يهدد مصير الصحافي السعودي المفقود جمال خاشقجي -بافتراض أنَّ اختفاءه كان من عمل مسؤولي الأمن والجيش السعوديِّين- بإحداث مزيد من الانقسامات في الشرق الأوسط ويضرب العلاقة الأميركية السعودية التي بدأت تتوتر.
ما حدث، وفق موقع LobeLog الأميركي، لم يضع مصير الصحافي المحترم ذائع الصيت خاشقجي مستقبل العلاقات التركية-السعودية وحدها على المحك؛ إذ يهدد مصيره، سواء اختطفه عملاءٌ سعوديون في أثناء مراجعته قنصلية المملكة في إسطنبول لاستخراج أوراق رسمية، أو لقي حتفه في مقرها، بإحداث اضطرابٍ داخل التحالف الأميركي-السعودي الذي أمَّن كثيراً من تصدعات الشرق الأوسط.
وبإمكان التحقيق الذي تنوي الحكومة الأميركية إجراءه بتكليفٍ من أعضاء الكونغرس الأميركي، والاجتماع المُقرَّر عَقده بين الرئيس دونالد ترمب وخطيبة الصحافي السعودي التركية خديجة جنكيز، أن يؤديا إلى حظر أميركي وأوروبي على صفقات الأسلحة بينهما وبين السعودية؛ بل من الممكن أن يؤثرا في حرب الوكالة الوحشية بين إيران والسعودية في اليمن.
في حين سيصدر التحقيق أيضاً انطباعاً عن السعودية بأنَّها دولة فاسدة، ما يثير الشكوك في مزاعم أميركا والسعودية، التي تقول إنَّ إيران هي أكثر الدول الداعمة للإرهاب في الشرق الأوسط.
كانت هذه المزاعم سبباً رئيسياً في انسحاب الولايات المتحدة، بدعمٍ من المملكة السعودية والإمارات وإسرائيل، من الاتفاقية الدولية لعام 2015 التي حدَّت من البرنامج النووي الإيراني، وفي إعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها.
الصين وروسيا ستكونان أمام مفترق طرق
إضافة إلى أنَّه قد يثير الشكوك في مبررات السعودية والإمارات لشن حربٍ اقتصادية ودبلوماسية مستمرة منذ 15 شهراً على دولة قطر، بعدما اتهمتاها بدعم الإرهاب، وشاركت مصر والبحرين في توجيه الاتهام نفسه.
قد تعرقل إدانة المجتمع الدولي المملكة السعودية، وطلب معاقبتها، الجهود الصينية والروسية لتحقيق توازن دقيق، وسط محاولاتهما عدم الانغماس في التنافس السعودي-الإيراني.
إذا ثبت أنَّ المملكة السعودية مسؤولةٌ عن اختفاء خاشقجي، فسيلقي ذلك بروسيا والصين أمام مفترق طرق، في حين ستُحال مسألة العقوبات إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
تمكنت كلٌّ من روسيا والصين حتى الآن من الحفاظ على علاقات وثيقة مع المملكة على الرغم من جهودهما الرامية إلى إسقاط العقوبات الأميركية ضد إيران، ورغم التحالف الروسي-الإيراني الداعم للرئيس السوري بشار الأسد.
إضعاف نفوذ المملكة السعودية قد يقوّض تسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني
علاوة على ذلك، قد يؤدي إضعاف نفوذ المملكة السعودية بهذا الشكل إلى تقويض الغطاء السياسي العربي الذي قدمته المملكة لجهود ترمب الرامية إلى فرض تسوية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، تلك الجهود التي من شأنها أن تخدم إسرائيل على حساب الفلسطينيين.
وأخيراً، من المحتمل أن يؤدي الإصرار القاطع على أنَّ السعودية مسؤولةٌ عن مصير خاشقجي، إلى تجديد النقاش بشأن الحكمة من دعم المجتمع الدولي الأوتوقراطية العربية، التي ثبت أنَّها تصر على انتهاك حقوق الإنسان باستبدادٍ ووحشية، وعلى تجاهل القانون الدولي والاتفاقيات الدولية.
في غضون ذلك، يتعرض ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لإضرارٍ كبيرٍ بسمعته -ليس فقط نتيجة لما حدث لخاشقجي- ما يثير تساؤلات عن مدى أهليته في حال أُدينت المملكة السعودية دولياً، وتعرَّض استقرارها -لكونها أهم المتبنِّين لسياسة الولايات المتحدة والصين وروسيا في الشرق الأوسط- للخطر.
الأضرار التي لحقت بسمعة الأمير محمد بن سلمان تصيب أيضاً ولي العهد الإماراتي الأمير محمد بن زايد، الذي حاول جاهداً، إلى جانب مساعديه وممثليه في عواصم العالم، إظهار نظيره السعودي على أنَّه حامل مستقبل للمملكة.
السعودية أضرّت نفسها عندما أنكرت بشكل قاطعٍ مسؤوليتها عن اختفاء خاشقجي
إضافة إلى أنَّ المملكة أضرَّت بمصلحتها حين أصرت على إنكار مسؤوليتها عن اختفاء خاشقجي بصورةٍ قاطعة، دون تقديم أي دليل على أن الصحافي غادر القنصلية بمحض إرادته؛ مؤكدةً أنَّ ادعاءات تورُّطها هي محض افتراءات أطلقتها تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين، في حين حاولت تشويه سمعة خطيبة خاشقجي ومؤيديه، ورفضت التعاون الكامل مع المحققين الأتراك.
يعرقل الإحجام السعودي عن التعاون مع تركيا، بالإضافة إلى التحقيق الأميركي واجتماع خديجة جنكيز المتوقَّع مع ترمب، الجهود التركية الرامية إلى إيجاد حل للأزمة المتصاعدة، والتي من شأنها أن تعين المملكة على حفظ ماء الوجه، وإنقاذ العلاقات الاقتصادية التي تربط بين تركيا والمملكة.
امتنعت تركيا حتى الآن، على الرغم من خلافاتها السياسية العميقة مع السعودية حول قطر وإيران والإخوان المسلمين، عن الإدلاء بتصريحات تتجاوز مطالبة المملكة بإثبات أنَّ خاشقجي قد ترك قنصلية إسطنبول بمحض إرادته، وبأن تتعاون بشكل كامل مع التحقيقات التركية.
ويبدو أنَّ التقارير التي قدمها مسؤولون أتراك مجهولون، والتي ورد فيها تفاصيل شنيعة عن مقتل خاشقجي المزعوم على يد عملاء سعوديين، تهدف إلى الضغط على السعودية للامتثال للمطالب التركية وجهودها لإدارة الأزمة.
يرى الكثيرون في مختلف أنحاء العالم، أنَّ ما حدث لخاشقجي، سواء اتضح أنَّه ما يزال على قيد الحياة، أو ثبت أنَّه قُتل بوحشية، سيعيد تشكيل الخريطة السياسية للشرق الأوسط. ويظل الاحتمال الأرجح هو أنَّ خاشقجي دفع ثمناً باهظاً، لإثارته زلزالاً كان يهز بالفعل أركان المنطقة.