قال موقع Middle East Eye البريطاني إن الكثير من السوريين، رحبوا بالاتفاق المبرم بين تركيا وروسيا في 17 سبتمبر/أيلول في مدينة سوتشي الروسية على إنشاء منطقة منزوعة السلاح تمتد على مساحة 20-15 كم بين نظام الأسد وقوات المعارضة، خاصة أولئك الذين يعيشون على خط المواجهة بين قوات المعارضة وقوات نظام الأسد.
ورصد الموقع في تقريره الذي نشره، بعض الاختلافات التي بدأت تطرأ على المكان، ونقل عن أحد المواطنين قوله أن الوضع بات يتغير بشكل واضح للأفضل.
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عن الاتفاق المبرم في 17 سبتمبر/أيلول في وقت بدا تماماً أنه هجوم لا مفر منه على آخر معقل للمعارضة.
مع غروب شمس الخريف، كان حسن أبو أحمد يتفقد الكومة المتهدمة التي كانت في يوم من الأيام منزل أحد أقاربه. ثم تنهد في ارتياح قائلاً: "الحمد لله أن أحداً لم يصب. لقد ضربت القذيفة الجدار وتسببت في انهيار المنزل. سيحتاج المنزل إلى الكثير من الترميم".
يعيش أبو أحمد في قرية اللطامنة، شمال محافظة حماة السورية، التي صادف أن تقع داخل منطقة عازلة حيث تأمل كلٌ من روسيا وتركيا في درء هجوم دموي عن شمال سوريا. وقال في حديثه لموقع Middle East Eye البريطاني: "منذ إعلان الاتفاق، هدأ القصف نسبياً، مما ساهم في عودة أكثر من ثلث سكان القرية (تقريباً ألف عائلة)".
تسببت الاشتباكات بين المعارضة ونظام الأسد في هروب الأهالي من إدلب
تسيطر قوات المعارضة على اللطامنة التي تقع على بُعد بضعة كيلومترات من قوات الجيش السوري. كثيراً ما وجدت القرية نفسها على خط المواجهة، وبالتالي أدت الغارات المتكررة والقصف والهجمات الجوية إلى هروب حوالي 90% من سكانها.
ومع ذلك، مكث أبو أحمد في القرية. وقال إنّه على الرغم من أنّ المنطقة غدت الآن أكثر أماناً، فإنّ الخطر لا يزال قائماً.
وقال: "إن الأسلحة الثقيلة التي يتعين على القوات الحكومية سحبها من محيط خطوط المواجهة لا تزال تستهدف المنطقة من آنٍ لآخر".
قُصف منزل عم أبي أحمد في الآونة الأخيرة، وبسبب هذا القصف فقدت ابنته رجلها وفقد ابنه أحد عينيه.
وأردف: "انظر إلى طائرات الاستطلاع التي تحلق في السماء التي بإمكانها رؤية المدينة بأكملها ورصد أي تجمع مدني".
خاصة أن المنطقة تحتضن مجموعات مختلفة من قوات المعارضة
تمتد المنطقة العازلة على بعد بضعة كيلومترات من شمال غرب منطقة حلب، وصولاً إلى شرق محافظة إدلب وإلى شمال حماة حتى الحدود الواقعة بين تركيا ومحافظة اللاذقية.
تغطي المنطقة مشهداً عسكرياً معقداً؛ إذ تضم مجموعات مختلفة من قوات المعارضة، بعضها يغلب عليه الطابع العسكري، مثل هيئة تحرير الشام التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة في السابق، وغيرها يغلب عليه الطابع الوطني.
بإمكان نقاط المراقبة التركية رصد النقاط الروسية والإيرانية على الجانب الآخر من المنطقة العازلة.
ووفقاً لاتفاقية أردوغان وبوتين، ستُسحب جميع الأسلحة الثقيلة من المنطقة العازلة وستتخلص المنطقة من الجماعات المسلحة مثل هيئة تحرير الشام.
ومع تطبيق الاتفاق بدأ سحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة العازلة
وفي يوم الأربعاء 10 أكتوبر/تشرين الأول، بدأ تحقيق الجزء الأول من الاتفاق دون مواجهة أي عوائق، حتى أنَّ عملية سحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة العازلة اجتازت الموعد النهائي بنجاح ساحق.
وفقاً لأحد زعماء فصيل جيش العزام المعارض، وهو أحد الفصائل المتمركزة حول قرية اللطامنة، لم يكن تخليص المنطقة من الذخائر الثقيلة مهمة صعبة مثلما يتوقع البعض.
وقال إن معظم الأسلحة الثقيلة توضع في مستودعات بعيدة عن خط المواجهة ليجري إخراجها وإحضارها بالقرب من المنطقة عند اندلاع قتال عنيف، فنادراً ما تبقى هناك.
أخبر النقيب ناجي مصطفى، المتحدث باسم جماعة جبهة التحرير الوطني المعارضة، موقع Middle East Eye أنَّ عملية سحب قوات المعارضة لأسلحتها الثقيلة جرت بتنسيق مع تركيا.
وأردف: "سنبقي على نقاط الانتشار الخاصة بنا عند خطوط المواجهة محصنة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة. وسنواصل تزويد قواتنا على خطوط الدفاع في المنطقة العازلة تحسباً لأي طارئ".
يهدف جزء من الخطة الروسية التركية إلى فتح طريق سريع M5 مهم للغاية يمتد بين دمشق وحلب عبر حماة وقرية إدلب الريفية.
على الرغم من استيلاء الحكومة السورية على تلك المدن الثلاث بأكملها منذ بعض الوقت، فإن وجود قوات المعارضة على امتداد مسافات طويلة أبقى هذا الشريان (الطريق) مغلقاً.
بالقرب من مدينة معرة النعمان التي تسيطر عليها المعارضة، تزين الطريق السريع أعلام سوريا الثورة. يقول سكان المنطقة إنّهم رأوا دبابات عدة تابعة لفصيل الجيش السوري الحر تنسحب من المنطقة العازلة وتعبر الطريق السريع.
وقالوا لموقع Middle East Eye إنه إذا فُتح طريق M5، يمكن للتجارة أن تعود إلى قراهم ثانية.
ويُعتقد أنّ المرحلة الثانية من تنفيذ الاتفاق أنها أكثر صعوبة
يشهد يوم الإثنين 15 أكتوبر/تشرين الأول الموعد النهائي لانسحاب جميع قوات المعارضة المتطرفة من المنطقة العازلة. ولكن سرعان ما أعربت بعضها، مثل جبهة أنصار الدين ومقرها جنوب حلب، عن الرفض القاطع لشروط الاتفاق التركي الروسي برمته.
قال المقاتلون إنَّ الاتفاق كان بمثابة انسحاب وإعلان لوقف الجهاد في المناطق المعارضة.
لم تبدِ جماعة تحرير الشام، التي تعد جماعة المعارضة الرئيسية في شمال سوريا، حتى الآن رأيها حول اتفاق سوتشي الذي أُبرم في سبتمبر/أيلول.
أخبرت مصادر أمنية تركية موقع Middle East Eye أنَّ حوالي ثلث جماعة تحرير الشام البالغ عدد مقاتليها 15 ألف مقاتل يعملون في المنطقة العازلة. وأنه انسحب حوالي 1000 مقاتل من ذلك الثلث.
لكن أرض الواقع لم تشهد تنقلات كثيرة لجماعة تحرير الشام.
ربما بتعبير أوضح، تسمح جماعة تحرير الشام بمرور القوات التركية بحرية عبر معبر باب الهوى الحدودي الذي تسيطر عليه وداخل مواقع حول نقاط المراقبة لتركيا التي يمكنهم التحرك منها ضد فصائل المعارضة الأخرى.
أخبر قائد بارز في الجيش السوري الحر، رفض الإفصاح عن اسمه، موقع Middle East Eye أنّ الجيش التركي يحتشد في منطقة أوردو التركية، بالقرب من مواقع المعارضة في شمال اللاذقية وجسر الشغور.
وبحسب هذا القياديّ في الجيش السوري الحر، يمكن أن تتحرك تلك القوات في أي لحظة ضد أي قوات تعيق تطبيق اتفاق المنطقة العازلة أو تعترض طريق الدوريات العسكرية التركية.
خاصة مع انتشار بعض فصائل المعارضة والتي ترفض الانسحاب من المنطقة العازلة
تنتشر العديد من فصائل المعارضة في قرى مثل جسر الشغور واللاذقية، وتلك الفصائل مثل جماعة جبهة التحرير الوطنية والجماعتين التابعتين للقاعدة وهما الحزب الإسلامي التركستاني المكون من الأويغور من الصين وتنظيم حراس الدين. وعلى الجانب الآخر، تنتشر قوات الشيعة المدعومة من إيران الموالية للحكومة السورية.
وجدير بالذكر أنّ هناك احتمالاً كبيراً أن تندلع أعمال عنف بين القوات التركية وتلك الفصائل.
رفضت جماعة حراس الدين شروط الاتفاق التركي الروسي برمتها ودعت جميع المقاتلين لبدء عمليات عسكرية تُبطل أي اتفاقيات دولية.
أذاعت وسائل الإعلام الروسية أنّه في هذه الأثناء كان الحزب الإسلامي التركستاني يحفر خنادق حول مواقعه في شمال اللاذقية، وأنه لم يبد أي علامات تنم عن استعداده للانسحاب.
بالإضافة إلى بعض القبائل التي ترفض الاتفاق أيضاً
لم تكن فصائل المعارضة وحدها هي التي تعترض على الاتفاق في المنطقة. في قرية الصرمان، الواقعة في المنطقة العازلة جنوب شرق مدينة إدلب، تجمع عشرات من رجال القبائل العرب أمام نقطة المراقبة التركية مطالبين أنقرة بالسعي للحصول على تنازلات أخرى من الحكومة السورية وحليفتها روسيا.
أخبر خالد سليمان، نازح من ريف حماة الشرقي، موقع Middle East Eyes: "نناشد الحكومة التركية بالضغط على الحكومة السورية لسحب قواتها العسكرية من شرق خط حديد الحجاز وتطبيق اتفاق أستانا".
أبرمت كل من تركيا وروسيا وإيران في مايو/أيار 2017 اتفاقية أستانا التي انطوت على إنشاء أربع مناطق خفض التصعيد تقع إحداها في شمال سوريا.
ومنذ ذلك الوقت، انتشرت القوات الحكومية السورية في المناطق التي من المفترض أن الاتفاقية تشملها فأنهكتها، وذلك بعد غزو ثلاث مناطق أخرى مخصصة لخفض التصعيد.
بالنسبة للنازحين إثر هجوم الحكومة السورية على جنوب منطقة خفض التصعيد، لا سيما حول قاعدة أبو الظهور الجوية العسكرية الاستراتيجية، فإنّ الاتفاق التركي الروسي الجديد أهون من الاتفاق الذي أبرم في عاصمة كازاخستان.
أخبر عيد الحسين، وهو نازح آخر على أثر الهجوم، الموقع: "شرد الهجوم أكثر من 400 ألف شخص لجأوا إلى مخيمات عشوائية. نحن نرى بأعيننا دبابات دمشق وهي تتجول في قرانا".
وأضاف: "لا يمكننا العودة إلى أراضينا في ظل وجود القوات الروسية والقوات الحكومية الموالية للنظام. يُعد اتفاق سوتشي كما لو أنه إعادة رسم الحدود مما يعني ضياع أرضنا".
بدت القوات الموالية للحكومة في يوم الجمعة 12 أكتوبر/تشرين الأول أنها كانت تتأهب لفشل الاتفاق.
تلقى السوريون القريبون من خطوط المواجهة رسائل على هواتفهم تحذرهم من الاقتراب من القوات المسلحة في المنطقة.
وكان مضمون إحدى الرسائل: "ابتعدوا عن المقاتلين، فمصيرهم محدد ومحتوم".
ونصت أخرى على: "لا تسمحوا للإرهابين أن يصنعوا منكم دروعاً بشرية".
في خضم كل تلك التعقيدات السياسية والعسكرية، كان يجلس الطفل أحمد قدور البالغ من العمر 10 أعوام في تلك الأثناء مع صديقه في وسط الدمار الذي تشهده اللطامنة.
يرعى أحمد حوالي 50 خروفاً وكل ما يهمه هو أن يبقي القطيع بعيداً عن بقايا القصف والقنابل العنقودية غير المنفجرة.
في حال صمد الاتفاق، وآتت خطط بوتين وأردوغان ثمارها، قد يبقى قدور في المدرسة التي عاد إليها مؤخراً فقط. وهو عازمٌ على ذلك مهما كانت نتيجة الأحداث.
وقال للموقع: "لم أتمكن من الدراسة العام الماضي 2017 نتيجة القصف العشوائي وانقطاع المدارس. أما الآن فقد التحقت بالصف الثاني مرة أخرى. وسأكمل دراستي هذا العام، بغض النظر عن توقف القصف أو استمراره أو عودته".