شكلت صورة تلك المصافحة الجاهدة بين طرفي النزاع في اليمن بادرة أمل لنهاية حرب قادت أفقر دولة في الشرق الأوسط إلى أسوأ كارثة إنسانية بالعالم. ورغم الابتسامات وموقف الأمم المتحدة المتفائل، فإن محللين سارعوا إلى التحذير من أنَّ هذا الاتفاق يتطلَّب دعماً دولياً عاجلاً ومتضافراً لإنقاذه من مصير الانهيار، الذي آلت إليه اتفاقات مماثلة سابقة.
يوم الخميس 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وقفاً لإطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة باليمن في مدينة الحُديدة الحيوية المُطِلّة على ساحل البحر الأحمر.
مع ذلك، شكَّك مراقبون لحرب اليمن منذ فترة طويلة، فيما إذا كان الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في بلدة ريمبو السويدية، يُمثّل نقطة تحول حقيقية في الصراع.
اتفاق اليمن خطوة إيجابية بحاجة لإرادة سياسية تضبط الميدان
ويخشى كثيرون من أن يصبح هذا الاتفاق انطلاقة خاطئة أخرى بعد أكثر من 4 أعوام من الجهود الدبلوماسية المخيبة للآمال، شهدت بالفعل استقالة اثنين من مبعوثي الأمم المتحدة.
جيرالد فايرستاين، سفير الولايات المتحدة السابق لدى اليمن، قال لمجلة Foreign policy: "إنَّها خطوة إيجابية واضحة"، موضحاً أنَّه "قريباً جداً سنعرف ما إذا كانت الأطراف المُوقِّعة على الاتفاق لديها الإرادة السياسية لتنفيذ اتفاقياتها".
وأضاف: "ينبغي أن نكون حذرين بعض الشيء حيال بدء الاحتفال بالاتفاق".
وتابع فايرستاين: "لا أستطيع القول جازماً إنَّ هذه صفقة نهائية؛ فيُمكن أن تفشل وتخرج عن مسارها".
فالطرفان لا يعتبران الاتفاق نهاية الصراع وإنما "بادرة إنسانية"
كما كتب بيتر ساليسبري، وهو خبير في الشأن اليمني لدى مجموعة الأزمات الدولية، تغريدةً على موقع تويتر، قال فيها: "حان الوقت الآن لكي يدعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار بقرارٍ منه. لا يوجد عذر للتراخي الدولي الآن، لا بد من حماية هذه اللحظة الهشة".
وقد أكَّد كلٌّ من الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية، على أنَّ اتفاق وقف إطلاق النار لم يكن صفقة سلام شاملة، بل بادرة إنسانية بحتة تهدف إلى بناء الثقة وحسن النية.
وقال ساليسبري في مقابلة، إنَّ "كلا الطرفين لا يعتبر ذلك الاتفاق بداية نهاية الصراع".
مع ذلك، فاق اتفاق يوم الخميس التوقعات. ففي بداية المحادثات، كان مسؤولو الأمم المتحدة غير متأكدين مما إذا كان يمكن جمع طرفي النزاع شخصياً، في ظل استمرار قصف المدفعية والطائرات الحربية لمدينة الحُديدة.
وحفر المقاتلون الحوثيون خنادق عبر الطرق، على ما يبدو أنه استعداد لمعركةٍ أكبر من أجل إحكام السيطرة على المدينة.
لكنَّ يوم الخميس شهد تصافح ممثلين عن الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، ومقرها مدينة عدن الجنوبية، مع ممثلي الحوثيين، أمام غوتيريش.
والتحدي الأكبر يتمثل فيما يُنفَّذ على الأرض أكثر مما قيل في قاعة مؤتمرات
المفتاح يكمن فيما سيحدث على أرض الواقع باليمن في الأسابيع المقبلة، حين يشرف مسؤولو الأمم المتحدة على الانسحاب المزمع من الحُديدة.
وقال عبد القادر محمود، مدير منظمة Mercy Corps في اليمن، لصحيفة The New York Times: "هذه مجرد خطوة أولى".
وأضاف أنَّ "درجة الالتزام بالاتفاق ستتضح تماماً على أرض الواقع، وليس من خلال كلمات قِيلت في قاعة مؤتمرات".
الاتفاق يتزامن مع تصويت مجلس الشيوخ لصالح قرار إنهاء الدعم الأميركي
ويأتي هذا الاتفاق في وقتٍ تواجه فيه السعودية، التي تقود حرباً جوية تدعمها الولايات المتحدة ضد جماعة الحوثيين، ضغوطاً متزايدة على المستوى الدولي ومن الكونغرس الأميركي للتوصل إلى اتفاق سلام.
وصوَّت مجلس الشيوخ الأميركي -الغاضب بشدة من قتل السعودية الكاتب جمال خاشقجي- الخميس 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، لصالح قرارٍ يدعو لإنهاء الدعم العسكري الأميركي في اليمن.
ومن المستبعد أن يمر هذا القرار، الرمزي إلى حدٍّ كبير، في مجلس النواب، بالنظر إلى المقاومة الموجودة في صفوف النواب الجمهوريين داخل المجلس والمعارضة الصريحة له بالبيت الأبيض.
لكنَّه يثبت إلى أي مدى تضاءلت مكانة السعودية في واشنطن.
السيناتور ليندسي غراهام قال للصحافيين يوم الأربعاء 12 ديسمبر/كانون الأول 2018: "العلاقة الحالية مع السعودية لا تخدم مصالح أميركا".
وأضاف: "لن أدع ذلك يمر أبداً حتى تتغير الأمور في السعودية".
ومراقبون يُرجعون السبب للهجوم السعودي العسكري
مع ذلك، أشار مراقبون للوضع اليمني، مثل فايرستاين، إلى أنَّ الأسباب الكامنة وراء التوصل إلى الاتفاق الذي توسَّطت فيه الأمم المتحدة ويتطلَّب تنازلات من الحوثيين أكثر من الرياض- تتمثَّل في الهجوم العسكري الذي تقوده السعودية منذ أشهر ضد الحوثيين في الحُديدة أكثر من كونه يعود إلى المزاج المتغيِّر في واشنطن.
وأشار فايرستاين إلى أنَّ السعودية والإمارات اتفقتا على "استراتيجيةٍ مكوّنة من شقين" بالصيف، في محاولةٍ لزيادة الضغط العسكري على الحوثيين، لإجبارهم على قبول التوصل إلى تسويةٍ خلال محادثات السلام.
وقال فايرستاين: "ربما نجحت تلك الاستراتيجية".
إذن، علام اتفق الطرفان؟
وبموجب شروط الاتفاق:
- وافق الحوثيون على سحب قواتهم من مدينة الحُديدة ومينائي الصليف ورأس عيسى.
- ترأس الأمم المتحدة "لجنة تنسيق إعادة انتشار للقوات"، لمراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والإشراف على إعادة نشر أولئك المقاتلين في ضواحي المدينة.
- اتفق الطرفان أيضاً على إنشاء لجنة مشتركة، تحت رعاية الأمم المتحدة، لخفض التوترات في مدينة تعز.
- توجيه عائدات الميناء إلى البنك المركزي.
- وتنفيذ صفقة لتبادل الأسرى.
منظمات الإغاثة متفائلة بحذر
من جانبها، استجابت منظمات الإغاثة لإعلان وقف إطلاق النار، بتعليقاتٍ تُعبِّر عن الأمل المشوب بالحذر.
فقال جويل تشارني، مدير المجلس النرويجي للاجئين في الولايات المتحدة، وهو المجلس الذي يدير عمليات إغاثية باليمن: "إذا التزم الطرفان بما اتفقا عليه، فسيكون ذلك أمراً هائلاً. لكنَّنا شهدنا اتفاقاتٍ كهذه في مراتٍ كثيرة جداً، انهارت على أرض الواقع، لأنَّ الأطراف المعنيَّة لا تستطيع الالتزام".
والأمم المتحدة تحث على إجراء مزيد من المباحثات
ويُمثّل اتفاق يوم الخميس إنجازاً دبلوماسياً هاماً للأمم المتحدة، التي توسَّط مبعوثها الخاص، مارتن غريفيث، في المحادثات.
وقد رحَّب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي سافر إلى السويد ليشهد الاتفاق النهائي، بالصفقة وتعهَّد بتقديم دعمه في الإشراف على تنفيذها.
وهنَّأ غوتيريش الأطراف اليمنية على إحرازهم "تقدماً حقيقياً"، لكنَّه حذَّر من أنَّه لا تزال هناك "قضايا عالقة" تحتاج إلى حل.
ومن المقرر إجراء جولة جديدة من المحادثات في أواخر شهر يناير/كانون الثاني من العام المقبل (2019).
وقال غوتيريش، الذي حضر اليوم الأخير للمحادثات التي استمرت أسبوعاً بين ممثلي الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والحوثيين: "ستؤدي منظمة الأمم المتحدة دوراً أساسياً في الميناء. وهذا سَيُسهِّل وصول المساعدات الإنسانية وتدفق البضائع".
فالسعوديون والحوثيون محميُّون.. والمدنيون هم من يدفع الثمن
وقال غريغوري جونسن، وهو باحث أميركي بالشأن اليمني عمل مؤخراً عضواً في لجنة الأمم المتحدة لمراقبة انتهاكات العقوبات باليمن: "الحرب أسهل من السلام بالنسبة لأطراف الصراع".
وفي ظل حقيقة أنَّ السعوديين خاضوا القتال في الغالب من خلال ضربات جوية من السماء، فلا توجد "خسائر بشرية" للرياض.
في المقابل، يشعر الحوثيون بأنَّهم يخوضون "حرباً وجودية" يمكنهم الفوز فيها إذا استطاعوا فقط تأخير انتصار السعوديين.
وأضاف جونسن أنَّ "القيادة الحوثية محميّة إلى حدٍ كبير من التعرُّض لأزمة نقص الغذاء والأدوية في هذه الحرب".
وتابع: "لا يجري استهداف قادة حوثيين وقتلهم، بل من يدفع الثمن هم المدنيون اليمنيون".