أيام قليلة قبل موعد زفافهما قضت طائرات إسرائيلية على الفرحة في قلبي فادي ويارا ، ففستان الفرح الأبيض الذي قدمت به عروسه من سوريا وغرفة نومه في قطاع غزة تحولت إلى كتلة من ركام والغبار، شاهدة على حلم حبيبين لم يكتمل.
كان فادي الغزالي من حي الشيخ رضوان صحبة عائلته بمدينة غزة، كحال العديد من المواطنين، يتابع الأحداث الميدانية المتسارعة والتصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة عبر شاشة التلفاز.
إلى أن تفاجأ كما يحكي لـ"عربي بوست" بإطلاق طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لصاروخ تحذيري استهدف عمارة الرحمة المجاورة لمنزلهم، ليتعالى صراخ سكان المنطقة خاصة النساء والأطفال ثم خرجوا يركضون في جميع الاتجاهات لتجنب إصابتهم بشظايا القذائف الإسرائيلية.
نزل فادي وعروسه يارا وعائلته أسفل المنزل، ودخلوا بيت أحد جيرانهم والذي لا يبعد سوى 50 متر عن بناية الرحمة ليجدوا مكاناً آمناً يحتمون به من غدر الطائرات الإسرائيلية.
وبعد عدة دقائق قصفت البناية بالصواريخ لتحولها لكومة من الركام وتلحق الضرر بالمنازل المجاورة ومن بينها منزل عائلة فادي.
دقائق من القصف ضيعت شقاء سنوات
خرج فادي من بيت جيرانه وتوجه مسرعاً لشقته والتي قام بإنشائها وتجهيزها بعد أكثر من 5 أعوام من عمله في أحد محال بيع الحلويات في مدينة بيت حانون والذي تعرض للقصف هو الآخر خلال العدوان الإسرائيلي علي غزة صيف عام 2014.
كانت المفاجأة الكبرى أن شقته لم تعد كما كانت قبل دقائق معدودة من القصف، فالدمار أحالها لكومة من الركام وقد اختلطت معالم الغرفة على بعضها البعض وتناثرت الحجارة والأخشاب في كل مكان.
يضيف فادي والحسرة تعلو ملامحه "دخلت الشقة وكأن زلزالاً قد حل بها، فالحجارة تتراكم فوق السرير والملابس متناثرة بكل مكان والنوافذ وجدران المنزل قد هدمت بشكل كامل".
الحلم الذي كان فادي على وشك تحقيقه وكان ينتظره بشغف تبخر في ثواني معدودة، وفرحه الذي كان مقرراً في 18 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري قد تأجل، فكيف سيتم الفرح والمنزل تم تدميره؟ ولا توجد بدائل لدى الشاب في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها القطاع.
قام بإزالة بعض الحجارة المتراكمة على السرير والستائر والسجاد بداخل الغرفة، وإزالة الأتربة عن فستان خطيبته الأبيض والذي جلبته من سوريا، وقد تمزقت بعض من أطرافه، ليكون "شاهداً على مأساتنا وحلمنا الذي رسمناه سوية ولم يتحقق بعد كل هذا الدمار الذي حصل بمنزلنا" يعلق الشاب بحسرة.
لمدة 5 أعوام متتالية وهو يقوم بتجهيز الشقة التي ستكون عشاً للزوجية التي ستجمعه بخطيبته يارا، ومع هذا الدمار ففرحتهما قد دمرت أيضاً فلم يعد المنزل صالحاً للعيش فيه مطلقاً ويحتاج لإعادة ترميمه من جديد.
حضرت العروس بعد معاناة لتختفي الشقة
ويوضح فادي لـ"عربي بوست" أن "الدمار الذي حل بمنزله لم يكن مفاجئاً لخطيبته يارا والتي من المفترض أن يرتبط بها خلال أيام قليلة، والتي حضرت لقطاع غزة في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، من مدينة خان شيخون السورية بمحافظة إدلب والتي عايشت الدمار والمجازر التي ارتكبتها قوات النظام بالحي الذي كانت تقطن به وبالمناطق المجاورة لمنزلها من خلال عمليات القصف المستمرة التي كانوا يتعرضون لها يومياً.
ويؤكد أنه تربطه علاقة حب كبيرة مع يارا استمرت لأكثر من 5 أعوام متتالية وقد تعرف عليها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وقد فشلت عروسه عدة مرات من الوصول لغزة بسبب المضايقات المصرية والتي كانت تمنع دخولها إلى قطاع غزة لأسباب مجهولة.
حتى تيقن تماماً بأن قدوم يارا لغزة بات مستحيلاً، بعد عدة مطالبات قامت بها عائلته للسفارة الفلسطينية والسورية في مصر للسماح بدخول عروسه لقطاع غزة لإتمام مراسم الزفاف والذي بات قريباً.
وقبل أسابيع اقترب حلمه من التحقق حين وافقت السلطات المصرية على دخول يارا كحالة إنسانية إلى قطاع غزة بعد المعاناة التي شهدتها خلال طريق وصولها لغزة بفعل الحواجز العسكرية المنتشرة والتي كانت تفرض على المسافرين إفراغ حقائبهم، بالإضافة لتعرضهم لعمليات التفتيش الجسدية المهينة والتي يتعرض لها أي مسافر لغزة.
وبتنهيدة تدل على حزنه ومأساته يقول فادي "يبدو أن المعاناة التي هربت منها خطيبتي من المعارك الطاحنة في سوريا قد أكدت لديها أن سوريا وغزة هما وجهان لعملة واحدة فالموت يصاحب السوريين والفلسطينيين بغزة بكل وقت والموت والدمار يلاحق الجميع بدون استئذان، وأنه مكتوب عليها أن لا تتفاجأ حين تعلم أن الدمار أصبح يلاحقها لذنب لم تقترفه".
وأهل غزة تضامنوا لإعادة الفرحة للعروسين
وما إن انتشرت قصة فادي وعروسه المأساوية بين المواطنين في قطاع غزة حتى انطلقت مبادرات التكافل وأطلق نشطاء حملة "كلنا حندعم فادي الغزالي" عبر فيسبوك والتي لاقت إقبالاً ورواجاً كبيرين.
نجم عنها قيام أحد المصورين بتصوير فرح فادي ويارا بشكل مجاني، مشيراً إلى أن هذا أقل ما يقدمه كمصور فلسطيني وصاحب ستوديو تصوير أفراح لشاب حوَّل الاحتلال فرحه إلى دمار.
كما قام محل تأجير بدل الزفاف بتقديم بدلة زفاف بيضاء هدية للعروس يارا بدل التي أفسدها القصف الإسرائيلي، وتكلف صالون تجميل بغزة بكوافير العروس بشكل كامل ومجاني، إضافة إلى مبادرات أخرى عديدة لرسم البسمة على شفاه العروسين.