد الأعباء على الأُسَرِ التي تفتقر إلى مصدر دخلٍ آخر. وأضاف، مشترطاً عدم الكشف عن هويته على غرار من تحدَّثنا معهم في هذا التقرير، لأنه غير مُخوَّل له الحديث إلى الصحفيين: "نحن لا ننضم إلى حزب الله من أجل المال. نحن نُضحي بدمائنا وأرواحنا لأننا نُؤمن ولكن كيف سنقاتل وعائلاتنا في الشارع؟!".

وقال مُوظَّفٌ آخر في حزب الله للصحيفة الأمريكية، إن راتبه انخفض إلى النصف، وإن المسؤولين أصبحوا مضطرين الآن إلى تغطية نفقاتٍ مثل إصلاح السيارات من جيبهم الخاص. وأعرب عن مخاوفه من أن ذلك قد يُضعِفُ الجماعة، وهو ما قد يساعد إسرائيل وأعداء الجماعة على تجنيد الجواسيس الذين يحتاجون المال بسهولةٍ أكبر.

حزب الله ينكر

وبحسب الصحيفة الأمريكية، أنكر مسؤولٌ بحزب الله أن الجماعة لم تدفع رواتب أعضائها، وأن العقوبات الأمريكية نجحت في تقويض مهمتها الأساسية، وذلك خلال مقابلةٍ أُجرِيَت في بيروت. وقال: "لم تُؤثِّر العقوبات واقعياً في عمليات حزب الله حتى اليوم". لكنه أقرَّ بأن الجماعة تُعيد تنظيم أمورها المالية لخفض النفقات. وتابع: "هل نتوقع الأسوأ؟ نعم نتوقَّع ذلك. نحن نُواجه حرباً وعلينا التصدِّي لها".

وقال المُحلِّلون المُهتمُّون بشؤون إيران وحلفائها إنه من غير الواضح مدى تأثير الضغوط المالية على أنشطة الحلفاء.

وتُحافظ إيران على مستويات مُنخفضةٍ من الإنفاق العسكري عكس حليفي الولايات المتحدة الرئيسيَّين في المنطقة: السعودية وإسرائيل، لأن كثيراً من حلفائها لهم قنواتُ دخلٍ تمنحهم نوعاً من الاستقلال المالي.

ويقترح التاريخ الحديث أن الضغط المالي على إيران لن يُؤدِّي بالضرورة إلى خفض النفقات العسكرية.

إذ تنامت المُشاركة العسكرية لإيران وحلفائها بطول العالم العربي رغم العقوبات الصارمة، وذلك في السنوات التي سبقت الاتفاق النووي الذي وقعت عليه عام 2015. وتدخَّل حزب الله وغيره من الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران في سوريا، ليقلبوا موازين المعركة ضد معارضي الحكومة، في حين حصلت الميليشيات الشيعية في العراق على نفوذٍ كبيرٍ بقتالها ضد داعش، وسيطر المعارضون الحوثيون في اليمن على أجزاءٍ كبيرةٍ من البلاد، ومن بينها العاصمة صنعاء.

وقال محمد علي شعباني، المُحرِّر المُهتم بالشأن الإيراني في موقع Al-Monitor: "الجيش الإيراني ليس عالي التكلفة، والنسبة التي يحصل عليها من الناتج المحلي الإجمالي ضئيلةٌ للغاية، إذ يتمتّع بقيمةٍ كبيرةٍ مقارنةً بحجم الإنفاق"، بحسب الصحيفة الأمريكية.

العلاقات أهم من الأموال

وتقول ماريا فانتابيه، كبيرة مُستشاري الشأن العراقي في مجموعة الأزمات الدولية، إن إيران تبني علاقاتٍ تفوق العلاقات المالية، وهو ما يساعد شركاءها على أن يتحوَّلوا إلى أطرافٍ فاعلةٍ في السياسات المحلية. وأضافت: "مُشكلة الإدارة الحالية داخل الولايات المتحدة هي أنها لا تكترث سوى بالأموال والجنود على الأرض، لكن الأمور لا تُدار بهذه الطريقة في المنطقة. كُل شيءٍ يعتمد على العلاقات".

وما يزال حزب الله أقوى قوةٍ عسكريةٍ داخل لبنان، فضلاً عن كونه طرفاً سياسياً بارعاً، إذ فاز حزب الله وحلفاؤه بـ70 من أصل 128 مقعداً في البرلمان اللبناني العام الماضي (2018)، واستحوذوا على كثيرٍ من المقاعد التي نافستهم عليها الأحزاب الموالية لأمريكا.

وتتحكَّم الجماعة في ثلاثةٍ من أصل 30 وزارة داخل البلاد، من بينها وزارة الصحة. ويخشى منتقدو حزب الله أن الجماعة ستستغل موارد الوزارة لمصلحة أعضائها وعلاج الآلاف من مقاتلي حزب الله المصابين.

ولاقى موقف بومبيو المناهض لحزب الله رد فعلٍ قويٍاً من كبار المسؤولين اللبنانيين، ومن بينهم الرئيس ورئيس البرلمان ووزير الخارجية، وذلك خلال زيارته الأخيرة لبيروت.

وقال جبران باسيل، وزير الخارجية، في أثناء وقوفه بجوار بومبيو: "من جانبنا، نُكرِّر ونُؤكِّد أن حزب الله حزبٌ لبنانيٌّ وليس إرهابياً. وينتخب الشعب نوابه من الحزب بتأييدٍ شعبيٍ كاسح".

وتسحب إيران ميليشياتها من سوريا أيضاً نتيجة المشكلات المالية، فضلاً عن أن الرئيس بشار الأسد نجح إلى حدٍ كبيرٍ في هزيمة المعارضين بعد ثمانية أعوامٍ من الحرب، وهي الحقيقة التي تقبَّلتها الولايات المتحدة على مضض.

وتُعَدُّ إيران واحدةً من القوى العالمية الرئيسية التي تناقش مستقبل سوريا، إلى جوار روسيا وتركيا. في حين أن الولايات المتحدة وشركاءها المحليين ليسوا جزءاً من هذا الحوار.

لكن المشاركة الإيرانية الأعمق تأتي داخل العراق، حيث أجبرت الضغوط المالية طهران على السعي إلى تعزيز روابطها الاقتصادية مع بغداد. وتدفع الحكومة العراقية الآن أجور الميليشيات بدلاً من إيران، وهو ما يمنح طهران نفوذاً كبيراً في السياسة العراقية بأقل تكلفةٍ ممكنة. وتحتفظ إيران كذلك بحلفاء يضطلعون بمهمة الترويج للمصالح الإيرانية في أرجاء الطيف السياسي العراقي كافة، لدرجة أنهم بدأوا تحدِّي الوجود العسكري الأمريكي داخل البلاد مؤخراً.

وقال شعباني: "حين تحاول طرد إيران من المنطقة بفرض عقوباتٍ عليها، فأنت تُجبِرُها على الانخراط في شؤون المنطقة أكثر فأكثر".

تحميل المزيد