لم تمنع انتقادات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لوضع حقوق الإنسان في مصر، قوات الأمن المصرية من اعتقال يحيى حسين عبد الهادي العضو المؤسس بالحركة المدنية الديمقراطية والمتحدث السابق باسمها.
ولم يعرف الاتهامات التي أدت إلى اعتقال يحيى حسين حتى الآن، ولكنها تأتي بعد يومين من اعتقال خمسة من الشباب النشطاء لاحتفالهم بذكرى ثورة يناير، الأمر الذي أدانته الحركة المدنية.
إعتقال المهندس يحيي حسين عبدالهادي
يا عم ماكرون….!
السيسي ضحك عليك ومش بيعتقل المدونين الوحشين بس…!
ده بيعتقل أي حد بينطق ويفضح كذبه وفشله pic.twitter.com/0Q6nYNPIwY— Haytham Abokhalil (@haythamabokhal1) January 29, 2019
وعلق المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، على واقعة الاعتقال بقوله: "يا أيها المصري الجسور الأصيل الشجاع النبيل النقي التقي العفيف الشريف أنت أقوى من سجانك. لك ولشعبنا الحرية والنصر ولو بعد حين. الحرية ليحيى حسين عبدالهادي. الحرية لسجناء الرأي. الحرية لمصر".
وقال رئيس حزب الدستور، خالد داود، إن عبدالهادي "من أكثر الشخصيات وطنية وإخلاصاً لثورة يناير، وله باع طويل في مكافحة الفساد منذ عهد الرئيس المخلوع مبارك، وكان مديراً لمعهد إعداد القادة وضابطاً سابقاً في القوات المسلحة".
السجن 10 سنوات لرئيس أركان الجيش المصري السابق
وقبل يوم من اعتقال يحيى حسين عبد الهادي، قضت محكمة عسكرية، الإثنين 28 يناير/كانون الثاني 2019، بالسجن 10 سنوات في حق رئيس أركان الجيش المصري السابق، الفريق سامي عنان.
واُعتقل عنان الشتاء الماضي، بعد أن اتهمته قيادة الجيش المصري بمخالفة القانون، وارتكاب جرائم تستدعي مثوله أمام جهات التحقيق، بعد أن أعلن نيته ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة الأخيرة أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كما اعتقلت السلطات المصرية المستشار هشام جنينة الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات والمؤيد لحملة ترشح عنان خلال الشتاء الماضي أيضاً، بعد حوار له مع موقع "هاف بوست عربي"،تحدث فيه عن وجود فيديوهات ومقاطع فيديو خارج مصر، تكشف المتورطين في عمليات الشغب والانفلات الأمني، التي أعقبت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والتي كان يقودها المجلس العسكري.
واعتقلت السلطات المصرية في ذلك الوقت أيضاً رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح بعد انتقاده في حوار مع قناة "الجزيرة" ما وصفه بـ"عصف" السيسي ببقية المرشحين للانتخابات الرئاسية المصرية التي أجريت في إبريل/نيسان 2018.
وكان ملف حقوق الإنسان ومسألة تداول السلطة حاضرين خلال زيارة الرئيس الفرنسي لمصر، حيث تحدث ماكرون عن الوضع الحالي أسوأ من عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، بينما قال السيسي أمام ماكرون في المؤتمر الصحفي أنه موجود في منصبه بإرادة مصرية، وإذا رفضه الرأي العام فسيتخلى عن منصبه "فوراً".
اعتقال يحيى حسين فصل جديد لقصة ضابط عارض وهو في قلب المسؤولية
وتخرج عبدالهادي من الكلية الفنية العسكرية عام 1977، وخدم ضابطاً مهندساً في الجيش المصري حتى عام 1992.
وبعد خروجه من القوات المسلحة شارك في تأسيس مركز إعداد القادة، الذي كان تابعاً في بدايته لرئاسة الوزراء، ثم انتقلت تبعيّته لوزارة الاستثمار، وأصبح مديراً للمركز ووكيلاً لوزارة الاستثمار عام 2004.
واكتسب يحيى حسين عبدالهادي شهرة كبيرة بسبب موقفه الرافض لبيع شركة "عمر أفندي" الشهيرة المتخصصة في البيع بالتجزئة.
لا لبيع عمر أفندي.. إنه الرجل الذي كشف فساداً بقيمة 700 مليون جنيه
واختير بعد هذه الحملة لقيادة الحركة الشعبية "لا لبيع مصر"، واعتبر حينها أن "ما يحدث هو تنفيذ لأجندة خارجية لتدمير مصر وتخريب أصولها".
وكان موقف يحيى حسين الرافض لبيع عمر أفندي له تأثير كبير على الرأي العام آنذاك، لأنه كان عضواً باللجنة المكلفة بتقييم هذه المؤسسة العريقة التي كانت فروعها تنتشر في كافة أرجاء مصر.
إذ قال "إنه فوجئ بعد تقدير اللجنة، ثمن شركة عمر أفندي التي كانت مملوكة للحكومة بما يقارب ملياراً و300 مليون جنيه مصري، بأنه تم تجاهل هذا التقدير واعتماد تقييم آخر بقيمة 450 مليون جنيه.
ثم ارتفع السعر لاحقاً إلى 550 مليوناً بغرض بيعها لشركة "أنوال" السعودية، إضافةً إلى توقيع اللجنة على ما يشبه الاعتذار عن تقريرها الأصلي، واعتماد القيمة الجديدة المنخفضة، ما دفعه للقول آنذاك إن "هدر أكثر من 700 مليون جنيه من أموال المصريين أشبه بالمهزلة".
ودفع ثمن مواقفه بالحرمان من جميع مناصبه
وتقدم عبدالهادي ببلاغ إلى النائب العام ضد وزير الاستثمار في تلك الفترة محمود محيي الدين، ورئيس الشركة القابضة هادي فهمي، يتهمها فيه بالضغط على لجنة التقييم لتسهيل الاستيلاء على المال العام، وهو ما أجل إتمام صفقة البيع لنحو ثمانية أشهر.
إلا أن شركة "عمر أفندي" ذهبت في النهاية للمستثمر السعودي، وتحمل عبدالهادي تبعات موقفه بالحرمان من جميع مناصبه، ليعود مرة أخرى لمركز إعداد القادة مرؤساً، لا رئيساً، ومحاضراً بلا محاضرات (ألغيت كل انتداباته).
ثم أصبح عضواً بحركة كفاية
ويعد عبدالهادي أحد أبرز المدافعين عن معتقلي الرأي في مصر، وعُرف عنه التصدي للقضايا الوطنية، من أشهرها قضية بيع شركة "عمر أفندي".
واختار المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري، يخيى حسين عبد الهادي، ليكون ضمن اللجنة التنسيقية لحركة "كفاية" المعارضة، إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وجاء قرار المسيري بعدما وجد في يحيى حسين شخصية شعبية مناهضة لعمليات بيع أصول الدولة، كونها غير مشروعة لأنه لم يؤخذ رأي الشعب فيها، وهو المالك الحقيقي لها.
وكانت كفاية أول حركة تدعو لإنهاء حكم الرئيس مبارك بشكل صريح، وضمت أعضاء من قوى سياسية مختلفة، متخطية الإنقسامات الأيدولوجية التي كانت تقليدياً تمزق المعارضة المصرية.
ثورة وإن أنكرها لص أو رئيس
وسبق لنيابة مدينة نصر بالقاهرة أن أخلت سبيل عبدالهادي بضمان مالي قدره عشرة آلاف جنيه، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعد توجيه اتهامات له بإهانة رئيس الجمهورية.
كما وجهت له اتهاماً بنشر أنباء من شأنها "تكدير الأمن العام".
وجاء ذلك إثر نشره مقالاً على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، تحت عنوان "هي ثورةٌ.. وَإِنْ أنكرها لصٌ أو رئيس"، رداً على مهاجمة الرئيس السيسي لثورة يناير في بـ"منتدى شباب العالم" بمدينة شرم الشيخ.
(يحيى حسين عبدالهادى- ٦ نوفمبر ٢٠١٨) .
المناضل الذى يتم التحقيق معه بسبب هذا المقال.. pic.twitter.com/2oXD6uFQUU— M0 (@mohammedazmei) November 13, 2018
تهديدات بتسجيلات جنسية مزعومة
وفي 26 أبريل/نيسان 2018، كشف عبدالهادي عن تعرضه لتهديد من جهة لم تكشف عن نفسها، قائلاً في تدوينة له عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، إنه تلقى اتصالاً من رقم محلي، وهدده المتصل بأنه في حال لم يمتنع عن الكتابة "لن يحدث له طيب".
وأضاف "المتصل قال لي افتح تليفونك هاتلاقي هدية، وإذا لم تصمت ستكون منتشرة مع أصغر تلميذ في أسيوط"، وهو ما تبين أنه رسالة صوتية عن حديث خليع بين رجل وامرأة سينسب إليه، وفقاً للتهديد.
وتابع: "كانت هناك رسالة تهديد سابقة أكثر أدباً من تلك، لكن المعنى واحد، هذه الأساليب المبتذلة لا تخيف مثلي ممن رأسمالهم سمعتهم.. ولكنني مندهش من غباء من يلجأ إليها معي، ومن هذا المستوى من الحقارة في الأداء من أجهزة تتقاضى رواتبها من أموالنا لتؤدي وظيفتها في حماية أعراض المصريين، لا انتهاكها وتلويثها.
وأضاف "لكنني في مثل هذه الأمور أرى أن المسؤولية تقع على الرأس لا النعال.. هذا التدني الأخلاقي هو مسؤولية رئيس يقدم نفسه في صورة الرئيس المهذب.. هذا بلاغ مني للرئيس شخصياً".
وسجل رفضه لانتخابات الرئاسة التي نافس فيها السيسي مؤيداً له
وقبل ذلك، قرر النائب العام المصري المستشار نبيل صادق، في 5 فبراير/شباط 2018، فتح تحقيق في بلاغ مقدم، ضد قياديي "الحركة المدنية الديمقراطية" (13 عضواً)، وعلى رأسهم المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة عام 2014 حمدين صباحي، ويحيى حسين عبد الهادي، والذي يتهمهم فيه بـ"التحريض على قلب نظام الحكم، والإضرار بالاقتصاد والأمن القومي المصري".
واستند البلاغ إلى تنظيم الحركة مؤتمراً صحافياً لإعلان مقاطعتها لما عُرف إعلامياً بـ"مسرحية الرئاسيات"، التي فاز فيها السيسي بأغلبية كاسحة على منافس مؤيد له.
واتهم البلاغ، الذي قدمه أحد المحامين، قيادات الحركة المعارضة بـ"إثارة الرأي العام، والتحريض ضد الدولة المصرية، والإساءة لمؤسساتها في الداخل والخارج، وبث روح التشكيك والإحباط والفتنة بين الشعب وبعضه، وبين الشعب ومؤسسات الدولة، وزعزعة أمن واستقرار البلاد".
وأورد البلاغ تصريحات عبدالهادي في مؤتمر المقاطعة، وقوله: "فليهنأ النظام بفضيحته وحده.. السبب الرئيسي في ما تعانيه مصر من تخبط وسياسات فاشلة هو الحكم الفردي المطلق الذي لا يراقب ولا يحاسب، ويحتقر الدستور، أساس شرعية أي حكم، ويضرب به عرض الحائط".