لأول مرة منذ توليه السلطة يقوم العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز بجولة داخل البلاد، ولا يعرف إن كان سيصاحبه فيها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان أم لا، ولكن الخطوة أثارت تساؤلات حول هل تعود السعودية إلى الجيل الأقدم في العائلة الملكية
وتأتي هذه الجولة في الوقت الذي تواجه فيه السعودية غضباً دولياً بسبب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي قبل شهر في قنصليتها بإسطنبول.
وقال مسؤول حكومي سعودي كبير لوكالة رويترز، إن الملك سلمان سيقوم بجولة داخلية تستغرق أسبوعاً بدءاً من اليوم الثلاثاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن هذه أول جولة من نوعها يقوم بها الملك سلمان منذ توليه الحكم في 2015.
وأضافت أن المحطات المتوقعة للملك سلمان ستكون في منطقتي القصيم وحائل الواقعتين شمال غربي الرياض.
وقال موقع سبق الإخباري الإلكتروني السعودي، إن الملك سلمان سيدشن مشروعات في مجالي التعليم والبنية الأساسية ولكن لم تتوافر معلومات أخرى تذكر.
مشاركة ولي العهد في الجولة غير مؤكدة
ولم يتضح على الفور ما إذا كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سيشارك في هذه الجولة، حسب رويترز.
عالم محمد بن سلمان يتقلص، هكذا يصف الكاتب البريطاني ديفيد هيرست ما يحدث في السعودية حالياً.
وتشهد البلاد تحركات منذ حادث اغتيال خاشقجي تفسَّر من قِبل البعض بأنها تقليل لنفوذ الأمير محمد بن سلمان الذي توجَّه له أصابع الاتهام باعتباره العقل المدبِّر لجريمة اغتيال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
وقد تشكل جولة الملك سلمان الأولى منذ توليه الحكم مؤشراً على ذلك، في ظل خطوات أخرى تثير تساؤلات حول هل تعود السعودية إلى الجيل القديم بعد عامين من التغييرات الفجائية التي أحدثها محمد بن سلمان في سياسات البلاد المحافظة؟
فقد تمت إقالة كبار مساعدي الأمير محمد
فعقب اعتراف المملكة بمقتل خاشقجي، صدر قرار ملكي بإعفاء عدد من المسؤولين من مناصبهم، منهم إعفاء المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب الاستخبارات السعودية أحمد عسيري.
وأعلن النائب العام السعودي أن السلطات السعودية أوقفت 18 شخصاً وهم متورطون في مقتل خاشقجي سيخضعون جميعاً للمحاكمة.
وسعود القحطاني هو مستشار الأمير محمد ويعتقد أنه أصدر الأمر المباشر بقتل خاشقجي، كما أنه متورط في عمليات تجسس على المعارضة السعودية في الخارج.
وعاد المنافس الرئيسي لولي العهد إلى المملكة
وكانت الخطوة الأكثر رمزية في خضم الأحداث التي تشهدها المملكة هي عودة عمه الأمير أحمد بن عبدالعزيز، إلى البلاد أخيراً بعد غياب طويل في لندن، حيث اسُتقبِل استقبال الأبطال.
وقد توافد كبار الأمراء للترحيب به، في المطار وفي حفلات الاستقبال التي عُقِدَت بعد ذلك.
ويوصف الأمير أحمد بأنه الخصم الرئيسي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأثارت هذه العودة تساؤلات حول هل تعود السعودية إلى توازن للسلطة مثلما كانت العلاقة بين الملك فهد وولي عهده الأمير عبدالله (الملك عبدالله لاحقاً)، وكذلك بين عبدالله وسلمان بعد ذلك.
غير أن البعض يقول إن هناك مشكلة لدى الأمير أحمد
وكان الأمير أحمد، الذي شغل منصب وزير داخلية السعودية لفترةٍ وجيزة قبل أن يعزله محمد بن سلمان، يعيش في لندن، وأجَّل مراراً عودته إلى موطنه خوفاً من أن يضعه ولي العهد تحت الإقامة الجبرية مثلما فعل مع أمراء آخرين، خاصة في ظل تصريحات الأمير أحمد التي برأ فيها الأسرة السعودية من حرب اليمن.
وقال الأمير السعودي المعارض خالد بن فرحان آل سعود، في تصريحات سابقة لـ "عربي بوست"، أنّ الأمير أحمد بن عبدالعزيز المقيم في بريطانيا حالياً يحظى بتأييد واسع وكبير من غالبية الأطياف الموجودة في الداخل السعودي، وتحديداً من العائلة الحاكمة والقبائل، وكذلك يحظى بقبول الخارج المتمثل في المعارضة.
ولكن المعارض السعودي سعد الفقيه، رئيس الحركة الإسلامية للإصلاح، قال في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، إن الأمير أحمد مؤهل بالفعل للقيام بحركة تغييرية إلا أنه مشهور بتردده وتخوفه من الإقدام على أي حركة للإطاحة بنظام الحكم الحالي الذي يقوده محمد بن سلمان.
.. وهناك أمراء آخرون في الطريق إلى الحرية
كما كان لافتاً أنه تم إطلاق سراح الشقيق الأصغر للوليد بن طلال الأمير خالد بن طلال، وهو ابن أخي الملك سلمان، بعد احتجازه 11 شهراً لانتقاده الحملة على الفساد التي طالت أفراداً من الأسرة المالكة.
وقال أحد الأشخاص الذين اطلعوا على وجهة نظر العائلة الحاكمة إنّ الأمير محمد بن سلمان قد يفرج عن أفراد آخرين من العائلة المالكة ورجال الأعمال المحتجزين في الأيام المقبلة، حسبما نقلت عنه صحيفة Financial Times الأميركية.
وأضاف أنّ هذا العفو يمكن تمديده ليشمل رجال الدين والنشطاء الذين اُحتجزوا تحت حكم الأمير محمد.
وقال أحد المراقبين في الرياض: "إنه يحاول حشد الدعم لنفسه داخل الأسرة الحاكمة".
وتقول مصادر مطلعة إنّ هذه التحركات داخل الأسرة الحاكمة هي محاولة لتثبيت هيكل حكم أكثر صرامة حول الأمير محمد، الذي نجح في تعزيز سلطته منذ أن تولى والده العرش عام 2015.
كل هذا لا يعني بالضرورة إمكانية عزل ولي العهد
يتداول الخبراء المعنيون بمنطقة الشرق الأوسط عن السيناريوهات المحتملة التي تواجه الأمير محمد بن سلمان.
إذ يتحدث البعض عن احتمال عزله من قِبل الملك نفسه، ولكن يبدو هذا السيناريو صعباً؛ نظراً لأن محمد هو الابن المفضل للملك سلمان.
ولذلك تتحدث بعض الصحف الغربية مثل The Washington Post عن أن الملك سلمان يستطيع تقليم أظافر محمد بن سلمان وسيكون بعض أفراد الأسرة المالكة لهم دور في هذا الشأن.
وحسب صحيفة The Times البريطانية فإن عشرات كبار الأمراء الذين همَّشهم وأرهبهم محمد بن سلمان (33 عاماً)، يلحّون على الملك للتراجع عن حُكم الرجل الواحد والقبول بقيادة أكثر تقليدية وجماعية للبلاد.
لأن حلفاء محمد بن سلمان يدافعون عنه لدى الإدارة الأميركية
في وسط كل هذه الخطوات الرامية لتقليص عالم محمد بن سلمان، فإن حلفاءه أيضاً يتحركون.
وفي هذا الإطار، توسط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يتوسطان لدى الإدارة الأميركية لإنقاذ ولي العهد السعودي، حسبما ذكرت صحيفة The Washington Post الأميركية.
وكان لافتاً في هذا الصدد تصريح نتنياهو بأن ما حدث لخاشقجي مريع، ولكن استقرار السعودية مهم لأمن المنطقة.
ولأن هناك 3 تنازلات يريدها الغرب مقابل بقائه في السلطة
إذا كان إنقاذ الأمير محمد بن سلمان من أزمة قتل جمال خاشقجي هو الطموح الرئيسي للسياسة السعودية حالياً، فإن هناك ثلاثة تنازلات يجب أن يقدمها للغرب إذا أراد ذلك، حسبما ترى صحيفة The Guardian البريطانية.
التنازل الأول هو أن يتقاسم وليّ العهد السلطة داخل الديوان الملكي.
وقد يكون وصول شخصيات ملكية أخرى إلى الرياض مؤخراً، مثل الأمير أحمد بن عبدالعزيز، الأخ الأصغر للملك سلمان بداية هذا السيناريو.
فهل يعود مفهوم ديوان استشاري يحظى فيه الأمير أحمد بالنفوذ؟ أم أن هذه محاولة مؤقتة لإرضاء الحلفاء الغربيين الغاضبين؟.
والتنازل الثاني هو إجباره على إعادة النظر في المقاطعة السعودية المستمرة لقطر، وهي دولة لديها أصول غاز هائلة، وقاعدة عسكرية أميركية ضخمة، ويمكن القول إنها نموذج أفضل لتحديث الخليج، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
وليس هناك ما يشير إلى حدوث تقدم في ذلك، لكنَّ الكثير من الدبلوماسيين القطريين يؤيدون هذا المسار.
أما التنازل الثالث بعد حادث قتل جمال خاشقجي فهو محاولة إنهاء الحرب في اليمن، التي قالت الدول الغربية للرياض مراراً وتكراراً إنَّها لن تُحسم عسكرياً، على الأقل دون وقوع خسائر مروّعة ومجاعة.
ولكن اللافت في هذه التنازلات الثلاثة بأنها مؤقتة التأثير، فحتى لو تخلى ولي العهد السعودي عن بعض سلطاته الواسعة وسياساته المثيرة للجدل بالنسبة للغرب، فإنه بما أنه ولي للعهد فإنه يستطيع العودة لهذه السياسات إذا أصبح ملكاً، ويستطيع حتى إقصاء أي شخص فرض عليه كشريك في السلطة.
خاصة أن التغيير الكبير الذي أحدثه الملك سلمان فور توليه السلطة مثل تهميشه للتوازنات التقليدية للأسرة المالكة وتجاوزه لمقررات هيئة البيعة يثبت أن من يمتلك السلطة في المملكة هو اللاعب الوحيد وليس لاعباً كبيراً من بين لاعبين آخرين، كما كان يعتقد سابقاً.