بدت تقاسيم وجه رئيس الحكومة واثقة خلال جلسة التصويت التي خصصها البرلمان التونسي للمصادقة على تشكيلة حكومة الشاهد ، التي استمرت حتى ساعة متأخرة من ليل الإثنين- الثلاثاء، وتمكن خلالها من الحصول على أغلبيّة مريحة، رغم مقاطعة حزبه نداء تونس للتصويت.
فقد منح البرلمان التونسي الضوء الأخضر للتعديل الوزاري الذي طرحه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ونجح جميع الأعضاء الجدد في تخطي أغلبية 109 أصوات على الأقل من مجموع أصوات النواب، التي ينص عليها الدستور التونسي لنيل الثقة.
واعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في تصريحات خاصة لموقع "عربي بوست"، أنّ "موافقة يوسف الشاهد على طلب جلسة عامة استثنائية لمنح الثقة للأعضاء الجدد استند فيها على أمرين؛ أولهما أنّه ضمن وجود أغلبية مريحة، وذلك من خلال الكتل البرلمانية التي قرّرت الوقوف إلى جانبه وأن تشكل معه الحكومة الجديدة، وثانياً لأنّه أدرك أنّ خصومه داخل نداء تونس قد تراجع وزنهم برلمانيّاً، وأصبحت قدرتهم على تعطيل التعديل الوزاري محدودة".
العداوة مع الرئيس وابنه لن تصل للقطيعة
وأضاف الجورشي أنّ رئيس الحكومة اطمأن إلى أنّ علاقته مع الرئيس التّونسي الباجي قائد السبسي لم تصل إلى حد القطيعة، بعد أن أشار هذا الأخير إلى أنّه سيحترم أيّ قرار يقرّه البرلمان.
وأكد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في مؤتمر صحافي، عُقد الخميس الماضي، أنه إذا وافق البرلمان التونسي على التعديل الوزاري، فلن يعارض ذلك، وسيستقبل الوزراء لتأدية اليمين، وذلك على الرغم من رفضه للطريقة التي انتهجها الشاهد في إجراء التعديل، وعدم منحه وقتاً كافياً للاطلاع على قائمة الوزراء وكتّاب الدولة المقترحين، وأخذ رأيه فيها، وفق تعبيره.
من جهة أخرى، عزّز يوسف الشاهد موقعه في الصراع مع حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس والمدير التنفيذي لحزب نداء تونس، وكسب جولة جديدة أمامه رغم عدم وجود توافق سياسي حوله.
وتراجع دور حافظ قائد السبسي بشكل ملحوظ، بسبب الأزمة الهيكلية التي يمر بها حزبه، وعدم بروز مؤشرات على قدرة نداء تونس على التعافي قبل الانتخابات التشريعيّة والرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، رغم اندماجه مع حزب الاتحاد الوطني الحر.
أزمة التعديل الحكومي تعكس أزمة نداء تونس
يعيش حزب نداء تونس صراعاً داخلياً عميقاً بين جناحه البرلماني المتمسك بالشاهد لمواصلة قيادة المرحلة التوافقية، والإدارة التنفيذية للحزب بقيادة حافظ، الباحث عن بديل جديد.
وصرّح القيادي في حزب نداء تونس، رضا بلحاج، في وقت سابق، أن رئيس الحكومة بات يُمثل عبئاً على البلاد، ولا تحرّكه إلا مصلحته الذاتية، وأنه يشكل خطراً عليها وعلى معظم الأحزاب.
ودعا حافظ قائد السبسي حركة النهضة إلى تحمل مسؤوليتها والتخلي عن دعمها للشاهد، لمواجهة التحديات التي يعاني منها الاقتصاد وكبح نسب التضخّم غير المسبوقة.
وأعلن حزب نداء تونس قبل التصويت، أنه قرر سحب وزرائه من حكومة يوسف الشاهد "باعتبارها حكومة النهضة المنقلبة على الشرعية التي أفرزتها انتخابات 2014″، مُهدّداً برفع الغطاء السياسي عن الوزراء الرافضين لقرار المكتب السياسي.
والنهضة تحاول الإبقاء على شعرة معاوية
في المقابل، تعمل حركة النهضة على الإبقاء على حد أدنى من الثقة بينها وبين الرئيس التونسي، رغم اعتراف السبسي بانتهاء التوافق بينها، ولكنها أصبحت في شبه قطيعة مع حافظ، الذي شنّ عليها هجوماً قويّاً منذ أعلنت دعمها لحكومة الشاهد رغم تعالي الأصوات المنادية بعزله.
أبرز الجورشي أنّ خطّة حزب نداء تونس ترتكز أساساً حول هدف محاربة حركة النهضة وما تسميه بالإسلام السياسي، وهو ما يجعل حصول تقارب بين أكبر حزبين في البلاد قبل الانتخابات مستبعداً للغاية.
وعبّرت حركة النهضة في بيان صحافي، يوم الثلاثاء، عن ارتياحها لمنح الثقة للوزراء وكتاب الدولة الجدد، معتبرة إيّاه "دعماً قويّاً لخيار الاستقرار الحكومي الذي دافعت عنه الحركة طيلة الأشهر الأخيرة".
وتعد هذه الأغلبية، بحسب مراقبين، أغلبية بسيطة مقارنة بالأغلبية المريحة التي حصلت عليها حكومة الوحدة الوطنية الأولى والثانية، التي حصدت أكثر من ثلثي الأصوات وتجاوزت 160 عضواً من جملة 217.
وامتنع رئيس البرلمان محمد الناصر عن التصويت لاختياره موقفاً وسطاً بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وحزب "نداء تونس" الرافض للتعديل الوزاري، وبين رئيس الحكومة وداعميه من كتل وأحزاب.
ويرى مراقبون أن عدم تصويت الناصر يمثل موقفاً يعبر عن رغبته في النأي برئاسة البرلمان عن التجاذبات والصراع الدائر بين رأسي السلطة التنفيذية، بمخالفة "نداء تونس" الذي علّق حضوره تماماً وقرر بقاءه للإشراف على جلسة التصويت دون المشاركة فيها، ودون أن يفوت فرصة تهنئة رئيس الحكومة ووزرائه الجدد، في رسالة بأنه لا يعترض على الحكومة.
وتراوحت غالبية الأصوات الممنوحة للوزراء بين 130 و131، منها وزير العدل محمد كريم الجموسي ووزير الصحة عبدالرؤوف الشريف، فيما أحرز روني الطرابلسي وزير السياحة، ذو الديانة اليهودية، الذي أثير حول تعيينه جدل واسع 127 صوتاً.