حذفت ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي الشهير تويتر، لأنه بات يعرض حياتها للخطر عقب مقتل جمال خاشقجي، على الرغم من أن الموقع الشهير أنقذها من الاعتقال قبل 7 سنوات!.
وقالت الكاتبة منال الشريف التي تعيش خارج المملكة في مقال بصحيفة The Washington Post الأميركية. إنه في شهر مايو/أيار من عام 2011، اعتقلني رجال من الشرطة السرية من منزلي في السعودية في منتصف الليل، بينما كان طفلي ذو الخمسة أعوام نائماً. كان من الممكن أن أختفي دون أثر، لولا عمر الجهني شاهد العيان الشجاع الذي خاطر ببث تفاصيل الواقعة مباشرةً على تويتر.
وأضافت لكن تويتر، المنصة التي أنقذت حياتي في أحد الأيام، يضعني اليوم في خطر. إذ كشفت الأحداث التي وقعت في الأسابيع التالية لمقتل جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية كيف أنَّ الصحافيين والناشطين الآخرين هم أيضاً في خطر. ومن ثم، قررت مؤخراً، بعد مرور 7 سنوات على إنقاذ تويتر حياتي، حذف حسابي على الموقع خلال بث مباشر أمام جمهور من 1000 شخص. وقررت الانفصال إلى الأبد عن أكثر من 295 ألف متابع.
وتابعت "عشت في السعودية تحت حكم العائلة الملكية الشمولي المطلق، حيث تسيطر الدولة على كل شيء حتى الهواء الذي نتنفسه". لكن منصات التواصل الاجتماعي أتاحت لنا متنفساً غير مسبوق. ورغم محاولات الدولة مراقبة جميع وسائل التكنولوجيا الحديثة، بما فيها الإنترنت، لم تنجح في القيام بالمثل على الشبكات الاجتماعية. إذ كانت هذه المنصات خارج نطاق سيطرتها، أو على الأقل ظلت كذلك لبضع سنوات.
وفي عام 2011 حين كان تويتر رمزاً للحرية في السعودية، أرسل أحد أصدقائي تغريدة يقول فيها: "أشعر بالحرج أنني انتظرت لحين انضمت أمي لتويتر وتابعت حملتك قبل أن أنضم أنا أيضاً". ورغبةً من الناس في الانخراط في قضايا يؤمنون بها، انضموا إلى هذه المنصات. إذ كشف تقرير The Arab Social Media أنَّ السعودية احتلت عاماً تلو الآخر المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث عدد مستخدمي تويتر النشطين والتغريدات اليومية.
مراقبة مواقع التواصل
وبحسب الناشطة السعودية على الفور أدركت الحكومات الديكتاتورية القوة التي تتمتع بها هذه الوسائل، قررت استخدامها. إذ لجأت الحكومات القمعية لاستخدام أسلحة مراقبة شاملة، والتلاعب بالحوار والدفع بنسختها الخاصة من الأحداث على هذه المنصات. وأظهر باحثون كيف نجحت الحكومة السعودية في صياغة وتوجيه الرأي العام على تويتر من خلال شراء حسابات المتصيدين (ترولات) وحسابات آلية وهمية (بوتات)، وفي الوقت نفسه استهداف الناشطين المؤثرين الذين يعارضون الحكومة بتهديدات مباشرة أو غير مباشرة أو اعتقالهم أو سجنهم.
وأصبح موقع تويتر مليئاً بالمضايقات والتهديدات بالقتل والترويع والأخبار الزائفة التي تستهدفنا؛ لأننا اخترنا أن نعبر عن آرائنا علناً في العالم العربي. ولم يتبنَّ تويتر أي تغير ملموس ليجعل المنصة آمنةً لنا؛ مما دفع الكثيرين ممن أعرفهم إلى مغادرة الموقع. إلا أنني واصلت التعبير عن آرائي عبر المنصة؛ إذ أؤمن أنَّ تلك الحكومات هي التي ينبغي أن تشعر بالخوف وليس نحن. اعتقدت أنني أصبح لدي أخيراً صوت وأنه علي أن استخدمه، بحسب الكاتبة السعودية.
حملة اعتقالات بسبب التدوين
وبحسب الشريف فإن الأمور تغيرت كثيراً العام الماضي حين شنت الحكومة السعودية حملة قمعية ضد مستخدمي تويتر المؤثرين. ويُعتقَد أنَّ سعود القحطاني، رئيس الاتحاد السعودي للأمن الإلكتروني والبرمجيات ومستشار سابق لولي العهد، هو المسؤول عن الجيش السيبراني السعودي أو كما نفضل أن نطلق عليه نحن الناشطين الحقوقيين "الذباب الإلكتروني".
وأطلق القحطاني العام الماضي هاشتاغ "القائمة السوداء" عقب الحصار السعودي على قطر، حاثاً مستخدمي تويتر على رصد أي حساب يتعاطف مع قطر. إضافة إلى ذلك، مورست ضغوطات على عدد من الشخصيات البارزة على تويتر لإغلاق حساباتهم أو التوقف عن نشر تغريدات. وتبيَّن لاحقاً أنَّ بعضهم اعتقل وزج بهم في السجن تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ومن بينهم عصام الزامل، الاقتصادي ورائد الأعمال، الذي انتقد الطرح العام الأولي لشركة أرامكو ووُجِِّهَت له تهمٌ تتعلق بالإرهاب.
هرب من الاعتقال ولكن!
وتابعت الشريف أما من نجح منهم في الإفلات من الاعتقال، فتلقى مكالماتٍ أو استُدعِيَ وأُجبِرَ على التوقيع على تعهد بعدم نشر تغريدات. وفي الشهر نفسه، تلقيت مكالمتين هاتفيتين على رقمي الأسترالي من أحد أعضاء مجلس الأمن الوطني السعودي يطالبني بالشيء نفسه. لكنني رفضت التزام الصمت واستمررت في نشر تغريدات حول قضايا سعودية.
وبحسب الكاتبة السعودية خلال الفترة ذاتها، تنامى إلى علم ناشطين أنَّ الأمن الوطني السعودي يرتب لملاحقة المزيد من مستخدمي تويتر قضائياً. ومن ثم، بدأ كثير منهم يحذفون سجل تغريداتهم، ومع ذلك لم ينتهِ الخطر الذي يهددنا؛ لأنه حتى بعد حذف تلك التغريدات لا يذكر موقع تويتر ما إذا كانت تلك التغريدات حُذِفَت أم لا، أو ما إذا كانت لا تزال متاحة للمطورين.
ورغم أنَّ بعض الحسابات المجهولة على تويتر كانت تعارض في البداية السلطات، توقفت عن ذلك فجأة في مارس/آذار من العام الجاري.
وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة New York Times الأميركية، أنَّ أجهزة الاستخبارات السعودية اخترقت تلك الحسابات بمساعدة موظف في تويتر يُسمى علي الزبارة -رفض متحدث باسم تويتر طلب من صحيفة The Times البريطانية للتعليق على هذا التصريح. وأفادت تقارير أنَّ الصحافي تركي الجاسر، الذي يُعتقد أنه من بين أصحاب تلك الحسابات، تعرض للتعذيب والقتل بعد اعتقاله في 15 مارس/أذار. إضافة إلى ذلك، تلقيت اتصالات من أشخاص مجهولين أكدوا لي اختفاء المغرد السعودي صاحب حساب @Sama7ti، وهو حساب آخر رفض الإذعان أمام ضغط السلطات (وأنا أعرف كذلك هذا الرجل شخصياً).
محاولة التعتيم على مقتل خاشقجي
وحين تابعتُ التغريدات المتصدرة تويتر في السعودية والعالم خلال الأسابيع التي أعقبت اختفاء خاشقجي، اتضحت الصورة. ففي الأسبوع الأول لاختفائه، بينما كان بقية العالم يستخدم هاشتاغ #جمال خاشقجي، تصدر هاشتاغ Kidnapping_Ant_and_Cockroach# وهاشتاغ Aljamal_Jamal_Alrouh# تويتر في السعودية.
وإلى جانب ذلك، نُشِرَت الكثير من التغريدات التي نجحت في التعتيم على أي هاشتاغ يحمل اسم جمال. ثم على مدى أسبوعين، بدا السعوديون وكأنهم يعيشون داخل فقاعة، في الوقت الذي ثار فيه العالم حول اختفاء خاشقجي واحتمالية تعرضه للقتل. وأخيراً، حين رضخ المسؤولون السعوديون للضغط العالمي عليهم وأقروا بواقعة القتل في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، جاء هاشتاغ "أنا عربي ومحمد بن سلمان يمثلني" في المرتبة الثالثة لأكثر الهاشتاغات التي تتصدر تويتر. وفي ذلك اليوم، أصبح جلياً لي أننا فقدنا هذه المنصات الاجتماعية لصالح الديكتاتوريين، بحسب الكاتبة السعودية.
فبعد أن كان تويتر في يوم من الأيام أداةً لتغيير الخطاب العام، وصوتاً لمن يعجز عن التعبير عن رأيه، ومنبراً للحث على العدالة الاجتماعية، أصبح الآن فخاً تستخدمه أنظمتنا لمطاردتنا وإسكاتنا. وأصبح يُستخدَم لنشر معلومات مغلوطة وترويج دعاية النظام على نطاق أوسع من أي وقت مضى. وعلى الرغم من أنَّ تويتر تحرك أخيراً وأوقف 70 مليون حساب مزيف وخبيث في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران من هذا العام، يظل هذا الإجراء غير كافٍ.
وأخيراً، أدعو صناع التكنولوجيا إلى بناء منصات تواصل اجتماعي لامركزية لا تخزن معلوماتنا وتبيعها، وتقوم على مفهوم الاستخدام العادل، وتكافئ المحتوى الموثوق الحقيقي، بدلاً من مكافأة البوتات والحسابات المزيفة. يجب ألا يسمحوا للأثرياء وذوي النفوذ بالتلاعب بالخطاب العام والسيطرة عليه؛ لأنَّ حرية التعبير تصون جميع الحريات الأخرى، ويقع على عاتقنا مسؤولية حمايتها.