قالت وكالة The Associated Press الأميركية، إن أول جولة خارجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ستكشف المؤشرات الأولية على ما سيواجهه من عواقب عملية القتل الوحشية.
ويزور الأمير محمد بن سلمان حالياً حلفاء مقربين في الشرق الأوسط قبل أن يحضر قمة مجموعة العشرين التي ستُعقَد في الأرجنتين في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث سيلتقي وجهاً لوجه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دافع عن علاقات بلاده مع المملكة. وسيلتقي كذلك قادة أوروبيين والرئيس التركي، الذي قاد حملة الضغط على الرياض منذ قُتِلَ خاشقجي وقُطِعَ أشلاء في القنصلية السعودية في إسطنبول حسب تقرير وكالة The Associated Press الأميركية.
وقال إتش إيه هيلر، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة والمجلس الأطلسي: "سيكون الأمر في حقيقته حول ما إذا كان بإمكانك (الأمير) السفر إلى بقية العواصم الغربية في المستقبل القريب متوقعاً أن تصافح الآخرين، لكنني لا أعتقد أن هذا ما سيكون عليه الوضع".
جولة الأمير محمد بن سلمان لن تكون مثل سابقاتها
قال تقرير وكالة The Associated Press الأميركية إن جولة الأمير، التي تستهدف تحسين صورته وتعزيز العلاقات مع حلفاء المملكة، توحي بأنها ستكون على النقيض من زيارة الأمير المطولة إلى الولايات المتحدة في أبريل/نيسان الماضي، التي التقى خلالها المدير التنفيذي لشركة بلومبرغ مايكل بلومبرغ، ورجل الأعمال البارز روبرت مردوخ، ومدير شركة ديزني بوب إيغر، والمؤسس المشارك لشركة جوجل سيرغي برين، والمدير التنفيذي لشركة آبل تيم كوك، والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، وغيرهم الكثير.
وقال هيلر: "من المستحيل أن يُجري (الأمير) مثل هذه الجولة حالياً"، مضيفاً أنَّ خطة ولي العهد حضور قمة مجموعة العشرين في بوينس آيريس "توحي لي بأنه يشعر أنه قد نجا من العاصفة، أو أنه إذا أراد أن ينجو من العاصفة فهذا هو ما يجب عليه فعله تحديداً".
وعقب تنصل السلطات السعودية من مقتل خاشقجي لأسابيع، استقرت في نهاية الأمر على رواية أنه قُتِل في عملية استهدفت إعادته قسراً إلى المملكة. وتقول النيابة السعودية أنَّ هذه الخطة دبرها مستشاران سابقان لولي العهد، وتسعى النيابة الآن لتطبيق عقوبة الإعدام على 5 أشخاص يُزعَم تورطهم في عملية القتل.
ويبدو أنَّ هذا كان كافياً لحسم المسألة بالنسبة لترامب، الذي أصدر بياناً استثنائياً الأسبوع الماضي يقول فيه إنَّ الولايات المتحدة لن تتخذ أية إجراءات إضافية عقب إصدار عقوبات ضد 17 سعودياً لدورهم في عملية القتل.
تجاهل ترامب تقييمات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وخبراء آخرين التي انتهت إلى تورط ولي العهد السعودي في هذه العملية التي نُفِّذت على مستوى عالٍ. وقال الرئيس الأميركي إنه سيحافظ على استمرار العلاقات الوثيقة مع السعودية؛ نظراً لما تتمتع به من ثروة نفطية وتوقيعها صفقات شراء أسلحة أميركية بمليارات الدولارات، من بين أسباب أخرى.
ويبدو أنَّ جدال ترامب بأنَّ ولي العهد "ربما كان يعلم، وربما لم يكن يعلم" بتنفيذ الجريمة مهد السبيل لعودة الأمير إلى المنصات الدولية.
حتى وإن قابل ترامب ولي العهد، فسيظل محمد بن سلمان شخصاً غير مرغوب فيه
وحسب وكالة The Associated Press الأميركية، فحتى وإن صافحه ترامب في قمة مجموعة العشرين، سيظل الأمير شخصاً غير مرغوب فيه داخل دوائر النفوذ في واشنطن، حيث طالب أعضاء في الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومسؤولين في وادي السيليكون وبورصة وول ستريت بتبني موقف أشد.
ويمكن أن يحظى ولي العهد أيضاً باستقبال بارد من قادة آخرين في قمة العشرين. ففي أوروبا، تصاعدت مطالب بوقف صفقات الأسلحة مع السعودية، وربما لا تزال كندا متأثرة من الخلاف الدبلوماسي الذي أشعله غضب سعودي بسبب انتقاداتها لحقوق الإنسان في المملكة.
وكان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي من المتوقع أن يحضر القمة، دورٌ مؤثر في تأجيج ردود الفعل العنيفة عالمياً التي يواجهها الأمير الآن.
وبالرغم من موجة الغضب الدولي، يعكس قرار ولي العهد السفر إلى الأرجنتين أنه لا يزال يحظى بدعم قوي من والده الملك سلمان، البالغ من العمر 82 عاماً، وأنه لا يواجه أي خطر شديد داخل المملكة.
كانت أولى محطات ولي العهد في الإمارات
في أولى محطات جولة ولي العهد، في الإمارات العربية المتحدة، استقبله عند مدرج الهبوط ولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد، وهو حليف مقرب يُقال إنه كان مرشداً للأمير البالغ من العمر 33 عاماً. وحضر ولي العهد السعودي سباق الجائزة الكبرى لفورميلا وان في أبوظبي، حيث نُشِرَت مقاطع فيديو له وهو يجلس في مقصورة الشخصيات المهمة ويتحدث مع ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس ورئيس الشيشان رمضان قديروف.
وفي إشارة محتملة على حدوث تغيرات، بدأ الأمير محمد بن سلمان جولته الخارجية ترافقه شخصيات قد تصبح ذات حيثية أكبر في الوقت الذي يعيد فيه الأمير هيكلة دائرة مستشاريه. ومن بين هؤلاء، وزير الدولة محمد الشيخ ورئيس الاستخبارات العامة خالد الحميدان، والمستشار في الديوان الملكي الأمير تركي بن محمد بن فهد، إلى جانب آخرين.
أما المستشاران المقربان المتورطان في مقتل خاشقجي، وهما سعود القحطاني الذي كان مستشاراً في الديوان الملكي وصديقاً لولي العهد، وأحمد العسيري اللواء في الجيش الذي رقاه ولي العهد إلى مرتبة عليا في الاستخبارات، فقد أقيلا من منصبيهما الشهر الماضي. ويشرف ولي العهد بنفسه على السلطة في المملكة بكافة مستوياتها، بما في ذلك قوات الجيش والأمن.
من جانبه، قال المحلل السعودي محمد اليحيى إنه على مدى العامين الماضيين هُمِشَت الكثير من مؤسسات الدولة في المملكة لتحل محلها عملية صنع قرار أسرع وموجهة، يقودها أشخاص محدثون في السلطة.
وقال اليحيى: "أعتقد أنَّ هناك إدراكاً حقيقياً في المملكة حول الحاجة إلى إحداث تغيير هيكلي جدّي لضمان عدم حدوث شيء مشابه مرة أخرى. وأظن أننا سنرى بالتأكيد العودة جزئياً إلى التوجه المؤسسي، وعملية صنع قرار قائمة على الإجماع، والالتزام بإجراءات محددة".
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت عملية صنع القرار ستشمل إشراك دائرة أوسع من المستشارين أم لا، وما إذا كانوا سيعارضون قرارات ولي العهد أو ما إذا كان سيُنصِت لآرائهم أم لا.
فيما قال سيمون هندرسون، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي كتب باستفاضة عن ولي العهد، "لم يتنامَ إلى علمي أنه يعين عمداً أي شخص قد يخبره: هذه فكرة سيئة حقاً".
وأضاف هيندرسون: "لا يتلقى هذه النصائح المخالفة، ولا يسعى كذلك للحصول عليها من دائرته المقربة ولا من أطراف خارجها. قد يكون يسمع لكنه لا يستوعب".