قالت صحيفة The New York Times الأميركية إن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من مقتل جمال خاشقجي ومحتوى البيان الذي أصدره، أمس الثلاثاء، 20 نوفمبر/تشرين الثاني، قد أكد صحة رسومات الكاريكاتير التي رسمها أكثر الناقدين الأميركيين تهكماً، حين صور أن الأهداف الأساسية لأميركا هي اللهث وراء المال وتحقيق مصالحها الخاصة.
ومتجاهلاً نتائج تحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، قال ترامب، في بيانٍ مُشوَّش نشره البيت الأبيض، إنه بقدر ما كان مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي خطأً، وبغض النظر عن المذنب الحقيقي، فهو لن يقف في وجه النظام السعودي. وأضاف أنه لن يجازف بالأموال التي تضخها السعودية وإمداداتها من النفط، ولا بالمساعدة التي تقدمها في الشرق الأوسط، بتحميل وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان مسؤولية عملية القتل حسب تقرير نشرته صحيفة The New York Times الأميركية.
بيان ترامب خطر على سلامة الصحافيين
وفقاً للصحيفة، فقد أكد الرئيس مجدداً في بيانه تمسُّكه باستخدام علامات التعجب، وإن لم يؤكد التزامه بالوصول للحقيقة والعدالة، فقال: "من المحتمل أن وليّ العهد كان على علم بالحادث، ربما كان على علم وربما لا!".
يُذكَر أنَّ خاشقجي، الذي كان يقيم في ولاية فيرجينيا لكنه لم يكن يحمل الجنسية الأميركية، كان يكتب أعمدة في صحيفة The Washington Post الأميركية. ومن ثم، فإنَّ فشل الرئيس ترامب في توجيه الانتقاد، ولو بعبارات قليلة، لعملية القتل الشنيعة التي شملت إرسال فرق اغتيالات مسلحة بمنشار عظام لخنق خاشقجي وتقطيع أشلائه لأنه تجرأ على انتقاد وليّ العهد، لم يصبّ في صالح سلامة الصحافيين ولا الجالية الأميركية في الخارج.
ويعد وليّ العهد السعودي، البالغ من العمر 33 عاماً، حليفاً مقرباً لترامب وصهره جاريد كوشنر، وصاحب رؤى مشابهة.
وفي مستهل تصريحه، وفقاً لتقرير الصحيفة، قال ترامب: "العالم مكان خطير جداً!". وهو بالتأكيد يسهم في جعله أخطر بتشجيع الطغاة في السعودية ودول أخرى. وبدت عملية القتل، التي أزاح الستار عنها بكل تفاصيلها الوحشية تسجيلٌ صوتي تركي وأعقبها سيل من الروايات السعودية الكاذبة كل منها تتراجع عمَّا سبقتها، وكأنها تعكس غرور جيل وليد من القادة الديكتاتوريين ليس لديهم خجل ولا حكم أخلاقي على الأمور. وما يفعله الرئيس ترمب هو التأكيد على حصانتهم ضد العقاب".
العلاقات تقوم على الانتفاع المتبادل
وقالت الصحيفة إن بيان ترامب عكس بعبارات مبسطة وغير دقيقة في أغلبها رؤية الرئيس حول أنَّ جميع العلاقات تقوم على الانتفاع المتبادل، وأنَّه لا بد من التضحية بالاعتبارات الأخلاقية والإنسانية لصالح تحقيق مفهوم بدائي عن المصالح القومية الأميركية، أو مثلما صاغه "أميركا أولاً!".
وقال الرئيس: "ربما لن نعرف أبداً جميع الحقائق المحيطة بجريمة قتل جمال خاشقجي. في جميع الأحوال، علاقاتنا هي مع المملكة العربية السعودية".
وتطرَّق ترامب في بيانه إلى ذكر خاشقجي لأول مرة عقب حديث مطول عن إيران، اتهمها فيه صراحةً بأنها الوحيدة المسؤولة عن الحرب في اليمن. ونبذ ترامب الأدلة الوفيرة على شن السعودية حملة جوية عشوائية في اليمن أسفرت عن كارثة إنسانية، زاعماً أنَّ السعوديين سينسحبون "بسرور" من هناك في حال فعلت إيران ذلك، بل وسيقدمون كذلك مساعدات إنسانية.
وخصَّص ترامب بعدها فقرةً كاملة تحدث فيها عن عشرات المليارات من الدولارات التي حصل عليها من السعودية في صورة استثمارات وصفقات أسلحة، وهي مزاعم مبالغ فيها جداً.
وحين جاء ترامب أخيراً على ذكر خاشقجي اكتفى بوصف الجريمة بأنها "مروعة"، وردد افتراءات السعودية بأنَّ الصحافي الراحل كان "عدواً للدولة" وإسلاموي، مستطرداً بخبث أنه على الرغم من ذلك لم يؤثر هذا على حكمه على واقعة القتل.
وهذه ليست المرة الأولى التي يلمح فيها ترامب إلى أنه ليس بالشخص الذي يمكن أن تخاطر الولايات المتحدة بمصالحها من أجله.
الكونغرس يلزمه التدخل
وفي ظل غياب إدارة فعلية من الرئيس، قالت الصحيفة إن مسؤولية التصرف وحماية موقف الولايات المتحدة في العالم باتت تقع على عاتق الكونغرس. ويعي ترامب أنه على وشك التصادم مع السلطة التشريعية؛ إذ إنه اختتم بيانه بتحدي أعضاء الكونغرس، قائلاً إنهم إذا كانوا يرغبون "لأسباب سياسية أو لأسباب أخرى في اتباع طريق آخر"، فليحاولوا فعل ذلك.
وكان ترامب يشير هنا إلى تصاعد دعوات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس لاستغلال صفقات بيع الأسلحة في معاقبة السعودية. وتضع كلمات ترامب تحدياً أمام السيناتور ليندزي غراهام، النائب عن ولاية ساوث كارولينا، الذي تردد بين المعارضة القوية والدعم الضعيف للرئيس ترامب.
وعقب ساعات من نشر البيت الأبيض بيان الرئيس، أصدر غراهام انتقاداً، قال فيه: "أومن بشدة أنه سيكون هناك تأييدٌ قوي من كلا الحزبين لصالح فرض عقوبات جدية على السعودية، بما في ذلك أفراد العائلة الملكية المعنيين، على خلفية هذا العمل البربري الذي خالف كل الأعراف الحضارية. ورغم أن السعودية حليف استراتيجي، فإنَّ سلوك وليّ العهد عكس من عدة نواحٍ عدم احترامه لهذه العلاقة، وجعله، في رأيي، شخصاً سيئ السمعة".
وأخيراً، بالنظر إلى جريمة قتل جمال خاشقجي وحالات انتهاك حقوق الإنسان، فإنَّ تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة يستوجبان ألا يفلت أي متورّط في السعودية، وبالأخص وليّ العهد، من العقاب