يشير إلقاء القبض على المديرة المالية لشركة شبكات وأجهزة الهواتف المحمولة الصينية "هواوي" في كندا، إلى بداية مرحلة جديدة بالحرب الباردة التكنولوجية بين وكالات الاستخبارات الغربية وبكين.
وقد يكون هذا التطور كارثياً بالنسبة لشركة هواوي؛ فوفقاً لتقارير، تشتبه الولايات المتحدة في أنَّ الشركة الصينية انتهكت العقوبات الأميركية المفروضة على إيران عبر بيع أجهزة اتصالات لطهران.
وإذا ثبت هذا الاتهام، فقد ينتج عنه إقصاء شركة هواوي من عدة أسواق مهمة عبر العالم، وفق ما نشرته صحيفة The Guardian.
حرب من الكلمات الهادئة شنتها بريطانيا على الشركة
وبدأت حرب الكلمات الهادئة هذه تحتدم بالفعل الأسبوع الجاري، عندما قال رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني، أليكس يانغر، في خطابٍ له: "نحن بحاجة لإجراء حوارٍ" بشأن وجود شركة هواوي ضمن شبكة الاتصالات البريطانية.
ثُمَّ كشفت شركة BT، وهي شركة اتصالات بريطانية، الأربعاء 5 ديسمبر/كانون الأول 2018، أنَّها ستُزيل معدات الشبكات الخاصة بشركة هواوي من بعض أجزاء الشبكة الخاصة بشركة EE، وهي شركة مُشغِّلة لشبكة الهواتف المحمولة في بريطانيا.
وأصبحت "هواوي" أكبر شركة في العالم بمجال معدات شبكات الاتصالات منذ عام 2015، مُتقدِّمةً على منافسيها الأوروبيين، مثل شركتي Ericsson ونوكيا، ومتقدمة بفارق كبير على منافسيها المحليين، مثل شركتي ZTE وسامسونغ الكورية الجنوبية.
والسبب: التجسس على أنظمة الاتصالات لمصلحة الصين
لكنَّ الشركة تواجه صعوبات منذ سنوات، بسبب شكوك تلاحقها بأنَّها رضخت لضغوط الحكومة الصينية الراغبة في التنصُّت على أنظمة الاتصالات بالدول الأجنبية أو تعطيلها.
ونَتَجَ عن هذا منع الشركة الصينية من بيع معدات شبكاتها المُربِحة في الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، وهي 3 دول مُشترِكة في تحالف استخباراتي يُسمَّى "العيون الخمس"، الذي يضم أيضاً بريطانيا وكندا.
اعتقال منغ وانزهو قرار بالتصعيد نحو حجب الشركة
لكنَّ اعتقال منغ وانزهو في كندا بموجب مذكرة فيدرالية يُعَد تصعيداً كبيراً.
ففضلاً عن كون منغ المديرة المالية ونائبة رئيس واحدة من كبرى شركات العالم في مجال معدات شبكات الاتصالات الضرورية للهواتف الأرضية والمحمولة وخدمات الإنترنت، فإنَّها أيضاً ابنة رين شينغ، مؤسس الشركة البالغ من العمر 74 عاماً.
وأثار رين شكوك وكالات الاستخبارات الغربية، بسبب عمله في تكنولوجيا المعلومات لمصلحة الجيش الأحمر الصيني قبل تأسيس شركته عام 1987.
وتغذي التطورات الأخيرة مناخاً متنامياً من الشك وانعدام الثقة بالمعدات والتكنولوجيا الصينية.
وأثار اكتشاف أنَّ بعض أجهزة الهواتف المحمولة تُرسل بيانات المستخدمين الغربيين إلى خوادم بالصين الاستغراب في عام 2016، وفق ما نشرته آنذاك صحيفة New York Times.
وهناك تساؤلات متزايدة بشأن وجود وظائف تؤدي مهام سرية داخل أنظمة الاتصالات.
والسبب الحقيقي: مزاعم عن تنصت الشرطة على شركتي Apple وAmazon
تقريرٌ صادم لوكالة Bloomberg الأميركية، نُشِر في أكتوبر/تشرين الأول 2018، زعم أنَّ الصين زرعت رقائق مراقبة إلكترونية في الحواسب الخادمة المُستخدمة من جانب شركتي Apple وAmazon.
وبرغم نفي الشركات هذه المزاعم بشدةٍ، فإنَّها تعزز الرواية التي تفيد بأنَّ وكالات الاستخبارات تنظر إلى هيمنة الصين على قطاع التصنيع التكنولوجي باعتباره مصدر خطر على دولٍ تعتمد بشكلٍ كامل على شبكات الاتصالات.
وفي التحرك الأخير تصعيد وتحذير من شركات صينية أخرى
أميركا تجهز قضية للتحرك ضد الشركة
ويبدو أنَّ إلقاء القبض على مينغ كان جزءاً من قضية تجهزها الولايات المتحدة ضد شركة هواوي.
وتدرك صناعة تكنولوجيا الاتصالات بالفعل مدى خطورة الموقف؛ ففي مايو/أيار الماضي، فرضت إدارة ترمب حظراً على شركة ZTE الصينية، لخرقها تعهداً بعدم بيع معدات لإيران.
ومَنَعَ هذا الحظر أي شركة أميركية من بيع معداتها لشركة ZTE، وكان هذا كفيلاً بخنق أنشطتها، بسبب اعتمادها على الرقائق الإلكترونية المُصمَّمة في الولايات المتحدة.
في الوقت ذاته، حذَّر مركز الأمن الوطني الإلكتروني البريطاني، الذي يعتمد على خبرة هيئة الاتصالات الحكومية البريطانية وهي وكالة استخباراتية مسؤولة عن التنصت الإلكتروني، بشدة، من استخدام معدات شركة ZTE في شبكات الاتصالات البريطانية، على أساس أنَّ "مخاطر الأمن الوطني… لا يمكن التقليل من شأنها".
ومُنيَت شركة ZTE بخسائر تُقدَّر بنحو مليار دولار في الربع المالي الحالي.
والتهمة الرسمية: خرق العقوبات المفروضة على إيران
وتشتبه الولايات المتحدة، منذ فترة طويلة، في تورط شركة هواوي أيضاً بخرق العقوبات المفروضة على إيران.
وتُظهر وثائق داخلية صودرت من شركة ZTE عندما أُدينت بخرق العقوبات، أنَّ هناك شركة صينية أخرى، تحمل اسم مشفر F7، كانت تقوم بالمثل عن طريق إنشاء شركات "منفصلة عنها" لتبيع لها معدات، ثم تُباع هذه المعدات لاحقاً للدولة الخاضعة للعقوبات.
وتقول وثيقة شركة ZTE في فقرةٍ هامة، إنَّ "الحكومة الأميركية رفضت مقترح شركة F7 للاستحواذ على شركة 3leaf الأميركية".
وفي عام 2010، سعت شركة هواوي للاستحواذ على 3leaf، لكنَّها انسحبت بعد معارضة الحكومة الأميركية.