سيكون أمام عادل عبدالمهدي، المستقل الذي كُلِّف رئيساً للوزراء الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، 30 يوماً من أجل تشكيل الحكومة العراقية المقبلة وهي مهمة تبدو شاقة، وسط سعي ائتلافات عدة داخل البرلمان إلى تقديم نفسها على أنها الأكثر حضوراً، وبالتالي الأحق بتمثيل أكبر.
وبعد شلل سياسي استمرَّ لأكثر من تسعة أشهر، في أعقاب الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد، في مايو/أيار الماضي، تسارعت الوتيرة فجأة مساء الثلاثاء مع عودة شخصيتين من قدامى الحياة السياسية العراقية في مرحلة ما بعد صدام حسين.
وبعد أقل من ساعتين على الإطاحة بمنافسه على رئاسة الجمهورية في جلسة تصويت برلمانية، كلف الرئيس الجديد الكردي برهم صالح نائب رئيس الجمهورية السابق عادل عبدالمهدي، بتشكيل الحكومة خلال مهلة دستورية لا تتخطى شهراً.
وجرت التقاليد في العراق، بأن تسمِّي الكتلة الأكبر داخل البرلمان مرشَّحها، وبالتالي يكلف رئيس الجمهورية هذا المرشح بتشكيل الحكومة.
لكن هذه المرة تغيَّرت العادة، مع تسمية رئيس حكومة مستقل، حتى قبل أن تتضح معالم الائتلاف البرلماني القادر على تشكيل الحكومة.
بعد تسمية رئيس الحكومة، ستظل المنافسة على لقب الكتلة الأكبر داخل البرلمان
فبعد انتخاب السني محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، في سبتمبر/أيلول الماضي، ورئيس الجمهورية، لم يبق إلا منصب رئيس الوزراء المخصص للشيعة، والحاكم الفعلي الأكثر نفوذاً في البلاد.
أما داخل البرلمان، فسيُواصل معسكران المنافسة على لقب الكتلة الأكبر. فبعد إعلان رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي عدم سعيه إلى ولاية ثانية، بعدما تخلَّى عنه عدد من حلفائه، يقدم الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر وائتلاف قدامى القياديين في الحشد الشعبي المقرب من إيران، والذي ساهم في دحر الجهاديين، أنفسَهم على أنهم صناع الملوك.
وخلال مؤتمر صحافي بُعيد الجلسة البرلمانية، الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قال المتحدث باسم ائتلاف "الفتح" الذي يتزعمه هادي العامري، النائب أحمد الأسدي، إن "الكتلة الأكبر حسمت الأمر بتسمية رئيس الوزراء"، لكن لا دليل ملموساً حتى الساعة.
في غضون شهر من الآن، على نائب رئيس الجمهورية السابق أن يقدم تشكيل حكومته لنيل الثقة أمام البرلمان، وفي حال فشله يتم دستورياً تكليف شخصية أخرى.
وكان عبدالمهدي عُين في العام 2014 وزيراً للنفط في حكومة العبادي، إلا أنه استقال بعد عامين، لكن هذا الرجل البالغ من العمر 76 عاماً، الذي تنقَّل في دوائر دبلوماسية عدة في العراق، يعتبر اليوم مستقلاً.
يُحسب لعبدالمهدي علاقاته الطيبة مع الأكراد
ويحسب له اليوم أنه شخصية إجماع دولي، في بلد يجد نفسه شاء أم أبى في خضمّ التوتر بين العدوين اللدودين؛ إيران والولايات المتحدة، وهو مقرب أيضاً من الأقلية الكردية (15% من السكان) التي صوتت قبل عام على الانفصال.
ولَطالما كان هذا الخبير الاقتصادي واحداً من القياديين في حزب مقرب من إيران، لكنه مع ذلك يحظى بتأييد الأميركيين والأوروبيين.
ويُحسب لعبدالمهدي، الشيعي الذي وُلد في بغداد، أيضاً، علاقاته الطيبة مع الأكراد الذين عمل معهم في مجلس الحكم المؤقت، الذي أسسته القيادة العسكرية الأميركية في أعقاب غزو العراق العام 2003.
أحد هؤلاء الأكراد كان برهم صالح (58 عاماً)، الذي انتُخب الثلاثاء 2أكتوبر/تشرين الأول، رئيساً للجمهورية، بعد معركة شرسة بين قطبي السياسة الكردية.
وصالح، خريج هندسة الكمبيوتر من جامعات بريطانيا، صاحب سيرة سياسية طويلة، سواء في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991، أو في بغداد.
وأصبح هذا الكردي الذي يتكلّم العربية بطلاقة وزيراً للتخطيط في حكومة أفرزتها أول انتخابات متعددة الأحزاب في العام 2005. وبعد مرور عام، أصبح نائباً لرئيس الوزراء نوري المالكي. وبعد انتهاء ولايته، عاد إلى أربيل ليشغل منصب رئيس وزراء الإقليم بين عامي 2009 و2011.
ومنذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، سيطر الاتحاد الوطني الكردستاني (حزب الرئيس الراحل جلال طالباني) على منصب رئاسة الجمهورية، بناء على اتفاق ضمني مع منافسه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، الذي احتفظ في المقابل بمنصب رئاسة إقليم كردستان.
لكن المنافسة هذه المرة كانت شرسة، خصوصاً بعد تجميد منصب رئاسة الإقليم، واعتبار الحزب الديمقراطي الكردستاني الاتفاق السابق بحكم الملغي، خصوصاً أنه صاحب الكتلة البرلمانية الكردية الأكبر في بغداد.
ويعتبر فوز صالح (219 صوتاً في مقابل 22)، أمام فؤاد حسين، مرشح الزعيم الكردي مسعود بارزاني، ضربة ثانية للأخير الذي يعد مهندس الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان الذي باء بالفشل، في أيلول/سبتمبر 2017.
وتأتي عملية التصويت في البرلمان الاتحادي فيما ينتظر إقليم كردستان العراق نتائج انتخابات تشريعية، من المفترض أن تظهر بحلول مساء الأربعاء، وتحدد ميزان القوى في الإقليم