فتحت الزيارة المُفاجِئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان باباً إلى دول الخليج العربي عادةً ما كان يُغلق أمام الإسرائيليين، وتبعه عددٌ من أعضاء حكومته في زياراتٍ للمنطقة.
إذ سافر وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، وهو مواطنٌ عربي درزي، لحضور مؤتمرٍ دولي للاتصالات بدبي الإثنين 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، في حين يُشارك يسرائيل كاتز، وزير النقل والمواصلات الإسرائيلي، في مؤتمرٍ دولي آخر سينعقد بالأسبوع المُقبل في عُمان، حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأميركية.
في حين زارت وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغيف، الإثنين 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، مسجد الشيخ زايد بأبوظبي، وهو ثالث أكبر مسجد في العالم، بعد يومٍ من سماع النشيد الوطني الإسرائيلي وهو يُعزَف في بطولةٍ رياضية بالإمارة.
ريغيف قالت في تصريحٍ لها: "الرسالة هنا عن الوحدة والسلام". وجديرٌ بالذكر أنَّ ريغيف، التي كانت ترتدي ثوباً عربياً قرمزياً وغطاء رأس أبيض في أثناء الزيارة، هي واحدة من أكثر أعضاء مجلس وزراء نتنياهو تشدداً فيما يتعلق بالعلاقات مع الفلسطينيين. وهي موجودة في الإمارات منذ يوم الجمعة 26 أكتوبر/تشرين الأول 2018؛ إذ تُرافق فريق الجودو الوطني الإسرائيلي، الذي فاز بميداليةٍ ذهبية في بطولة "غراند سلام أبوظبي" الكبرى للجودو.
علاقات أكثر دفئاً في السنوات الأخيرة
الوكالة الأميركية قالت في تقريرها، إن علاقات إسرائيل بدول الخليج أصبحت أكثر دفئاً في السنوات الأخيرة، والسبب الأكبر هو اشتراك الطرفين في عدم الثقة بإيران وسعيها للهيمنة على المنطقة. ودعم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، هذا التقارب في العلاقات؛ إذ يرى السعودية وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة عناصرَ أساسية في سياسته لمواجهة إيران وطرح مقترح السلام الإقليمي الذي وعد بتحقيقه قريباً.
لكنَّ هذا النهج أصبح معقداً بالفترة الحالية، في حين يواجه محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية الذي يعد الركيزة الأساسية لسياسة ترمب، غضباً دولياً بسبب مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول.
إيماءات صدرت قبل ذلك بقبول التعامل مع إسرائيل
تصدر عن دول الخليج إيماءات مختلفة تدل على قبولها التعامل مع إسرائيل، مدفوعةً بترمب ورغبتها في المشاركة بأنشطة دولية تحظر عليها الامتناع عن التعامل مع الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة.
وفي تعليقٍ له، قال مايكل أورين، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي للدبلوماسية العامة: "إنَّها علامة على أنَّ إسرائيل والعالم العربي يقترب أحدهما من الآخر".
وفي بيانٍ له عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء بالقدس، قال نتنياهو إنَّ زيارته لحاكم عُمان، السلطان قابوس بن سعيد، تضمَّنت "مُحادثاتٍ هامة جداً بشأن أمن إسرائيل"، مُضيفاً أنَّه "ستكون هناك المزيد من تلك المحادثات". ولا ترتبط أيٌ من دول الخليج بإسرائيل بعلاقاتٍ دبلوماسية.
وفي حين تحسنت علاقة إسرائيل بالحكومات العربية، ما زالت شعبية إسرائيل بين المواطنين العاديين الذين يدعمون القضية الفلسطينية متدنيةً للغاية.
إذ كتب عبد الخالق عبد الله، المعلق السياسي البارز في الإمارات، على موقع تويتر: "الزيارات التي يُجريها المجموعات والمسؤولون من العدو الإسرائيلي إلى عواصم دول الخليج العربي تُؤلم قلوبنا. في حال رأت الحكومة أنَّه من الضروري الترحيب بهم في بلدنا، ما زال الناس يملكون الخيار، وأنا أختار أن أقول (لا) ألف مرةٍ للتطبيع مع العدو الإسرائيلي".
رحلات لأول مرة تعبر من فوق الرياض
الوكالة الأميركية قالت إن رحلة نتنياهو، التي استغرقت 24 ساعة في الأسبوع الماضي، شملت أول رحلة جوية مُعلنة لزعيم إسرائيلي تحلّق فوق المملكة العربية السعودية، وتعتبر أيضاً أول ظهورٍ علني لرئيس وزراء إسرائيلي في عُمان منذ عام 1996.
في حين يُعرب الزعيم الإسرائيلي عن أمله في أن تُساعد جهود ترمب للسلام في توسيع علاقات إسرائيل بالشرق الأوسط، فإنَّ هذه الرحلة كانت بمثابة رسالة مُوجهة إلى إيران، حسبما قال مايكل أورين، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي للدبلوماسية العامة.
واستطرد أورين قائلاً: "تُشكِّل إيران تهديداً وجودياً لتلك الحكومات والأنظمة، وهم يدركون أنَّ إسرائيل ستساعدهم. فربما لا يكون من قبيل الصدفة أن يُعقد هذا الاجتماع قبل أيامٍ من فرض إدارة ترمب عقوباتٍ صارمة".
أما رياض الخوري، مدير مؤسسة استشارات المخاطر السياسية GeoEconomica في عُمان، فقد قال إنَّ عُمان كثيراً ما كانت تعمل وسيطاً لتسوية القضايا والمشكلات بين المملكة السعودية وإيران، وكان السلطان قابوس قناةً خلفية مهمة في المناقشات بين إيران والولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى والتي أدت إلى الاتفاق النووي عام 2015.
وقال الخوري إنَّ زيارة نتنياهو "ليست منوط بها أي شيءٍ سوى إيران، وإيران، وإيران. كان العُمانيون لسنواتٍ عديدة حلقة وصلٍ بين دول الخليج وإيران، وبين أميركا وإيران، وربما غيرها. نفوذهم الوحيد مرتبطٌ بإيران".
علاقات سرية ورفض علني
حاربت الدول العربية قيام دولة إسرائيل في عام 1948، وتنكروا منها في الأمم المتحدة دعماً للفلسطينيين النازحين، الذين يطالبون باستعادة دولتهم. ومن غير المسموح به للإسرائيليين زيارة دول الخليج، على الرغم من دخول العديد منهم بجوازات سفر من دولٍ أخرى.
وفي أعقاب اتفاقيات أوسلو للسلام عام 1993، سُمح لإسرائيل بفتح مكاتب تجارية في عُمان وقطر، لكنَّها أُغلقت فيما بعدُ عقب استئناف القتال مع الفلسطينيين في عام 2000. ومع ذلك، فالعديد من دول الخليج لديها علاقات أمنية غير رسمية، وتعقد صفقاتٍ تجارية مع إسرائيل.
أضف إلى هذا أنَّ المنظمات الدولية أجبرت الجانبين على العمل معاً علناً. فقبل 3 سنواتٍ، افتتحت إسرائيل مكتباً مُمثلاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي، وهو ما سمح بوجودٍ إسرائيلي؛ لأنَّ الوكالة تُعتبر جزءاً من الأمم المتحدة.
وفي العام الماضي (2017)، حين فاز اللاعب الإسرائيلي طال فليكر بالميدالية الذهبية في بطولة الجودو بمسابقة "غراند سلام"، رفض منظِّمو الحدث في أبوظبي رفع عَلم إسرائيل أو عزف نشيدها الوطني. لكن في العام الجاري (2018)، بعد تهديدها بسحب استضافتها البطولة، رَضخت الإمارات، وفاز الإسرائيلي ساجي موكي بميداليةٍ ذهبية الأحد 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وبحضور ميري ريغيف عُزِفَ النشيد الوطني الإسرائيلي "هَاتِكْڤاه"!