على نحو متوقع، محادثات أستانا فشلت ولم تثمر الجولة الحادية عشرة منها أي نتائج ملموسة.
ولكن لاحظ الخبراء أن تصريحات المسؤولين الروس حول سوريا قد تغيرت، حيث بدأت موسكو تأخذ مصالح تركيا بعين الاعتبار، وتمكنت من كبح جماح التطلعات العسكرية للأسد على حساب كل من تركيا والمعارضة المعتدلة.
وخلال المفاوضات، تم التطرق إلى مسألة مكافحة الإرهابيين في شرق نهر الفرات، بالأراضي الواقعة تحت سيطرة القوات الموالية للولايات المتحدة.
محادثات أستانا فشلت في تعيين لجنة تعيد صياغة الدستور
في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، انتهت الدورة الحالية لمحادثات أستانا، التي استغرقت يومين.
لكنها لم تقدم حلاً لإحدى أبرز القضايا السورية، المتمثلة في إنشاء لجنة دستورية مكونة من 150 عضواً، لكتابة دستور جديد للبلاد تحت إشراف الأمم المتحدة.
ومرة أخرى، لم يشر البيان الختامي إلى تاريخ تشكيل اللجنة.
واكتفت الدول الضامنة للهدنة (روسيا، وتركيا، وإيران) بتأكيد تصميمها على تكثيف الجهود المشتركة في سبيل تحقيق هذا الهدف.
من جهته، أعرب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا، ستافان دي ميستورا، عن أسفه لعدم إحراز أي تقدُّم في محادثات أستانا، واصفاً المفاوضات بـ "الفرصة الضائعة"، وقد وعد بتشكيل اللجنة قبل حلول 31 ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي (2018).
ومحادثات أستانا، التي انتهت الخميس 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كانت الجولة الـ11 منذ بدء موسكو مساعي دبلوماسية مطلع 2017.
من الجدير ذكره أن دي ميستورا يغادر منصبه في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بعد أكثر من 4 سنوات من الوساطة غير المثمرة.
كان هدف اللجنة الدستورية صياغة دستور جديد لسوريا، لكن دمشق تعارض التشكيلة التي عرضتها الأمم المتحدة.
ولكنها وعدت بتبادل قريب لعشرات السجناء
في الوقت نفسه، توصلت أطراف المفاوضات إلى اتفاق يقضي بتبادل السجناء، وقد تمت أول عملية تبادل من هذا القبيل في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.
المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، قال إنه "من الصعب ذكر أرقام محددة في الوقت الراهن، لكننا نأمل أن يتم تبادل ما بين 50 و60 سجيناً بين الأطراف المتنازعة في سوريا خلال الأشهر القليلة القادمة".
خلال الدورة الأخيرة لمحادثات أستانا، تباينت مواقف موسكو وسلطات دمشق الرسمية بشأن إدلب.
روسيا دعت لوأد أي اقتتال سوري تركي
ورداً على تصريح الممثل الدائم حالياً للجمهورية العربية السورية بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بشار جعفري، الذي اتهم أنقرة بعدم الامتثال لبعض الاتفاقيات، وتوعد باتخاذ سلطات دمشق تدابير لا تخدم مصالح تركيا- أفاد ألكسندر لافرينتيف بأنه لا يرى أسباباً مقنعة لخوض تركيا وسوريا صراعاً عسكرياً.
وأضاف المبعوث الروسي أن أنقرة من بين الدول الضامنة للهدنة، ومفاوضات أستانا، داعياً ممثلي المعارضة المعتدلة الموجودين في إدلب إلى ضرورة تحرير المنطقة من الإرهابيين.
وحيال هذا الشأن، قال المبعوث الروسي: "أتمنى وبشدة، أن تتمكنوا من القيام بذلك بمفردكم. ونحن مستعدون لتقديم جميع أنواع المساعدة، بالتعاون مع وحدات القوات الحكومية السورية".
واعترفت لأول مرة بـ "المعارضة المعتدلة"
يرى الخبير الروسي ومدير مركز الدراسات الإسلامية في معهد التنمية المبتكرة، كيريل سيمينوف، أن اعتراف روسيا بوجود المعارضة المعتدلة يشير إلى تغير موقف أطراف المفاوضات في الدورة الأخيرة لمحادثات أستانا.
وقال سيمينوف لموقع News.ru الروسي، إن "خطاب موسكو المتعلق بإدلب كان مختلفاً بعض الشيء، ويتعلق أساساً بصعوبة الفصل بين الجماعات الإرهابية والمعارضة المعتدلة".
وأضاف: "يدل ذلك على أن روسيا لم تركز بعدُ على حل قضية إدلب، وتنتظر اتخاذ تركيا إجراءات بشأن الانسحاب النهائي للمتطرفين من المنطقة منزوعة السلاح".
يعتقد سيمينوف أنه سيتم في المستقبل القريب الإعلان عن الشروط الحقيقية لتطهير المنطقة منزوعة السلاح.
وأضاف الخبير أنه "في وقت سابق، وتحت ضغط من دمشق، منحت موسكو أنقرة مهلة لا تتجاوز أسابيع لتطهير المنطقة منزوعة السلاح من الجماعات الإرهابية، لكننا هنا نتحدث عن حوالي 15 ألف مقاتل من هيئة تحرير الشام، التي كانت تعرف بجبهة النصرة سابقاً".
دمشق تركز على شرق الفرات حيث القوات المدعومة أميركياً
خلال الدورة الأخيرة لمحادثات أستانا، تم التركيز على الوضع في المقاطعات الشمالية الشرقية السورية الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية الموالية للولايات المتحدة الأميركية.
ووفقا لألكسندر لافرينتيف، فإن الدول الضامنة للهدنة لا ترى ضرورة في الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي.
كما يأمل لافرينتيف في القضاء على الإرهابيين في المنطقة، مشيراً إلى أن الجيش السوري قد هزم جماعات تنظيم الدولة المتمركزة في العديد من المحافظات السورية، بما في ذلك السويداء.
وتركيا تريد القضاء على الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة ولكن..
في 30 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عزمه دحر الجماعات الإرهابية المتواجدة شرق نهر الفرات.
وخلال خطابه، لم يقصد الزعيم التركي تنظيم الدولة فقط، بل وحدات حماية الشعب الكردية ووحدات أخرى مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية.
كما اتهمت أنقرة في العديد من المناسبات الولايات المتحدة بدعمها للوحدات الكردية عن طريق تزويدها بالأسلحة.
ويرى الخبراء أنه في ظل تواجد القوات الأميركية في المنطقة، فإن تنفيذ تركيا لعمليات عسكرية هناك أمر مستحيل.
الاقتتال شرق الفرات يخدم تركيا.. لا روسيا
ويرى الخبير في مجلس الشؤون الخارجية الروسي، الذي يتخذ من أنقرة مقراً له، تيمور أحمدوف، أن تحويل الدول الضامنة للهدنة تركيزها من الوضع داخل إدلب إلى الوضع في شرق الفرات من الأمور التي تخدم مصالح تركيا، ويعد بمثابة إشارة إيجابية لها.
وأفاد أحمدوف بأن "أنقرة ستؤجل تنفيذ الاتفاقية المبرمة في سبتمبر/أيلول من العام الحالي من طرف الرئيس التركي ونظيره الروسي في سوتشي، على الرغم من تواجد الإرهابيين من المنطقة المنزوعة السلاح ومواصلتهم السيطرة على طرق مهمة تربط المحافظة مع بقية أرجاء سوريا".
يعتقد أحمدوف أنه لا يمكن مناقشة الطرق العملية لتغيير الوضع في شمال سوريا.
ويقول: "ففي المقام الأول، من الضروري التوصل إلى اتفاق بشأن ذلك مع الولايات المتحدة. وثانياً، إن موسكو في غِنى عن ذلك، ناهيك عن أن التدخل في النزاع بين تركيا والولايات المتحدة بسبب العمليات في شرق الفرات لا يخدم مصالح روسيا".
ويوضح: "بالإضافة إلى ذلك، فإن ديناميات الصراع بين تركيا والولايات المتحدة تعزز موقف روسيا في العديد من النقاط الأخرى".
والأكراد مستنزَفون على أكثر من جبهة.. لذا الحل ليس في أستانا
وحسب سيمينوف، فإن القوات الموالية للولايات المتحدة في سوريا (الأكراد) تتعرض للعديد من المشاكل أثناء مواجهتها لجماعات تنظيم الدولة المتمركزة في شمال شرق سوريا.
وأشار سيمينوف إلى أنه "يمكن لجماعات تنظيم الدولة الدخول إلى سوريا عبر العراق والعودة إليها من جديد عبر الحدود الصحراوية. ويقوم الأكراد بنقل قواتهم الرئيسية إلى المناطق التي يخشون عليها من الغزو التركي".
واعتبر أن هذه التحركات تجعلهم عاجزين عن السيطرة على المنطقة بشكل موحد.
كما أن تواجد عدد قليل من قوات سوريا الديمقراطية على الحدود العراقية – السورية يكبِّد القوات الكردية خسائر فادحة.
وأكد سيمينوف أنه لن يتم التوصل إلى حل بشأن الوضع في شرق الفرات من خلال محادثات أستانا.
وأشار إلى أن "موسكو قامت باتخاذ مبادرة دبلوماسية، تزامناً مع رغبة أنقرة في التوصل إلى حل بشأن حزب العمال الكردستاني والوحدات التابعة له".
وتشارك في محادثات أستانا عاصمة كازاخستان، تركيا الداعمة لفصائل معارضة سورية، وروسيا وإيران الداعمتان لنظام دمشق.
وقد رسخ مسار أستانا دور موسكو المهم بعد أن أتاح تدخلها العسكري في خريف 2015 تغيير المعطيات الميدانية لصالح النظام السوري.