كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية، أن جمال خاشقجي أخبر أصدقاءه في الأشهر التي سبقت اختفاءه بأنّه تلقَّى مكالمات من مسؤول سعودي كبير حثَّه فيها على إنهاء منفاه الاختياري والعودة إلى وطنه، المملكة العربية السعودية.
تضمَّنت الدعوة وفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Washington Post الأميركية، وعداً بالعودة الآمنة، وحتى إمكانية الحصول على وظيفة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية، الذي كان محل انتقاد خاشقجي الشديد في مقالاته التي ينشرها
سعود القحطاني، مستشار محمد بن سلمان حاول إقناع خاشقجي بالعودة للسعودية
وحسب الصحيفة الأميركية فإن خاشقجي أخبر أصدقاءه أنه لا يثق في العرض، أو المسؤول الذي قدَّمه، وهو سعود القحطاني، الذي يبلغ من العمر 40 عاماً، ويعمل مستشاراً لمحمد بن سلمان، ويُوصَف بأنه رجل محمد بن سلمان الذي يتسم بالدهاء.
ولا يُعَد القحطاني في الغرب من بين الأعضاء المعروفين في هيئة مساعدي محمد بن سلمان الشباب، ولكنّه يُعتَبَر في منطقة الخليج أكثر المسؤولين السعوديين ظهوراً وأعلاهم صوتاً.وقد نعتته صحيفة The New Arab، وهي منفَذ إخباري قطري، بستيف بانون السعودية.
وهو كثيراً ما يغرِّد على تويتر، وقد حثَّ متابعيه على تويتر، البالغ عددهم 1.33 مليون متابع بلهجة قائد شعبي، على ذكر أسماء الأشخاص الذين ينتقدون المملكه لإضافتهم إلى قائمته السوداء.
وعندما شنَّت السعودية حملةً لعزل جارتها الصغيرة قطر، كان القحطاني هو المروِّج الرئيسي لأكثر الأفكار الاستفزازية التي تبنَّتها السعودية، مثل حفر قناة لتحويل قطر إلى جزيرة. وهو أيضاً أكثر من يُضخِّم الأخبار الزائفة والادعاءات التي يطلقها الذباب الإلكتروني على الشبكات الاجتماعية، التي تزعم أن هناك سخطاً شعبياً تجاه العائلة المالكة في قطر.
ويعتبر القحطاني ذراع الأمير محمد بن سلمان للسيطرة على الإعلام السعودي
لكن القحطاني يشتهر في المقام الأول بأنه من أشد المؤيدين للمملكة، بعد أن عمل تحت إمرة الملوك السعوديين منذ عام 2003، ويؤمن إيماناً راسخاً بمشروع محمد بن سلمان لتحديث السعودية وفرض القيود الصارمة على حرية التعبير والحركة التي أوقعت بالعشرات من النشطاء السعوديين ورجال الدين ومرتادي الشبكات الاجتماعية.
وفي تقدير خاشقجي، فإن القحطاني هو المسؤول الذي يُمكِّن محمد بن سلمان من السيطرة الكاملة على الإعلام السعودي.
وكتب خاشقجي مشيراً إلى محمد بن سلمان بالأحرف الأولى من اسمه: "على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، كان فريق الاتصالات الخاص بمحمد بن سلمان في الديوان الملكي وبصورة علنية يعاقب ويشوه ويُرهِب أي شخص يعارض، ويمتلك سعود القحطاني، قائد ذلك الفريق، قائمة سوداء ويدعو السعوديين لإضافة أسماء إليها. ويبدو أن الكُتَّاب أمثالي، الذين يُعرض نقدهم باحترام، أخطر من المعارضة السعودية الأكثر حدة في لندن".
ولكن في مقال نشره موقع قناة العربية الإخبارية التابعة للسعودية، في شهر أبريل/نيسان الماضي، صوَّر القحطاني نفسه على أنه خادم محمد بن سلمان المتواضع، الذي أثارت رؤيته لتحديث السعودية رهبته وانبهاره.
وقال القحطاني إن ولي العهد قد كلَّفه شخصياً بدراسة كيفية إصلاح وتبسيط الإجراءات البيروقراطية في السعودية. وكتب القحطاني قائلاً: "طموحنا بلا حدود، هكذا قال الأمير. وهكذا نحن".
وفي الأيام الأخيرة، اعتاد القحطاني أن يهزأ على موقع تويتر بما وصفه بتصريحات تركية غريبة تُلقي باللائمة على السعودية في اختفاء خاشقجي، ونفى أن يكون له أي دور في مؤامرة تتسبب في تعرُّض الصحافي البارز لميتة بشعة.
وكتب ساخراً باللغة العربية، مشيراً إلى المسلسل التلفزيوني الأميركي الذي يعرض قصة قاتل يُمثل بالجثث: "دكستر القرن" وأضاف، مشيراً إلى الروبوت بطل قصة الرسوم المتحركة اليابانية التي تحظى بشعبية في منطقة الشرق الأوسط: "والبقية يقولون إنني غرانديزر".
ويعرف القحطاني بأنه مخطط استراتيجي لمحمد بن سلمان
وقد أدى اختفاء خاشقجي إلى جذب الانتباه مجدداً إلى حملة القمع ضد النقد في السعودية، والأساليب التي استخدمها محمد بن سلمان للتخلص من المعارضة العلنية لسياساته. لقد كان القحطاني محور هذه الإجراءات. فهو يظهر بمظهر المُهاجم على الشبكات الاجتماعية، لكنه يُعرف خلف الكواليس بأنه مخطط استراتيجي بارع.
وقال برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون، الذي يعرف القحطاني منذ عام 2006: "قد يمكن وصفه بأنه قيصر المعلومات (وهو لقب يطلق على المسؤولين البارزين في الولايات المتحدة وبريطانيا) الخاص بمحمد بن سلمان، فهو شديد الذكاء، ومثقف، لكنني أعتقد أنه لا يفهم الغرب جيداً".
وأضاف هيكل: "إنه معروف بإخلاصه الشديد، ووطنيته البالغة، وكفاءته العالية. إذا طلب منه أحد أفراد العائلة المالكة أن يفعل شيئاً، فإنه يفعله وحسب".
وبالإضافة لانتمائه لعائلة تتمتع بالنفوذ، تمكَّن القحطاني من الارتقاء سريعاً في المناصب في الديوان الملكي بعد دراسة القانون والعدالة الجنائية. كان معروفاً جيداً بمقالاته الصحفية التي تُثني على العائلة المالكة والقصائد الوطنية التي يكتبها تحت اسم "ضاري"، التي أصبح الكثير منها كلمات لأغانٍ أدَّاها الفنانون السعوديون والعرب.
وقال محلل إعلامي سعودي، وافق على التحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، خوفاً من اتهامه بانتقاد القحطاني علنياً: "لن يمكنكم التفريق بينه وبين أي مثقف حقيقي، لكن كتاباته في أوائل الألفية لم تكن ملتهبة بنفس القدر التي أصبحت عليه الآن".
ولا يظهر القحطاني كثيراً في اجتماعات الأمير محمد بن سلمان والمسؤولين الأميركان، لكنه صاحب نفوذ قوي
يحتل القحطاني، الذي يتعامل معه المسؤولون الأميركيون بصورة أقل من مساعدي محمد بن سلمان الأمنيين والدبلوماسيين الآخرين، منصب مستشار الديوان الملكي ورئيس مركز الدراسات والشؤون الإعلامية الحكومي.
وقال مسؤول بارز من إدارة أوباما، إنه لا يذكر أن القحطاني كان موجوداً في أي لقاءات مع السعوديين، لكن آخرين يقولون إن ظهوره المحدود يتنافى مع النفوذ الذي يتمتع به، خاصة على محمد بن سلمان البالغ من العمر 33 عاماً، الذي يهوى التكنولوجيا وألعاب الفيديو.
وقال هيكل: "لقد أصبحت السياسة في السعودية بالتأكيد أكثر شعبوية وأكثر استهدافاً للشباب، الذين هم أكثر انخراطاً في الشبكات الاجتماعية، وأعتقد أنه يقوم بتحوير أو تغيير لهجته بناءً على تلك الديموغرافية وهذا النوع من السياسة".
وفي حسابه على تويتر، يُحذِّر القحطاني مراراً وتكراراً من العواقب التي قد تُصيب منتقدي المملكة، ويروِّج لما يسميه البعض نظريات المؤامرة، زاعماً أن الإخوان المسلمين وقطر يدبّرون مؤامرات مدمرة. وهو يعيد متحمساً نشرَ الردود المؤيدة التي يكتبها المستخدمون السعوديون.
كتب مارك أوين جونز، الباحث في جامعة إكستر، أن "نشاط القحطاني على تويتر وصل إلى مستويات تغريدات ترمب العدائية".
كان الصحافي السعودي جمال خاشقجي قال لصحيفة The New York Times إن محمد بن سلمان قد تبنّى أساليب القحطاني بحماس. وقال خاشقجي: "إنهم يخلقون عالماً افتراضياً تُعتبر فيه المملكة العربية السعودية قوة عظمى، ومحمد بن سلمان هو القائد الأكثر شعبية، وبطبيعة الحال، كل هذا يتم بموافقته"، وقال إن القحطاني قد عزَّز سيطرته على الشبكات الاجتماعية والتكنولوجيا لقيادة "جيش من المتصيدين" على الإنترنت، وتمثيل السلطة السعودية، في الوقت الذي تخوض فيه المملكة معارك إقليمية مع إيران وقطر، وحرباً باهظة الثمن في اليمن.