تنظيم المغرب كأس إفريقيا 2019 يقوي من احتمال فتح الحدود مع الجزائر ، رغم أن الحدود الغربية لولاية تلمسان الجزائرية، تنتهي عند خندق ترابي غائر وسياج حديد مدجج بالأسلاك الشائكة يفصلها عن مدينة وجدة المغربية ولا يبشر بانفراج قريب .
ويشهد الخندق الجزائري والسياج المغربي على أن التوتر واقع يومي في علاقات البلدين وبالأخص على الصعيد السياسي.
ووسط تراكمات الصراع الدبلوماسي المستعر في المحافل الدولية وعلى واجهات وسائل الإعلام، تبرز من حين لآخر أحداث إيجابية تصنع الاستثناء وتحاول التذكير بأن على الجزائر والمغرب "حق الجيرة" بحكم الجغرافيا و"حق الأخوة" بحكم التاريخ، لكنها لا تستطيع أن تضع حداً للخلافات.
وفي مقابل التنافس الذي يمكن اختصاره في سباق التسلح وتبادل التهم في قضايا الحدود والإرهاب والمخدرات والصحراء الغربية، تقدم التظاهرات الشعبية، وعلى رأسها الرياضة صورة مغايرة عما يمكن للبلدين الواقعين في شمال إفريقيا أن يفعلاه معاً تحت راية "البلدين الشقيقين".
مبادرة وتجاهل
في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر 2018، دعا ملك المغرب محمد السادس، الجزائر إلى حوار صريح ومباشر عبر آلية مشتركة، يتوخى منها "تجاوز حالة الجمود التي تعرفها العلاقات بين البلدين الجارين الشقيقين"، لكن الجزائر اختارت تجاهل الدعوة ولا يبدو أنها ستتجاوب معها.
بعدها بأيام قليلة، بعث الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، برسالة إلى العاهل المغربي، بمناسبة عيد استقلال بلاده أكد فيها "العزم الراسخ على توطيد وشائج الأخوة وعلاقات التضامن التي تربط شعبينا الشقيقين بما يمكننا من إرساء علاقات ثنائية أساسها الاحترام المتبادل"، دون أن يأتي على ذكر مقترح آلية الحوار.
وفي أول رد غير مباشر على المقترح الملكي المغربي، راسلت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، الأمين العام لاتحاد المغرب العربي لتطلب منه "الدعوة لتنظيم اجتماع لمجلس وزراء الهيئة في أسرع وقت ممكن قصد تفعيل الصرح المغاربي وتنشيطه".
وقررت الخارجية المغربية التعقيب على الجزائر قائلة "إن المغرب ليس لديه أي اعتراض من حيث المبدأ بخصوص عقد اجتماع لمجلس وزراء الشؤون الخارجية لاتحاد المغرب العربي"، موضحة "أن الطلب الجزائري لا علاقة له بالمبادرة الملكية، ذلك أن هذه الأخيرة هي ثنائية صرفة، بينما تندرج الخطوة الجزائرية في إطار استئناف البناء الإقليمي".
واعتبرت الخارجية المغربية أن "وضعية الجمود التي يعرفها اتحاد المغرب العربي، منذ سنين، تعود بالأساس إلى الطبيعة غير العادية للعلاقات الجزائرية-المغربية، التي لا يمكن معالجتها إلا في إطار حوار ثنائي، مباشر ودون وسطاء".
وتأسفت الرباط لبقاء دعوتها لآلية الحوار، دون رد من الطرف الجزائري، وطالبت "السلطات الجزائرية برد رسمي على المبادرة الملكية".
الجزائر لن ترد
وكشف مصدر دبلوماسي جزائري، لعربي بوست أن "الجزائر لن ترد على مبادرة ملك المغرب لتشكيل آلية لحوار مباشر"، موضحاً أن الموقف الجزائري ينطلق من تجارب سابقة وجوانب رمزية تتعلق بالمبادرة الأخيرة.
وقال ذات المصدر إن محاولات الحوار لحل القضايا الخلافية بين البلدين ليست جديدة، "ففي سنة 2005، انطلق حوار فعلي وشكلت لجان عليا ترأسها رئيسا حكومتي البلدين، لكن عندما وصل الأمر إلى التوقيع سقط كل شيء في الماء".. كيف ذلك؟
يجيب محدثنا إن "رئيس الحكومة الجزائرية وقتها والوزير الأول الحالي، أحمد أويحيى كان قد أنهى كل الترتيبات لزيارة المغرب قصد تجسيد ما توصلت إليه اللجان، لكنه تفاجأ في صباح اليوم الموعود ببرقية لوكالة الأنباء المغربية تقول إن الظروف الحالية لا تسمح بزيارة ممثالة".
وتابع "كان ذلك بالنسبة للجزائر أمراً مهيناً، لأن الرباط لم تكلف نفسها التواصل عبر القنوات الرسمية الدبلوماسية لتعليق الحوار وفضلت وسائل الإعلام".
وأضاف المصدر الدبلوماسي أن محاولات تطبيع العلاقات تم إحياؤها في 2012، عند زيارة رئيس الحكومة المغربية الحالي سعد الدين العثماني الذي كان وزيراً للخارجية يومها، كما أكد الوزير الأول الجزائري الأسبق عبد المالك سلال سنة 2016 استعداد الجزائر للحوار، لكن "الأمور ظلت تراوح مكانها".
واعتبر أن مبادرة الملك محمد السادس الأخيرة، غير ذات مصداقية بالنسبة للجزائر من حيث الدلالة، لأنه "اختار لها ذكرى المسيرة الخضراء التي تعتبرها الجزائر احتلالاً للصحراء الغربية، فلو دعا إليها في ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية المصادفة للفاتح تشرين الثاني/نوفمبر لكان الأمر مختلفاً"، مضيفاً "إن العاهل المغربي فضل مرة أخرى وسائل الإعلام ولم تتلق الجزائر أي اتصال رسمي من المغرب عن طريق القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها".
وترى الجزائر أن المبادرة المغربية تزامنت والطاولة المستديرة الأولى التي نظمتها الأمم المتحدة حول الصحراء الغربية بجنيف يومي 05 و06 كانون الأول/ديسمبر 2018، ودعت إليها المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا كبلدين جارين.
وبالنسبة للرباط فإن حل القضية، يمر عبر التفاوض مع الجزائر وليس مع البوليساريو، بينما تؤكد الجزائر على أنها ليست طرفاً في النزاع وأن القضية بيد الأمم المتحدة.
وحسب مصادر دبلوماسية فإن السلطات الجزائر، أرادت من خلال الدعوة لتفعيل الاتحاد المغاربي إيصال رسالة مفادها "أنها مستعد للعمل في إطار مغاربي متعدد ولن تتجاوب مع الطرح المغربي الثنائي".
وحاولت تونس عن طريق رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي أو وزير الخارجية الحالي خميس الجهيناوي القيام بوساطة لتقريب المواقف بين المغرب والجزائر، لكن البلدين يرفضان ويعتبران أنهما ليس بحاجة "لوسيط".
خلافات بالأحضان
وعلى الرغم من الخلافات العلنية بين من يوصفان "بالإخوة الأعداء"، يقدم المغرب والجزائر، في بعض المناسبات صورة مغايرة تماماً عما بات معروفاً عنهما.
فقد صنعت صورة الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى وهو يبادر بمصافحة ملك المغرب محمد السادس على هامش قمة إفريقيا-أوروبا بالعاصمة الإيفوارية كوت ديفوار في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، الحدث وفهمت على أنها "بادرة خير نحو تطبيع محتمل للعلاقات".
وصرح أويحيى يومها للصحافة المغربية قائلاً "نقلت لجلالة الملك تحيات الشعب الجزائري ورئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة وهذا شيء طبيعي ما بين الجيران".
بعدها بأيام قليلة، خرج وزير الشؤون الخارجية الجزائرية عبدالقادر مساهل بتصريح ناري ضد المغرب قال فيه "إن الخطوط الجوية المغربية تبيض أموال المخدرات في إفريقيا".
ولم يمض شهر حتى تقابل مساهل بنظيره وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في الندوة 14 لوزراء مجموعة 5+5 بالجزائر، والمفاجأة كانت "استقبال حار بالعناق والأحضان"؟
ما طبيعة هذه العلاقة؟
في الجزائر يرفض خبراء السياسة وصف العلاقات الجزائرية-المغربية بـ "العداء".
وتعتبر أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، أمينة رباحي، أن ما يجري بين البلدين "ليس عداء وإنما تنافس.. الأعداء لا يقدمون التهاني لبعضهم البعض في المناسبات ولا يقيمون علاقات الدبلوماسية.. هو تنافس حاد أصله خلاف حدودي وانتقل إلى أيديولوجي".
وأضافت رباحي لعربي بوست "هناك من يعتقد أن الخلافات الجزائرية-المغربية سببها الصحراء الغربية، والحقيقة ليست كذلك لأنها بدأت بحرب الرمال سنة 1963، قبل أن ينتهي التوتر بتوقيع اتفاقية التعاون والأخوة سنة 1969، بينما قضية الصحراء بدأت سنة 1975".
وأوضحت خبيرة النزاعات أن خارطة علال الفاسي لسنة 1956، التي تضع حدود المغرب من سبتة ومليلة بالشمال وصولاً إلى الجزء الغربي الجنوبي للجزائر حتى نهر السنغال كأراض مغربية هي "أصل الخلاف".
ويسير المحلل السياسي حسن خلاص في هذا الاتجاه، مصرحاً لعربي بوست أنه "لا يمكن أن نتحدث عن عداء صريح بل عن خصومة سياسية حول مسائل معينة بذاتها وهي قضايا عالقة لم يتوصل مسؤولو البلدين إلى حلها".
وتابع خلاص أنه "لو يتوفر القليل من الإرادة السياسية لدى كليهما، لتم حلها في ظرف قصير لكن ولأن الطرفين مستفيدان من هذه الحالة فالعلاقات السياسية يتم تسييرها وليس تسويتها".
شقيقان في الرياضة
وصنعت الجزائر والمغرب، الصيف الماضي، واحدة من أبرز محطات التقارب بينهما، فقد صوتت الجزائر شهر يونيو/حزيران 2018، لصالح ملف ترشح المغرب لاحتضان دورة كأس العالم لسنة 2026، بينما انحازت دول عربية أخرى على رأسها المملكة العربية السعودية لصالح الملف الأميركي الذي فاز في النهاية.
وقبلها أعطت السلطات العليا الجزائرية، لأسطورة كرة القدم في البلاد سنوات الثمانييات لخضر بلومي، الضوء الأخضر بأن يكون سفيراً للترويج لملف ترشح المغرب، ولقي الحدث إشادة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لدى الشعبين.
وسمحت الساحرة المستديرة، بتلطيف الأجواء بين الجارين بشكل غير مسبوق، ووصل الأمر إلى فكرة تشكيل ملف ثلاثي بين تونس، الجزائر والمغرب لاستضافة كأس العالم 2030.
وقال السفير المغربي لدى الجزائر حسن عبد الخالق "تلقينا بالمغرب باعتزاز كبير تصويت الجزائر الشقيقة لصالح الملف المغربي.. وأخبركم بأن الملك محمد السادس بعث برسالة شكر لشقيقه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.. وسجل من خلالها قيم الشهامة والصدق التي تحلى بها الرئيس بوتفليقة والتصويت يعكس أيضاً أواصر الأخوة والتضامن بين الشعبين الشقيقين".
وسادت حالة من الارتياح الكبير في الأيام الأخيرة، الشارع الرياضي الجزائري، عقب قرار الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم سحب تنظيم كان 2019، من الكاميرون واحتمال منحها للمغرب.
وفي هذا السياق يقول محمد (33 سنة)، مناصر وفي للمنتخب الجزائري، "تنظيم المغرب للكان، يعني وكأننا سنلعب في الجزائر نفس الأجواء المناخية، نفس الذهنية ونفس الثقافة بيننا وبين الشعب المغربي".
ويأمل الجزائريون، في غزو الملاعب المغربية بمناسبة الكأس، مثلما فعلوا في تونس سنة 2004، لكن الأمر مرتبط بفتح الحدود البرية، فهل سترضخ السلطات السياسية؟
هل ستفتح الحدود؟
في هذه النقطة يرى أستاذ علوم الإعلام والاتصال، بجامعة المدية، عبد الحكيم بوغرارة أن تنظيم المغرب لكأس إفريقيا 2019، قد يدفع باتجاه فتح الحدود لأن سلطات البلدين قد تجعل من الأمر متنفساً للشعبين بعد المشاكل الاجتماعية التي ضربتهما في السنوات الأخيرة من ارتفاع للتضخم والبطالة والهجرة غير الشرعية والاحتجاجات الشعبية التي عرفتها الحسيمة المغربية ومناطق أخرى من الجزائر.
وأضاف بوغرارة لعربي بوست أن مسالة إغلاق الحدود شعبوية وتضليل عن قضايا التقارب، فالخلاف لدى السلطات السياسية للبلدين مطية لحشد الشعوب وكسب الود السياسي ولكن انتشار الوعي وما يحدث على مساحات التواصل الاجتماعي "أسقط الكثير من الأقنعة التي تريد جر الشعوب نحو الكراهية".
وأشار المتحدث إلى أن السلطات المركزية للبلدين، قد تركب موجة الحماس الرياضي لتجاوز الخجل من مسألة فتح الحدود.
من جهتها لا تتوقع الباحثة أمينة رباحي، أن يؤدي تنظيم المغرب لكأس 2019، إلى فتح الحدود مع الجزائر رغم تعلق الجمهور الجزائري بمنتخبه، وقالت "لا أعتقد أن التظاهرة ستغير شيئاً، وبناء على المعطيات من الماضي فقد نظمت المغرب عدة فعاليات ولم تفتح الحدود".
وتابعت رباحي بأن "الجزائر تمر بفترة حرجة جداً، تتعلق بضبابية المشهد السياسي مع اقتراب الرئاسيات المقررة في ربيع 2019، وأمام هكذا وضعية قد يرى صناع القرار أن فتح الحدود سيعقد الأمور ولا يحلها.
وأضافت أن ملفات الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات المطروحة بقوة حالياً، لا تسمح بقرار مماثل مصنف ضمن خانة الأمن القومي.
لكن المتحدثة تتوقع أن تتحسن العلاقات الجزائرية-المغربية يوماً ما لأن "الشعبين المغربي والجزائري مرتبطان روحياً أكثر من الشعوب المغاربية الأخرى. وليس هناك من يحب الجزائريين مثل المغاربة".