في محاولة منها لتخفيف القيود الدولية عليها بشأن شراء الأسلحة، تحاول السعودية الدخول إلى عالم التسليح عبر الشراكة مع شركات أميركية وأوروبية من أجل التصنيع على أرض المملكة، لكن الأمر ليس بسهولة كما تريد القيادة السعودية، بحسب تقرير لموقع Stratfor الأميركي.
وقال الموقع الأميركي إن السعودية أنفقت ببذخ لفترة طويلة على الأسلحة التي تجلبها من الخارج. وقد تسارع هذا الاتجاه على مدى السنوات الخمس الماضية، مدفوعاً بتنافسها المحتدم مع خصمها اللدود إيران والتزامها العسكري المُرهِق في الصراع اليمني.
وبحسب الموقع فخلال الفترة من عام 2013 حتى 2017، ارتفع عدد منظومات الأسلحة التي اشترتها الحكومة السعودية بنسبة 255% مقارنة بما اقتنته في الفترة من عام 2008 إلى 2012، ما جعلها تحتل المرتبة الثانية بعد الهند في قائمة مستوردي الأسلحة العالميين، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وبينما تمضي السعودية قدماً في تحقيق مصالحها الإقليمية، سعت بشكل متزايد إلى عزل نفسها عن التأثير الخارجي. ولمراعاة الحيطة إزاء اعتمادها على واردات الأسلحة، الذي قد يعرِّضها لضغوط سياسية، عملت على بناء الإمكانات اللازمة لصناعة عسكرية خاصة بها.
ويأتي هذا التحول في فلسفتها في الوقت الذي يعيد فيه موردو الأسلحة المعتادون للمملكة النظر في حجم تجارة الأسلحة مع الرياض بسبب تزايد أعداد الضحايا في الحرب الأهلية في اليمن والغضب الشديد إزاء جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الفجّة. وإلى جانب تقليل الاعتماد على مصادر الأسلحة الأجنبية، يمكن للصناعة العسكرية المحلية الواعية أن تضطلع بدور رئيسي في تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، بينما تعمل الرياض على تخفيف اعتمادها المفرط على صادرات الطاقة. إذا أتمت السعودية إنشاء قطاع الصناعات العسكرية بنجاح، فقد يوفر فرص عمل لعدد كبير من المواطنين ويساعد في معالجة المخاوف بشأن تزايد البطالة، بحسب الموقع الأميركي.
بناء الأساس للصناعات العسكرية
وبحسب الموقع الأميركي فإن الرياض تريد في رؤية 2030 أن تنتج محلياً على الأقل نصف المعدات التي ستحتاجها للأمن والاستخدام العسكري بحلول عام 2030. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تتفاوض السعودية على عقود أسلحة رئيسية مع شركاء تجاريين، ويزداد إصرارها على أن يجري تصنيع المكونات والتجميع النهائي في المملكة.
وأصلحت الرياض كذلك بعض أجزاء الهيكل الحكومي للإشراف على نمو الصناعة العسكرية لديها. على سبيل المثال، تأسست الهيئة العامة للصناعات العسكرية في 2017 لتنسيق عمليات شراء الأسلحة والبحث والتطوير مع التركيز على المصادر المحلية. وفي العام نفسه، تأسست الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI)، وهي شركة للصناعات العسكرية مملوكة للدولة تركز على صناعة الطيران، ومنظومات الأسلحة الأرضية، والصواريخ، والإلكترونيات الدفاعية، وجميع المجالات التي تحتاجها السعودية بشدة. تشمل أبرز أهداف الشركة السعودية للصناعات العسكرية خلق أكثر من 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة في البلاد بحلول عام 2030، ومن المؤمل أن تضيف 3.7 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي السنوي للمملكة، والذي بلغ حوالي 684 مليار دولار عام 2017.
وحققت السعودية بالفعل تقدماً ملموساً في بناء قاعدتها الصناعية العسكرية. توظف شركات الصناعات العسكرية الغربية الكبيرة الآلاف من السعوديين في مصانعها في المملكة. وثلثا العمال الذين يعملون في شركة BAE Systems لتجميع أجزاء الطائرات التدريبية من طراز Hawk، التي بيعت إلى الرياض، على سبيل المثال، هم مواطنون سعوديون. وفي مارس/آذار عام 2018، اشتركت شركتا بوينغ والشركة السعودية للصناعات العسكرية في مشروع مشترك يهدف إلى إضفاء الطابع المحلي على 55% من أعمال الصيانة والخدمة على طائرات بوينغ التي تُباع إلى المملكة بحلول عام 2030. ووفقاً لشركة بوينغ، فإن هذا سيوفر ستة آلاف فرصة عمل أو فرصة تدريب للشباب السعودي.
بعض المشاكل التي يواجهها نظام التصنيع العسكري
في حين أن السعودية قد مهَّدت الطريق أمام إنشاء صناعة عسكرية خاصة بها وحققت بعض التقدم المبكر في تطويرها، فإن توجيه هذا القطاع إلى مرحلة التقدم لن يكون أمراً بسيطاً. ولكن الاتفاق على الورق على عمليات نقل التكنولوجيا المهمة وخلق فرص العمل المحلية شيء، وتنفيذ هذه الصفقات بفعالية شيء آخر، بحسب الموقع الأميركي.
وأدت الجهود التي تبذلها شركات الصناعات العسكرية للوفاء بالشروط في الاتفاقات المُعلقة التي تنطوي على تفويض محلي للحصول على الخدمات والمواد الخام التي أدت إلى التأخر في إبرام العقود. إذ ثبت أنه من الصعب بشكل خاص على شركات الصناعات العسكرية التي لديها مصانع تصنيع مستقرة وموظفين في الولايات المتحدة وأوروبا إقامة مصانع تجميع في السعودية، على الرغم من البساطة النسبية للتجميع مقارنة مع التصنيع الكامل.
كانت المشكلة الخاصة التي واجهتها الشركات هي العثور على عدد كافٍ من السعوديين الذين يتمتعون بالمهارات الفنية اللازمة والاستعداد للعمل في مصنع. وأجبرت أوجه القصور في النظام التعليمي السعودي شركات الصناعات العسكرية على إجراء تدريب لموظفيها، ما تسبب في تأخيرات وارتفاع التكاليف. في الواقع، إن اختيار من يدير الشركة السعودية للصناعات العسكرية يقدم إحدى النقاط التي تلقي الضوء على المشكلة الأكبر. لم يكن منصب الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات العسكرية المملوكة للدولة من نصيب أحد السعوديين، بل من نصيب أندرياس شوير، وهو مواطن ألماني ورئيس سابق لأنظمة الدفاع في شركة Rheinmetall AG.
الابتعاد عن الولايات المتحدة وأوروبا
وبالإضافة إلى الاستراتيجية طويلة المدى لصناعة معداتها الخاصة، فإن السعودية قد أخذت بعين الاعتبار خيار تنويع مصادر مشتريات الأسلحة بعيداً عن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي تلبي معظم الطلب السعودي حالياً. لن يسمح هذا النهج للسعودية بتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فحسب، بل يمكن أن يمنح الرياض إمكانية الوصول إلى البلدان التي لديها رغبة أكبر في التغاضي عن سجلها في مجال حقوق الإنسان، وتقديم حقوق نقل سخية للتكنولوجيا كجزء من العقود. فالمملكة، على سبيل المثال، بدأت مفاوضات مع روسيا بشأن شراء منظومة الصواريخ إس-400 أرض-جو على أمل أن تقدم موسكو صفقة أفضل من صفقة منظومة ثاد الأميركية. وقد اشترت السعودية أعداداً كبيرة من الطائرات المسلحة بدون طيار من الصين، إذ تواصل الولايات المتحدة رفض بيع هذه التكنولوجيا لبلدان المنطقة.
وفي حين أنه من المؤكد أن لدى السعودية مكاسب محتملة من تنويع مصادر أسلحتها، ولكنْ هناك قيود كبيرة أيضاً. من ضمنها، أنه لا روسيا ولا الصين في وضع يسمح لهما بحل محل الولايات المتحدة كضامن فاعل وقوي لحماية السعودية من إيران. والأهم من ذلك، أن حدوث انتقال شامل كبير إلى المعدات غير الغربية من شأنه أن يخلق مشاكل لوجستية وتدريبية خطيرة داخل دولة لم تعرف بامتلاكها قدرات في الصيانة أو فطنة مهنية، وذلك لأن أسلحة الجيش السعودي هي أسلحة غربية في المقام الأول. ولهذه الأسباب، لن يكون أمام الدولة السعودية خيار سوى الاستمرار في الاعتماد على تحالفاتها مع الولايات المتحدة، وبدرجة أقل، مع الدول الأوروبية. وهذا يشمل علاقات شراء الأسلحة كذلك.
حتى في أفضل الحالات، لن تتطور الصناعة العسكرية السعودية بما يكفي كي تمنح المملكة استقلالاً كاملاً في مجال صناعة الأسلحة حتى بحلول عام 2030. وبالنظر إلى حالة الصناعة المتخلفة الحالية، حتى وإن أصبحت أكثر وعياً، فإن المملكة ستظل بحاجة إلى النظر إلى الخارج لاقتناء الأسلحة المتطورة التي تريدها.
وبالتالي لن يكون أمام السعودية خيار سوى الاستمرار في الاعتماد على واردات الأسلحة في السنوات القادمة، لكن هذا الاعتماد لن يمنعها من اتباع مسار يكتسب المزيد من الاستقلالية. علاوةّ على ذلك، وبالنظر إلى المعوقات التي تقيد إستراتيجية المملكة الخاصة بإيجاد مصادر أخرى للأسلحة، ستظل الرياض حريصة على الحفاظ على علاقاتها المهمة مع القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة.