عندما يصدر أي قرار بالعفو العام في أي دولة يثير الارتياح بين المواطنين، لكن قرار الأردن بالعفو العام في قضايا الشيكات قوبل بانتقادات من قبل العديد من الأطراف مؤكدين أنه أربك اقتصاد البلاد.
وأمر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018 الحكومة بإصدار مشروع قانون عفو عام و"بما يسهم بالتخفيف من التحديات والضغوطات التي تواجه المواطنين".
فقد أصدر مجلس النواب الأردني مؤخراً قراراً بقانون للعفو العام، فيما يتعلق بقضايا الشيكات المرتجعة وشيكات من دون رصيد، الأمر الذي قوبل بترحيب البعض، والاستياء من قبل آخرين.
فزعتك يااباالحسين لحرار الاردن
الي في السجون ع شيكات منهن الدكتوات والمربيات
مولاي
لفد قامو النواب بقصقصه عفوك الملكي السامي
اغثنا سيدي ابا الحسين
ادامك الله ذخرا للاردنين
بنحبك ياابو حسين تفداك اروحنا— صخريه حره (@U7KEAb0troou1i7) January 23, 2019
وبالفعل، أصدر مجلس النواب الأردني الإثنين 21 يناير/كانون الثاني 2019 قانون العفو العام الذي سيشمل آلاف المحكومين في خطوة تلبي مطالب شعبية تتردد منذ سنوات.
كما أقر النواب قائمة الجرائم المشمولة بالعفو العام شرط اقترانها بإسقاط الحق الشخصي أو دفع أصل المبلغ المطالب به أو المبلغ المحكوم به وهي جرائم القتل والاحتيال، والشيكات، وإساءة الائتمان خصوصاً.
هل يوفر قرار الأردن بالعفو العام في قضايا الشيكات ذريعة للمتهربين؟
"لم تعد الشيكات وسيلةً مجديةً ومضمونة للتعامل بين التجار"، كانت هذه كلمات التاجر الأردني جعفر الحوراني.
وعبَّر الحوارني عن تذمره من موضوع الشيكات المؤجلة لأجل، لأنّها لم تعد وسيلة مضمونة للبيع.
وقال لـ"عربي بوست" إنه من السهل جداً على أي تاجر أن يُثبت أنه أصبح عاجزاً عن السداد، لأسباب كثيرة، منها اضطراره لدفع رسوم جمركية وضرائب بمبالغ كبيرة، وانحسار قيمة المبيعات وكثرة النصب والاحتيال.
وأضاف: بسبب هذا القرار أصبحنا نلجأ للبيع النقدي، وهذا فاقم الأزمة الاقتصادية؟
إنه مخالف للقانون ولكن البعض يقول أنه مفيد لأصحاب المصالح
ويرى الكثيرون أن قرار الأردن بالعفو العام في قضايا الشيكات يعد مخالفاً لقانون العقوبات الأردني، فيما يتعلق بالحق الشخصي، حيث تجاهلت الحكومة مصالح المواطنين الذين يملكون الحق في المطالبة بحقوقهم عبر الشيكات، واستجابت لضغوط التجار وطبقات رؤوس المال على حساب القضايا الوطنية الهامة.
هذا جعل البعض يزعم أن هناك مصالح ضيقة وذاتية من وراء تمرير القرار، لأجل إصدار العفو عن فئة كبيرة جداً تهرَّبت من دفع الحق العام، وضمان هروبهم من القانون، وعدم محاسبتهم، باعتبار أنّ الكثير من هؤلاء ينتمون إلى الطبقات الغنية والنافذة داخل البلاد.
ويتخوفون من أن مليار دولار ستضيع في متاهات القضاء
فبحسب بيانات البنك المركزي الأردني، فقد بلغت قيمة الشيكات المرتجعة نحو 1.247 مليار دينار (890 مليون دولار) في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، مقارنة مع نحو 1.169 مليار دينار في الفترة نفسها من العام الماضي.
في هذا الإطار يقول التاجر جعفر الحوراني لـ "عربي بوست"، إنَّ الأسلوب الممنهج الذي تتعامل به الحكومة فيما يتعلق بقوانين الاستيراد والتصدير، أدى إلى التقليل من المبيعات، ومن ثَمّ التقليل من الأرباح، التي لم تعد تغطي المصاريف، وهذا أدى إلى التقليل من السيولة بين التجار.
وأضاف أنّه من أجل تحصيل شيك مرتجع فإنّه يضطر إلى المحاولة مع صاحبه، ثم اللجوء إلى القضاء، لكنّ القضية غالباً تأخذ وقتاً ومصاريف كبيرة.
وتابع قائلاً: "إضافة إلى ذلك فإن الحكم على صاحب الشيك المرتجع بالسجن لن يفضي إلى نتيجة، بل ضياع الحق".
وهنا يضطر صاحب الحق إلى القيام بتسوية على أجزاء من المبلغ، أو الموافقة على تقسيط طويل المدى للمبلغ، حسب قوله.
لا يحق لأي شخص سواء نائب أو غيره، أن يفتي بالعفو العام اذا عليه مطالبات أو شيكات أو على شركته… الف باء الأمور…خربوا الأشياء الجميلة اللي اشتهرت فيها الأردن… نفس قصة بني إسرائيل والبقرة
— عمر فالح الطويل (@mirqab) January 21, 2019
ولفت إلى أنَّ كثرة المصاريف المترتبة على التاجر، المفروضة من قبل الحكومة، تجعله عاجزاً عن تغطية الشيكات المؤجلة.
هنا يسرد الحوراني قصته الخاصة، مشيراً إلى أنّه يستورد حقناً طبية من الخارج، بقيمة 30 ألف دينار للحاوية الواحدة، حيث كانت ضريبة المبيعات المقدرة عليها بواقع 4% من القيمة، التي تعادل 4000 دينار.
لكن الضريبة ارتفعت إلى 16%، لتصبح 7500 دينار، الأمر الذي بات يستهلك جزءاً كبيراً من السيولة التي كانت بين يديه، حسب قوله.
وأشار الحوراني إلى ارتفاع حجم الشيكات المرتجعة، وتأخر التجار، وعدم قدرتهم على الدفع، حيث يضطر الكثير منهم إلى إبقاء بضاعتهم فترة أطول في الميناء، بسبب عدم قدرتهم على الدفع، ومماطلة الكثير منهم بالدفع.
وأوضح أن أسباب ذلك تعود إلى ارتفاع حجم الضريبة ومصاريف التخليص الجمركي، ما يجعله هو وغيره عاجزين عن السداد للغير.
ومن هنا يضطر الحوراني، ككثير من التجار، أن يخصص ما يملك من سيولة لدفع تكاليف البضاعة المستوردة، حتى لا تتأخر في الميناء، لتزداد الأعباء على كاهله فوق زيادتها.
وقال إن هناك أعباء أخرى ستواجهه، حتى بعد تخليص البضاعة جمركياً من ميناء العقبة، التي تتمثل في أنَّ البيع يكون غالباً عبر الشيكات آجلة الدفع للجهات التي يتعامل معها لبيع بضاعته.
والعفو يستفيد منه 8 آلاف شخص، ولكنه سيزيد الأزمة الاقتصادية
وقال أنَّ قرار العفو العام الذي أصدره مجلس النواب مؤخراً، فيما يتعلق بقضايا الشيكات المرتجعة، يعدّ قراراً جائراً وغير متوازن، حيث سيمنح مَن تمّ العفو عنهم فرصةً كبيرةً للتنصّل والتهرب من التزاماتهم المالية المترتبة عليهم.
وتابع قائلاً: "هنا سيضطر التجار أصحاب الحق إلى الرضوخ، والقبول بأي تسوية مالية مع الأطراف الأخرى التي يتعاملون معها، سواء عبر قبول دفعها عبر أقساط طويلة الأجل والأمد، أو إسقاط جزء من المستحقات المالية لتشجيع الطرف الآخر على التسديد وتغطية الالتزامات".
وأكد الملك "أهمية أن يحافظ العفو العام على احترام سيادة القانون، بحيث لا يكون هناك إضرار بالأمن الوطني والمجتمعي، وحقوق المواطنين" مبيناً "ضرورة إعطاء المخطئين فرصة لتصويب مسارهم وسلوكهم".
ورجح وزير العدل الأردني بسام التلهوني الشهر الماضي أن يشمل قانون العفو العام زهاء ثمانية آلاف شخص.
وأقر النواب عدم شمول القانون الجرائم بحق أمن الدولة، وجرائم التجسس والسرقة الجنائية والسلب أو التزوير والجرائم الاقتصادية والتعامل بالرق وجرائم الاعتداء على العرض كالاغتصاب وهتك العرض والخطف.
القانون العام كان يتسبب في مشكلة زادها العفو الأخير
القانون العام يمنح صاحب الشيك المرتجع مدة عام واحد لسداد القيمة المترتبة عليه، وإذا لم يكن قادراً على الالتزام فإنّه ينظر إذا ما كانت له ممتلكات شخصية أو عقارات بحوزته للحجر عليها، ومن ليست له أية ممتلكات فإنّه يعاد إلى السجن مرة أخرى.
لكنَّ الحوراني يعتبر أنَّ مثل هذه الطريقة غير مجدية لضمان الحق الشخصي، خاصة أنَّ الكثير من أصحاب الشيكات المرتجعة ليس في حوزتهم أملاك أخرى تجبرهم على الدفع.
كما أن عقوبة السجن بحقه لن تضمن الحق الشخصي للطرف الآخر.
ويضيف أن قانون العفو العام زاد الطينة بلة، وجعل أصحاب الحقوق في حيرة من أمرهم، حول الطريقة المثلى لاسترداد حقوقهم، فلا العقوبة بحق هؤلاء آتت أُكلها، ولا القانون أنصفهم لاستعادة حقوقهم الغائبة.
وأربك حسابات الشركات والمؤسسات
قرار العفو الأخير من قِبَل مجلس النواب أربك أوضاع وحسابات كثير من الشركات والمؤسسات.
وهذا ما تؤكده المديرة المالية في شركة ميديكس لخدمات الشحن والتغليف شروق ياسين، لـ "عربي بوست".
وتقول إن الشركات كلَّ عام تقوم بوضع دراسة، لوضعها خلال أشهر السنة كاملة، وما هو حجم التدفق المالي لها، والدخل المتوقع الذي ستُحققه.
كما تأخذ بعين الاعتبار الشيكات التي ستتحصل بتاريخها المحدد، وعلى أساسها تستطيع تقدير شيكاتها ودفعاتها للموردين أو الجهات التي تحتاج منها الأموال.
حتى إنه سيؤثر على رواتب الموظفين
ومن هنا فإنّ ياسين تشرى قالت إنّ تراجع أهمية الشيكات الآجلة الدفع المرتجعة القيمة بعد صدور العفو، سيؤثر على السيولة النقدية بالشركة، وبالتالي ستتأثر عدة أمور، على رأسها تأخير رواتب الموظفين والدفعات المقررة للجهات الأخرى.
إضافة إلى أنّ العميل الذي أصدر الشيك المرتجع سيصبح على قائمة العملاء السوداء، إذا لم يغطّ قيمة الشيك المرتجع في غضون 14 يوماً، حيث تصبح معاملاته بالبنك صعبة ومعقدة.
كما أنّ البنك يقوم بإبرازه على لائحة القائمة السوداء على مستوى البنك المركزي الأردني، الذي بدوره يقوم بتعميم اسمه وإدراجه على كافة البنوك الأردنية لإجباره على السداد.
#العفو_العام ليش التاجر بيقبل شيكات ؟ ما معك مابيلزمك #الاردن
— Wael (@waelandme) January 20, 2019
وقالت إنّه في حالة تسديد القيمة المستحقة للشيك فإنّه يتم عمل مخالصة مالية بينه وبين الطرف الآخر.
وتوضح ياسين أنّ البنك يمهل العميل الذي قام بإصدار الشيك المرتجع فرصتين، فإذا ما تمّ عرض الشيك لأكثر من مرتين فإنّه يتوجب في المرة الثالثة رفع دعوى قضائية، عبر محام من قبل الطرف الآخر لإجباره على السداد.
وإذا ما تمت عملية السداد فإنّ البنك يمنح العميل فترة زمنية حتى يتأكد من تصويب أوضاعه، وأنّه ليست لديه مشكلات أخرى في الفترة القادمة مع عملاء آخرين حينها، يتم شطب اسمه من القائمة السوداء.
تكريس لمصالح وجهات على حساب أخرى
ويؤكد المعارضون للعفو، أصحاب الشيكات المرتجعة، أن القرار سيؤثر سلباً وبشكل كبير على الواقع الاقتصادي الأردني، حيث يقدر عدد الشيكات المرتجعة بالأردن، حسب إحصائية رسمية بـ349 ألف شيك تقريباً لعام 2018.
وتتساءل ياسين قائلةً: "من سيحفظ حقوق المواطنين والشركات والمؤسسات، ومن سيتكفل بإرجاعها بعد إصدار العفو عمَّن تمّ إيقافه وسجنه.
ورأت أنّ القرار الأخير سيقسم الأشخاص إلى صنفين لا ثالث لهما، الأول يتمثل في وجود أشخاص سيعملون لدى خروجهم من السجن على سداد الحقوق المترتبة عليهم، لكنّهم قلة.
أما الصنف الثاني وهم الغالبية فسيتهرّبون من السداد والالتزامات المترتبة عليهم، وحتى إن قاموا بالسداد فإنّهم سيغطون جزءاً من المبلغ، وليس كاملاً، وهنا تتمثل المعضلة الكبرى التي ستواجه كثيراً من الشركات والمؤسسات.
فمجرد أن يوافق الأشخاص الذي خرجوا من السجن على دفع جزء من المبلغ، سيطلب بعدها حتماً عمل مخالصة مالية مبدئية، التي ستنتهي بدفع جزء بسيط من المبلغ المترتب عليه بشكل شهري على شكل دفعات وأقساط، وهذا بحد ذاته يعتبر ضرراً كبيراً على كثير من الشركات والمؤسسات في البلاد.
وتشير المديرة المالية في شركة ميديكس، شروق ياسين، إلى المعاناة الكبيرة التي تعانيها مع كثير من العملاء في هذا الخصوص.
ولفتت إلى أنَّ المخالصة المالية بين الطرفين تعني إسقاط الحق الشخصي، وبالتالي فإنّ التزام العميل بدفع القيمة المالية للشيك المرتجع سيكون بين فترة وأخرى.
كما أنّ من عيوب العفو أنّه سيسمح لصاحبه بالسفر والخروج من البلاد، ولن يكون ممنوعاً من ذلك، مؤكدةً على أنّ قرار مجلس النواب الأخير فيه تشجيع وتكريس لمثل هذه السياسة لصالح جهات ومصالح على حساب جهات أخرى.