في وسط المساحات العشبية الخضراء والأشجار المشذبة، تتربع روابي، المدينة النموذجية الأولى في الأراضي الفلسطينية. تجمع بين حداثة تصاميمها وموقعها الجغرافي المميز على أحد السفوح الجبلية التي تبعد 10 كم شمال مدينة رام الله بالضفة الغربية.
هنا، يعيش نحو 2.5 مليون فلسطيني، و400 ألف مستوطن إسرائيلي. لكن على مدى 10 سنوات، يتم بناء المدينة الأولى من نوعها تحت شعار "من فلسطينيين وإلى الفلسطينيين".
يتجول المطور العقاري بشار مصري، ليضع اللمسات الأخيرة على المركز التجاري.
ليس مركزاً عادياً، بل ينوي أن يضاهي المراكز التجارية المنتشرة في مدن العالم -حتى داخل إسرائيل- والتي ستقدم ماركات عالمية تجارية مثل Nine West.
يقول "مصري" لصحيفة Washington Post إن المشروع الضخم ليس مجرد قبضة مقاومة، بل قبضة تمسك محفظة مليئة بالأموال، تسعى لأن يعيش الناس حياة طبيعية، حتى يصبح وضع الفلسطينيين طبيعياً.
ويضيف: "إذا لم يستطع الفلسطينيون الحصول على إذن لإنفاق أموالهم بمراكز التسوق الإسرائيلية، فليتجولوا في روابي. هذه هي الطريقة التي تبني بها دولة".
أجواء العيد بلشت في #روابي.. عيد ميلاد مجيد 🎄 مفاجآت #كيوسنتر في انتظاركم طوال شهر العيد 😉
Gepostet von مدينة روابي Rawabi City am Dienstag, 4. Dezember 2018
روابي المدينة الفلسطينية الموعودة بتكلفة 1.2 مليار دولار
رئيس بلدية روابي، ابراهيم الناطور، يقول لـ "عربي بوست"، إن "روابي أول مدينة فلسطينية تواكب أفضل ما توصل إليه فن العمارة في فلسطين. وتم البدء بتنفيذ مشروع المدينة في عام 2011، على مساحة تقدر بأكثر من 6 ملايين و300 ألف متر مربع، وبتكلفة اجمالية قدرها 1.2 بليون دولار".
ويوضح أن الهدف منها إقامة مجموعة من الأحياء السكنية، وذلك بجهود مشتركة بين مؤسسة بيتي للاستثمار العقاري وشركة الديار القطرية، وهي قائمة على تخطيط حضري، وفق أحدث معايير البناء العصرية حول العالم.
ويضيف أن "المدينة تتكون من 23 حياً سكنياً، تضم أكثر من 5 آلاف وحدة سكنية، ويقدر ثمن الشقة داخل روابي بنحو 100 ألف دولار أميركي".
ومن المتوقع أن يقطنها أكثر من 40 ألف نسمة، لتصبح أكبر مشروع استثماري فلسطيني يهدف إلى توفير شقق سكنية بأسعار تتناسب مع كل شرائح المجتمع.
وإلى جانب ذلك، توفر فرص عمل لمئات العاطلين عن العمل، والذين وجدوا في هذه المدينة فرصة لتحقيق آمالهم وطموحاتهم، على حد تعبيره.
تصل الحاضر بالماضي العريق وصولاً إلى الرومان
ويستطرد قائلاً: "المباني في مدينة روابي تصل الحاضر بالماضي وبالتراث العريق للمدن الفلسطينية القديمة، لتذكّر سكانها بالحارات الفلسطينية العتيقة التي ترعرع فيها آباؤهم وأجدادهم".
توفر المدينة لسكانها، حسب قوله، بيئة تجسد التراث والهوية الثقافية الفلسطينية، وتُشعرهم بأسلوب الحياة المرتبطة بالعادات والتقاليد، ولكن بأسلوب حديث وعصري.
وتم تقسيم المدينة إلى حارات عدة، وتسميتها بأسمائها الكنعانية القديمة مثل: حي صوان، ومكمته (تعني الصخر)، ودليم، ووروار، وإكشاف، وترصة، لتجسد بذلك الهوية الثقافية والتاريخية لفلسطين.
ويضيف أن "أرصفة المدينة وممراتها معبدة بالحجارة وبالبلاط المتداخل بألوانه الزاهية، وبأعمال الحديد المميزة، التي تذكر بأصالة الماضي".
وتم تصميم النوافذ ومداخل البنايات، التي يأخذ بعضها شكل الأقواس الفلسطينية القديمة، لتزيد من عراقة وتراث المكان المستوحى من الفترة الكنعانية.
مزار سياحي ومركز تجاري ومدرج غنى على مسرحه الرباعي وعساف
ويبين الناطور أن مدينة روابي تشتمل على مبانٍ تجارية وحدائق وملاعب رياضية ودور للعبادة وفنادق ومصارف ومدارس وسينما ومطاعم، ومساحات خضراء ومحطة للغاز والألياف الضوئية.
وتضم أيضاً أكاديمية روابي الإنكليزية، فضلاً عن إنشاء المدينة أكبر مدرج على مستوى فلسطين، والذي تم تشييده على الطراز الروماني، ليتسع لأكثر من 15 ألف متفرج.
وكان الفنان التونسي صابر الرباعي أحيا حفلاً غنائياً على ذلك المدرج عام 2016، وكذلك محمد عساف.
Saber El Robaii Ya Aghla صابر الرباعى – يا اغلى
اغلى ماعندي اش باقى ماسويت *** انت ملكت الروح الاول وتانىطيفك يشاغلنى اذا مرة صديت *** ويقولى مالك فى حياتي بدالىأمير الطرب العربي Saber Rebai / صابر الرباعي يبدع في غناء #أغلى من حفل مدرج #روابي #ذكريات_2016
Gepostet von مدينة روابي Rawabi City am Dienstag, 4. Dezember 2018
زارها رؤساء وقادة العالم
ويردف الناطور أن "المدينة هي مزار سياحي لعدد كبير من أساتذة الجامعات وطلبتها حول العالم والفنانين العرب، والوفود من عدة برلمانات أجنبية".
وزارتها أيضاً شخصيات سياسية أوروبية أمثال الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، ورئيس وزراء النمسا كريستيان كيرن، ورئيس الوزراء الكندي جون بيرد، والأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون.
أشادوا جميعاً بهذا الصرح والقفزة الكبيرة التي حققتها مدينة روابي، حيث لم يتوقعوا أن يروا مشروعاً بهذا الجمال والضخامة في فلسطين.
ويأمل الناطور "أن تكون روابي مسقط رأس الجيل الجديد، وأن نستطيع تحويل أحلامهم إلى حقيقة، إضافة إلى ضرورة وجود تواصل جغرافي بين مدينة روابي وكل المدن والقرى الفلسطينية، والذي من شأنه أن يحد من التوسع الاستيطاني في هذه المنطقة".
والإقبال الشعبي عليها واسع يطول حتى سياح إسرائيل
الباحث بمجال السياحة والآثار محمد أبو جيش تحدث لـ "عربي بوست"، قائلاً: "مدينة روابي تشهد إقبالاً واسعاً من قبل المواطنين في شتى أنحاء مدن الضفة الغربية، ويتهافت عليها السياح المحليون والأجانب، للاطلاع عن قرب على أماكنها الترفيهية والثقافية ومرافقها التي تمزج بين الحداثة وأصالة التاريخ الفلسطيني العريق".
ونوه إلى أن "السياحة تلعب دوراً هاماً في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة، لتوفيرها مصدراً هاماً من العملات الصعبة وخلق فرص عمل للعاطلين عن العمل، إضافة إلى أن الطبيعة البشرية تهدف إلى التنقل وزيارة الأماكن السياحية حول العالم".
وقد بينت الإحصاءات، حسب قوله، أن ما يقارب الـ75% من السياح الأجانب الذين يزورون إسرائيل يذهبون إلى زيارة الأماكن السياحية في الضفة الغربية، ومن بين هذه الأماكن مدينة روابي.
لكن تجاوزات إسرائيل والمستوطنين تهدد صفوها
وحذّر أبو جيش من أن "إجراءات إسرائيل ومستوطنيها قد تؤثر على الاستثمار والسياحة في فلسطين، وستؤدي إلى عزوف عدد كبير من السياح المحليين والأجانب عن زيارة الأماكن السياحية".
ولفت إلى قيام إسرائيل بتزييف المعالم الأثرية الفلسطينية ونسبها إليها، وكذلك القيود التي تفرضها على السياح والمستثمرين عند دخولهم إلى مناطق الضفة الغربية، والتي تنذر بإحداث شلل تام في الحركة السياحية المقبلة إليها.
ولم يخلُ الأمر من انتقادات لتعاونها مع شركات إسرائيلية
وقد وُجهت سابقاً عدة انتقادات لمدينة روابي، كان أبرزها تعاقدها مع شركات إسرائيلية لتوريد المواد اللازمة للبناء.
وقد أكدت "روابي"، على لسان بشار المصري، الرئيس التنفيذي لشركة بيتي للاستثمار العقاري المطور للمدينة، لوكالة معاً الإخبارية، ما يلي: "إن الأولوية دائماً للشركات الفلسطينية، حيث تم توقيع أكثر من 100 اتفاقية مع شركات فلسطينية، وإن الحديث يدور عن تعاقدات مع شركات لا يزيد عددها على 12 شركة إسرائيلية، وذلك لتوريد مواد خام وخدمات أساسية غير متوافرة في السوق الفلسطينية".
وأوضح أنه يصعب استيراد بعض المواد مثل الأسمنت والرمل.
واعتبر أنه "في هذا ليس هناك فرق بيننا وبين أي مستثمر فلسطيني آخر"، مؤكداً أن القانون الفلسطيني يجيز التعاون مع الشركات الأجنبية، ومن ضمنها الإسرائيلية.
وتبرع "الصندوق القومي اليهودي" بـ3 آلاف شجرة صنوبر أوروبية لمدينة "روابي"، وتعرضت شركة "بيتي" لحملة حادة من الانتقادات في حينها، لأنها قبلت التبرع، إلى أن قامت باقتلاع الأشجار وغرست مكانها مزيداً من أشجار الزيتون البلدي.
وزار العشرات من وحدة "شمشون" العسكرية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مدينة روابي.
قاموا بنشاط تدريبي داخل المدينة، وقد أدى ذلك إلى خلق حالة من الاستياء الشديد بين المواطنين في الأراضي الفلسطينية.
وطالبوا بإجراء تحقيق حول كيفية السماح لقوة من الجيش الإسرائيلي بدخول المدينة.
للأعمال الفنية مكانٌ في روابي.. الزهرة الفلسطينية
ولم تخلُ مدينة روابي من أعمال الفنانين الكبار أمثال نبيل عناني، وهو أحد أهم الفنانين التشكيليين في فلسطين.
قدم لوحة فنية لعائلة فلسطينية تقف شامخة بملابسها التراثية وتتشابك أيديهم بعضهم مع بعض وهم يلتفون متماسكين حول العلم الفلسطيني في مواجهة مستوطنة عطيرت الإسرائيلية التي تحيط بالمدينة.
كان أفراد العائلة يوجهون ظهورهم لتلك المستوطنة، ووجوههم تتجه نحو مدينة روابي، التي يعتقدون أنها مستقبلهم القادم.
وقيام الفنان الروماني يوجين بتري بنحت يشير إلى أغنية الرجل على التل، التي ترمز إلى صعوبة الحفاظ على الضمير النظيف والعقل السليم في عالم متناقض.
واستطاع الفنان التشكيلي مايكل نوفوتني من نحت مجازي لرجل الثلج، خلق المتعة والفرح لأطفال روابي.
إضافة لقيام الفنان الجنوب إفريقي جون بات مايرز بنحت زهرة جنوب إفريقيا، وهي نحت يظهر مدينة روابي بأنها زهرة فلسطين.
Gepostet von مدينة روابي Rawabi City am Sonntag, 5. August 2018
والسكان المحليون فخورون بأنهم جزء من هذا النموذج
المواطن أحمد صالح (40 عاماً)، وهو أحد سكان مدينة روابي، يقول: "أشعر وعائلتي بسعادة غامرة، بتحقيق حلمنا أخيراً لنكون من سكان هذه المدينة الرائعة والعصرية، وما تتمتع به من أسلوب للحياة الراقية، وما تحتويه من مبانٍ فريدة تذكرنا بماضينا وتراثنا العريق، لتوفر لنا سبل الراحة الحياتية".
ويضيف صالح لـ "عربي بوست": "المدينة أصبحت نموذجاً يحتذى به من خلال حفاظها على النسيج الاجتماعي بين جميع سكانها لتحقيق الألفة والمحبة اللتين تربطان العائلات ببعضها ببعض، فهي توفر لنا ولأبنائنا جميع احتياجاتنا العلمية والترفيهية والبيئة الصحية السليمة".
ويقول: "روابي من أجمل مدن العالم، وما إن تضع قدمك فيها، تشعر بروعتها، حيث تجمع بين أروقتها حياة الريف والمدينة، وكذلك موقعها المرتفع عن سطح الأرض يميزها بالدفء والنقاء".
ويشير إلى أن "كل إنسان منا يرغب دائماً في الابتعاد عن صخب المدن وازدحامها إلى أماكن أكثر راحة، وهذا ما تمتلكه المدينة، فأنت تستطيع التجول في داخلها بكل طمأنينة، لتنعم بصفاء أجوائها، وخلوها من انبعاثات العوادم الضارة، والذي ينعكس إيجاباً على المدينة وسكانها".
فهل تتحول المقاومة في إسرائيل إلى جبهة التطوير العقاري لمنع المد الإسرائيلي من استغلال إمكانات ما تبقى من الأرض؟